الجمعة، 17 مايو 2024

القواعد العشر في العتاب بين الأحباب 1

 

القواعد العشر في العتاب بين الأحباب 1


كثرة العتاب من أهم أسباب فقد الأحباب، إذ إنَّه يُرسل برسائلَ سلبية كثيرة
من العاتب إلى المعتوب عليه، أبرزها: أن العاتب لا يحتمل لأخيه أدنى شيء منه،
وأنه دائما ما يسيء الظنَّ بأخيه، وأنه ينظر إليه بعين الاتهام بالتقصير،
وكلها أمور تنتهي بالصداقات الراسخة، والأخوة الصادقة إلى القطيعة الدائمة،
لذلك كان على المسلمين معرفة القواعد المثلى في تطبيق العتاب بين الأحباب.

لقد حرص الإسلام أشد الحرص على تماسك المجتمع الإسلامي بكل مكوناته،
تماسك الأسرة، تماسك الحي، تماسك المدينة، تماسك البلاد، تماسك الأمة بأسرها،
ومن أجل ذلك؛ قرر كل الأصول والقواعد التي تحفظ الوحدة والتماسك بين مكونات الأمة.
ونظراً لأن الاختلاف سنة ماضية في الخلق والكون (ولا يزالون مختلفين).

فقد أسس الإسلام لأدوات بقاء المودة والألفة ودوامها، ومن أبرزها العتاب الرقيق،
والمعاتبة اللطيفة. فالعتاب والمعاتبة، من آكد ما يبقي المودة، ويُشعر بالرحمة، والقرب،
والألفة.ولذلك نجد في القرآن الكريم كيف أن الله-جل وتعالى-كان يعاتب أنبياءه، ورسله،
وعباده الصالحين، لذلك نجد في القرآن الكريم-وهو الكلام المعجز-الذي لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه- نجد عتاباً لطيفاً، رقيقاً من الله-جل جلاله- لقمم خلقه،
وهم الأنبياء والمرسلون، قال تعالىنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةعَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [ التوبة 43] ،
وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) [ التحريم 1] ،
وقال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) [ عبس 1 ـ 3].


وقال: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ
وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا
إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [ التوبة 118].

وعلى الرغم من أن العتاب لا يكون إلا بين المحبين؛ إلا أنَّه قد يخرج في أحيان كثيرة عن الطور،
ويُؤتي عكس ثماره المرجوة، ويتحول لنصل حادٍّ؛ تُشق به العلاقات الراسخة،
وتُهتك به المحبات الكبيرة، فالمسلم قد يعاتب أخاه المسلم بلطف، وتودد،
ولكنه يكثر من القيام بهذه الوظيفة، فيصير يعاتب على الكبير، والصغير، الجليل، والحقير.

وكثرة العتاب من أهم أسباب فقد الأحباب، إذ إنَّه يُرسل برسائلَ سلبية كثيرة من العاتب
إلى المعتوب عليه، أبرزها: أن العاتب لا يحتمل لأخيه أدنى شيء منه،
وأنه دائما ما يسيء الظنَّ بأخيه، وأنه ينظر إليه بعين الاتهام بالتقصير،
وكلها أمور تنتهي بالصداقات الراسخة، والأخوة الصادقة إلى القطيعة الدائمة،
لذلك كان على المسلمين معرفة القواعد المثلى في تطبيق العتاب بين الأحباب.

القاعدة الأولى: إياك وكثرة العتاب، وهي أهم قواعد العتاب على الإطلاق،
وضمانة فعالية العتاب في بقاء المودة والمحبة بين الناس، فكثرة اللَّوْم في الغالب لا تأتي بخير،
ليس كلُّ لوم، ولكن كثرة اللوم والعتاب؛ فإنها تُنفِّر منك الصديق، وتبعد عنك المحب،
ولحظةُ كدرٍ وحِدَّةٍ في عتاب؛ قد تفسد عليك أخوة عُمْرٍ، وتسرُّعٌ في عتاب-بأدنى شيء-
قد تبعد عنك حبيب دهرك كله.

قال الشاعر:

ومن لا يُغْمِضْ عينه عن صديقه *** وعن بعض ما فيه يَمُتْ وهو عاتب
ومَنْ يتتبَّعْ جاهداً كلَّ عثـرةٍ *** يجدْها ولا يُسْلِمْ له الدهر صاحباً!

وانظر إلى الأدب النبوي في تطبيق العتاب، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال:
"لمَّا قدم رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم-المدينة أخذ أبو طلحة بيدي،
فانطلق بي إِلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فقال: يا رسول الله، إن أَنَسَاً غلاماً كَيِّساً،
فليخدُمْكَ، قال: فخدمته في السفر، والحضر، والله ما قال لي لشيء صنعتُهُ:
لِمَ صَنَعْتَ هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعْه: لِمَ لَمْ تصنعْ هذا هكذا؟ "
فعلى الرغم من صغر سن أنس، إلا إن الرسول -صلى الله عليه وسلم-قد تألَّفه بترك المعاتبة؛
لما رَأى فيه من رشدٍ وكياسةٍ في معظم تصرفاته، والصغير لا يخلو من هفوات،
ومع ذلك، لم يعاتبه الرسول عليها؛ لعلمه أنها لا تنفك عن أحد في مثل سنه.

قال الشاعر:

إذا كنت في كل الأمور معاتِباً *** خليلَك لم تلقَ الذي لا تعاتبه

فعشْ واحداً أو صلْ أخاك فإنِّه *** مقارفُ ذنبٍ مرةً ومجانبه
إذا أنت لم تشربْ مراراً على القذى *** ظمئْتَ وأيُّ الناس تصفو مشاربه

ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها *** كفى بالمرء نبلا أن تُعدَّ معاتبه .

القاعدة الثانية: النظر بواقعية للخطأ، وتعني النظر بواقعية تجاه أخطاء البشر،
فلا أحدَ يخلو من أخطاء، وفي الحديث: " كُلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ "،
ومن طلب صديقاً بلا عيبٍ أو خطئٍ؛ أفنى عمره قبل أن يتحقق له ما يريد،
والواجب على المسلم عندما يرى أخاه على خطأٍ، وعيبٍ؛ أن يبصره بالتعامل الأمثل
مع هذا الخلل، فليس بعار أن يكون الإنسان مخطئاً، ولكنَّ العار الحقيقي أن يستمر
على خطئه ويواصل الاحتفاظ بعيوبه، وهكذا ينبغي أن نقبل الآخرين على أنهم بشر يخطئون، قال الشاعر:

اقبلْ أخاك ببعضه *** قد يُقبل المعروف نـزْراً !

واقبلْ أخاك فإنَّه *** إنْ ساءَ عصراً سرّ عصراً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق