الأحد، 9 سبتمبر 2018

لفظ (الجدال) في القرآن الكريم


الأصل اللغوي لمادة (جدل) استحكام الشيء في استرسال يكون فيه،
وامتداد الخصومة، ومراجعة الكلام.
و(الجدال) المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل،
أي: أحكمت فتله، وجدلت البناء: أحكمته، ودرع مجدولة:
المحكمة العمل، ويقال: جدل الحَبُّ في سنبله: قوي،
والأجدل: الصقر المحكم البنية. والمجدل: القصر المحكم البناء،
ومنه: الجدال، فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه،
وقيل: الأصل في الجدال: الصراع وإسقاط
الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة.

ولفظ (الجدل) ورد في القرآن في تسعة وعشرين موضعاً، جاء في
خمسة وعشرين موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى:
{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ..}
[الأنفال:6]،
وجاء في أربعة مواضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه:
{..وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ..}
[البقرة:197].
وفي القرآن الكريم سورة تسمى (المجادلة) تضمنت خبر المرأة التي
جاءت رسول الله صلى الله عليها وسلم تشتكي زوجها.
ومادة (جدل) وما اشتق منها وردت في القرآن على ثلاثة معان،
هي:
الأول: بمعنى الخصومة، وهذا المعنى أكثر ما جاء عليه هذا اللفظ،
من ذلك قوله تعالى:
{مَا يُجَادِل فِي آيَات اللَّه إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا..}
[غافر:4]،
أي: ما يخاصم في حجج الله وأدلته على وحدانيته بالإنكار لها،
إلا الذين جحدوا توحيده. ونحوه قوله سبحانه:
{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا..}
[هود:32]،
أي: قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا.ومنه أيضاً عز وجل:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}
[الحج:3]،
أي: يخاصم في الله.
أما قوله تعالى:
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيم الرَّوْع وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلنَا فِي قَوْم لُوط}
[هود:74]،

عن مجاهد: {يُجَادِلنَا}، يخاصمنا ، وتفسير (الجدال) هنا بمعنى
السؤال والطلب من الله -كما ذهب إلى ذلك بعضهم- غير مستقيم،
واعتبر الطبري هذا التفسير جهلاً بالكلام، قال:
لأن الله تعالى أخبرنا في كتابه أنه يجادل في قوم لوط، فقول القائل:
(إبراهيم لا يجادل)، موهماً بذلك أن قول من قال في تأويل
قوله: {يُجَادِلنَا}، يخاصمنا، أن إبراهيم كان يخاصم ربه،
جهل من الكلام، وإنما كان جداله الرسل على وجه المحاجة لهم ،
ومعنى ذلك: وجاءته البشرى يجادل رسلنا، ولكنه لما عُرِف المراد
من الكلام حذف الرسل.
الثاني: بمعنى المراء، من ذلك قوله عز وجل:
{..وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ..}
[البقرة:197]،
يعني: لا مراء في الحج،

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:
الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه ، وعن مجاهد:
{.. وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ..} قال: المراء .
ونحو هذا قوله تعالى:
{..مَا ضَرَبُوهُ لَك إِلَّا جَدَلًا..}
[الزخرف:58]،
أي: مراء، قاله ابن كثير، ومثله أيضاً قوله عز وجل:
{..وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا}
[الكهف:54]،

قال الطبري:
وكان الإنسان أكثر شيء مراء وخصومة، لا يُنيب لحق، ولا ينـزجر لموعظة".
الثالث: بمعنى الحِجَاج والمناظرة، من ذلك قوله سبحانه:
{..وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..}
[النحل:125]،

قال ابن كثير:
أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق
ولين وحُسْنِ خطاب، وقد يكون المراد بـ(الجدل) في هذه الآية الدعوة إلى الدين،

قال القرطبي:
أمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف ،
ومما جاء بلفظ الحِجَاج والمناظرة قوله عز وجل:
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..}
[العنكبوت:46].
وقد ذكر بعض أهل العلم فرقاً بين لفظ (الجدال) ولفظ (الحِجَاج)،
فقال: المطلوب بـ(الحِجَاج) هو ظهور الحُجة ، والمطلوب بـ(الجدال)
الرجوع عن المذهب، وذلك أن دأب الأنبياء عليهم السلام كان ردع القوم
عن المذاهب الباطلة، وإدخالهم في دين الله ببذل القوة والاجتهاد في
إيراد الأدلة والحجج".نخلص مما تقدم أن لفظ (الجدال)

أكثر ما جاء في القرآن الكريم بمعنى (الخصومة)، وجاء أيضاً
بمعنى (المراء)، وبمعنى (المناظرة) و(الحِجَاج)، وهو بحسب هذا
المعنى الأخير محمود ومرغوب فيه، وهو بحسب المعنيين الأول والثاني مذموم
ومرغوب عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق