الخميس، 20 فبراير 2020

حب .. فزواج .. فطلاق

حب .. فزواج .. فطلاق



يقال: "الزواج كالبطيخ"، تذوّقه لتعرفه، حلوا كان أو مرّا أو حتى بلا طعم

وإن كان صحيّا يحفظك من الجوع والزنا والانقراض، فقد تورّطت فيه وما

من سبيل لإعادة البطيخ إلى محلّه! علاقات كالجبال البركانية، واحدة حيّة

شاعت أخبارها في البلد، وأخرى ميتة لا يعلم ماضيها وما يحدث فيها أحد،

هناك التي تطلّقت عاطفيا وهناك التي تطلّقت في المحكمة، كلاهما وجهان

لعملة واحدة، الأولى سترتها جدران بيت هشّ مهدّد بالأطفال وكلام الناس،

اتخذه الناس معلما تربويا ومضرب مثل في الصبر، فكرّموه بتشييد

المنتزهات حوله، والثانية اعتبروها عارا وتحدّثوا عنها في المنتزهات!

وأخرى كالجبل الأخضر الذي تجري فيه الأنهار على مدار السنة،

صلب بديع مهما قصفته الحياة!



كلمات عذبة كالمياه؛ تجمّدت، لم تكن تسقي حتى المشاعر فتنمو. وعود

كالأحجار الضخمة كبيرة، عيون كعيون الدمى فُتحت دون بصيرة، قلوب

كعلبة خواتم الزواج صغيرة، جُمعت كلها في فستان أبيض وطقم أسود،

تزاوج اللونان في أفلام وثائقية قصيرة، أنتجتها الحياة وأخرجها الشتاء

للمجتمعات، لكنّها في مواسم الشمس انشقّت ومع استقرار الصيف ذابت،

كأنّها لم تكن يوما عدا مخبر تجارب، موسيقى تصويرية تراقص على أنغامها

الأقارب وأبطال ثانويون وضيوف، أشكال دخيلة؛ كانت وحدها كفيلة

بمرافقة العلاقة إلى الباب!



هو شيء يشبه الحب لا يعدو أن يكون إلّا جبلا جليديا تجسّد مع الضباب

ليقطع طريق السفن وينادي "لا وجود للحبّ وما أخطر الزواج". وكم من

المفاهيم المضبّبة حول الحب قذفها أبطال قصص فشلت ككرات بلياردو في

دروب القادمين إلى الحياة الزوجية! وهناك من أحبّ فعلا لكنّ فريق عمل

الفيلم قال كلمته في الأخير، الكلمة التي تهشّ بعصاها الوصال وتنصّ

على الانفصال!



في مذهب الجباليد يحدث الذوبان بفعل أشعة الشمس والمياه الدافئة وكذلك

هي العلاقات تذوب بسبب شمس الحياة القاسية، وبسبب رعاية الناس الدافئة

التي تجعلهم يحرصون على حياة أسرة صغيرة بالتدخل في شؤونها

ومراقبتها دون انقطاع حتى تتفتّت، نار في السماء ونار تحت الماء وبين

النارين زواج يودّع. بالمقابل، توجد جبال صخرية شامخة ووعرة من

الصعب أن يتسلقها البشر، أو أن تزحزحها عوامل الطبيعة القاسية،

تعود بعد كلّ موسم لطبيعتها.



الفرد بين الحب والزواج:

يعدّ الكذب أكبر غلطة يقع فيها الزوجان، فتنجر عنه سلسلة لا منتهية من

المشاكل التي لا تغتفر وتجعلهما يفتحان الملفات الأولى من جديد عند كل

تضارب، فالكذب هو القاعدة الأساسية للخيانة والشك

ما لا يدركه البعض هو أن الحبّ ليس مجرد مشاعر وأحاسيس سطحية

وانجذاب بصري، وأن "عبارة أحببته (ها) دون سبب" كاذبة، فكل حبّ

وراءه سبب وعدم مقابلة العطاء بالعطاء في الحب هو ما يوصل العلاقة

إلى طريق مسدود، كونه يتغذّى كما الجسم وسوء تغذيته قد تؤدي به إلى

الضمور. ومن جهة أخرى يميل طرف إلى آخر بسبب شيء مميّز فيه،

فيتوقع منه الكمال وسرعان ما يصطدم بعيوبه بعد الزواج. والحقيقة أن

الناس يتحدثون كثيرا عن ركيزة العقلية والأخلاق كشرط رئيسي في الطرف

الآخر ولكنهم مع أول محاولة يقعون في فخّ المظهر!



يفشل الزواج عند البعض لأنهم لم يعرفوا بعضهم البعض، لم يحترموا

بعضهم البعض، لم يصْدقوا، ولم يتوافقوا، ولم يحتملوا الاختلاف وحوّلوه

إلى قضية خلاف. يفشل الزواج حين يكون في ذهن أحد الطرفين أو كليهما

عبارة عن منفذ لتحقيق الأحلام متناسيين حجم المسؤوليات التي تولد معه.

والحب لا يعني أن تضبط الآخر حسب قوانينك، فتسعى لتغييره من النسخة

التي عرفته بها إلى النسخة التي تريدها، أن تحب يعني أن ترضى وتتقبّل

وإن كان العيب مضرّا فمن الأدب تعديله بحكمة. والحبّ لا يعني فقط أن

يحاور جسد الآخر!



الوجه الآخر لفترة الخطوبة:

تؤدي فترة الخطوبة دورا فعالا في التأثير على الزواج إيجابا أو سلبا، فهي

المكان والزمان الذي يسمح للطرفين بالتعرّف على بعضهما البعض،

إلّا أنّ هذه الفترة تتعرّض لانتهاكات أخرجت العلاقة عن مسارها الطبيعي،

فأصبحت لدى الكثيرين زواجا دون عرس تحدث فيها تجاوزات توهم

الطرفين أنّهما زوجان فعلا، فاللقاءات اليومية والمكالمات الهاتفية الطويلة

بل حتى اللقاءات الجنسية قبل الزواج أصبحت أمورا معتادة وهو ما يجعل

فترة الخطوبة أطول من مدّة الزواج.



ومن المعروف أن هذه الفترة تتسم بالتصنّع وأحيانا الكذب، فاللقاء فيها

لا يتم عشوائيا وإنّما بعد تحضيرات وعناية شكلية ونفسية ومعرفية، وهذا

ما لا يكون بعد الزواج. فضلا عن لعب دور الضحية الذي يؤديه طرف ولو

لا شعوريا، فتجده يشكو للطرف الآخر نزاعاته مع أفراد الأسرة أو العمل،

فلا يستقبل المنصت إلّا المعطيات التي سردها الآخر فيتضامن معه بينما قد

يكون ما قاله مجرّد إسقاط نفسي يظهر بعد الاحتكاك به بعد الزواج. بالإضافة

إلى رفع سقف التوقعات الذي ينهار على رأسهما بمجرد الزواج!



مفاهيم أساسية مرتبطة بالزواج:

النضج الانفعالي: هو الاستجابة الواعية بسلوك ناضج يكون فيه الفرد قادرا

على السيطرة على انفعالاته والتعبير عنها بصورة ناضجة، وقادرا على

التكيف مع المواقف والآخرين والتعامل معهم بذكاء، مع إحداث التغيير

المناسب في الوقت المناسب دون التفريط في الحقوق.



التوافق النفسي: هو التوازن الداخلي الذي ينعكس في سلوك الفرد الفعال

وتعامله مع الآخرين وشعوره بقيمته وقيمة الآخر وذلك التناغم مع الذات

والغير الذي يؤهل الفرد لتحمل المسؤوليات والشعور بالرضا.



التوافق الزواجي: هو ذلك الانسجام الذي يتجلى فيه الحب والاحتواء والدعم

والثقة والإنفاق النفسي والاحترام المتبادل بين الزوجين، فضلا عن التماسك

الذي يجعلهما يشعران بالأمان النفسي والاستقرار ويدفعهما لإشباع حاجات

بعضهما البعض من مختلف الجوانب النفسية، والمعرفية، والجنسية،

والانفعالية، والمادية، والاجتماعية في سلسلة تفاعل إيجابي ينتج عنه

الرضا، والدافعية للإنجاز، والتضحية.



ما الذي يهدّد الزواج؟

الكذب: يعدّ الكذب أكبر غلطة يقع فيها الزوجان، فتنجر عنه سلسلة لا منتهية

من المشاكل التي لا تغتفر وتجعلهما يفتحان الملفات الأولى من جديد عند كل

تضارب، فالكذب هو القاعدة الأساسية للخيانة والشك وعدم الثقة.



فضح العلاقة الجنسية: تعد المشاكل الجنسية من أخطر المشاكل التي تترصد

بالعلاقة الزوجية، لهذا ولد ما يسمى بالذكاء الجنسي، وقد انتشر مؤخرا

الحديث عن الخبرات الجنسية في الجماعات، بل تعدّى الأمر بالبعض للتباهي

والمقارنات، مما كسّر جميع الحدود وجعل البعض يرغب في التقليد فخرجت

العلاقة عن محورها الثنائي بتدخل العوامل الخارجية التي ترهق الآخر

أو تسلبه حقه وتجعل الواحد يتهم الآخر بالعصيان أو الجفاء، بل هناك

من يراها أكبر مؤشر على موت الحبّ. لقد صار فراش زوجين ينتقل بين

الأزواج عن طريق العنعنة كأنه دليل استخدام!



اتخّاذ القرارات الفردية: ينسى البعض أن اتخاذ قرار في العلاقة الزوجية

يحدد مصير فردين واتخاذ قرار دون مشاورة الآخر ظلم وإساءة تفتح المجال

للشجار، فضلا عن اتخاذ القرارات وقت الغضب والتي عادة ما تكون خاطئة.



سوء الفهم: عادة ما تحدث مشاكل بين الزوجين بسبب سوء الفهم، فقد يعبّر

أحدهما عن حاجته للآخر بسلوك سلبي يحمل في باطنه نيّة طيبة، كأن يعبّر

أحد الطرفين عن حبه للآخر بالغيرة ويتهمه بإهماله بمجرد أن يراه مهتما

بالآخرين. إنّ بعض التصرفات الصبيانية والسلبية لا تعني سوى "أحبّك".



الإهمال: يشكو طرف من عدم اهتمام الآخر بمظهره (ها) بعد مرور فترة

من الزواج، ويشكو الرجل من إهمال زوجته للبيت والأطفال خاصة إذا كانت

عاملة، فتنشب الحرب حول هذا العامل الأخير ممّا يهدّد العلاقة خاصة إذا

كانت المرأة متمسكة بحقها فيه. ويشكو طرف من عدم اهتمام الآخر بعامل

الحوار والمشاركة والجلسات الترفيهية مع الآخر في البيت بسبب ارتباطاته

بالعمل أو الجفاء حتى يتحول البيت إلى فندق ويحدث الطلاق العاطفي.



التنافس: يعد التنافس من أبشع العقبات التي تتخلل العلاقة الزوجية، حيث

يتحول البيت إلى حلبة خاصة مع قدوم الأطفال فيقصي واحد رأي الآخر

وتصبح التربية بين مد وجزر والقرارات المتعلقة بالأبناء بين رفض وقبول،

حتى إن طرفا يشكّل حزبا مع أبنائه ضد الآخر فيمسي الثاني غريبا وهو

ما يسبب له جرحا عاطفيا ويدفع به إلى العزلة وبالأسرة إلى التشتت.



الإنجاب: هناك من الأزواج من يدفعهم عدم الاتفاق على الإنجاب مباشرة

إلى إنهاء العلاقة ووجب التفاهم حول هذه النقطة واحترام رغبة الأبوة

أو الأمومة وإيجاد حلّ للعوامل التي تمنع من التفكير في الإنجاب بعقلانية.



الشكوى للآخرين: وينقل بعض الأزواج المندفعين أبسط المشاكل والأخطاء

التي يرتكبها الآخر إلى بيوت أخرى بغية إيجاد مكان للتنفيس والتفريغ بينما

قد يزيد هذا الفعل الطين بلة ويشعر الآخر بعدم الاحترام والتجاوز خاصة إذا

كانت المشكلة لا تستحق كلّ هذه الشوشرة.



العناد والكبرياء: يقول بالزاك: "يبلغ الحبّ القمة متى تنازلت المرأة

عن عنادها والرجل عن كبريائه".



تمتزج الروح مع الروح ليولد الحب وبعدها يتدرّج من مستوى إلى مستوى

أعلى حتى يبلغ القمة، ولعل القمة هنا بشكلها العقلاني هي المودة والرحمة.

ويمثل العناد والكبرياء عقبة حقيقية أمام الحبّ، إنهما من أعنف ما قد يقف

في وجه المودة والرحمة، فالرحمة على سبيل المثال تأتي لتمسح شيئا

من الجفاء والقسوة التي يمكن أن تبرز في مراحل العلاقة. إنهما يتحابان

ويتزوجان وينجبان لكن علاقتهما قد تتعرض لشيء من الخدش. بعناد المرأة

وكبرياء الرجل سيكون من الصعب الاعتراف بالحاجة، بالإعجاب مرة أخرى،

بالحب مجددا، بالشوق وبالخطأ. وبسببهما سيكون من الصعب التفهم

والتنازل واحترام الأدوار. فضلا عن الأزمات المادية والصحية

وتدخّل الآخرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق