السبت، 22 أغسطس 2015

شرح حديث التعوذ بعد التشهد الأخير

شرح حديث التعوذ بعد التشهد الأخير
الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :
 كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو :
 
( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , وَمن عَذَابِ النَّارِ
, وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ , وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ )
 
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ :
 
( إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ , يَقُولُ :
 اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ )
 ثم ذَكّر نحوه .
 
  أهمية هذه الأربع والاستعاذة منها :
عذاب القبر ، وعذاب النار ، وفتنة المحيا ، وفتنة الممات ، وفتنة الْمَسِيحِ
الدَّجَّالِ . إثبات عذاب القبر ، وقد أنكره بعض المعتزلة من نحا نحوهم
وسار بِسيرهم ، وعذاب القبر حق .
 
قال ابن دقيق العيد :
 فِي الْحَدِيثِ إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ . وَهُوَ مُتَكَرِّرٌ مُسْتَفِيضٌ فِي الرِّوَايَاتِ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ . وقد تقدّم
التفصيل في هذه المسألة في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما ،
وهو الحديث الثامن عشر .
 
 إثبات فتنة المسيح الدجال ، وأنه أعظم فتنة ما بين خلق آدم إلى قيام
الساعة ، لِما أعطاه الله ومكّنه مما فيه فتنة .وقد أنكره قوم ، وتأوّله
آخرون ! فقد تأوّل بعض المعاصرين أن المقصود به : الحضارة الغربية ،
 أو اعوجاج الضمير اليهودي !  وهذا تأويل مرفوض ، إذ كيف يُتصوّر أن
يستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم من المسيح الدجال ، ويأمر أصحابه
بالاستعاذة منه ، ويُخبر بمكانه ، وبما معه ، وجهة خُروجه ، وأنه يَخرج
من جهة المشرق ، وأنه يَتبعه سبعون ألف من يهود أصبهان ، كما
 في صحيح مسلم ، وأصبهان اليوم في إيران !ثم يُتأوّل بعد ذلك
 هذا التأويل الفاسد ؟!
 
وقد أخبر تميم الداري النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى من الدجّال ،
فصدّقه النبي صلى الله عليه وسلم ، وذَكَر عليه الصلاة والسلام أنه
وافق الذي حدّثهم عن الدجال ، والحديث بِطوله في صحيح مسلم .
 
  معنى فتنة المحيا :
قال ابن دقيق العيد : مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الإِنْسَانُ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ ، مِنْ الافْتِتَانِ
بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالاتِ ، وَأَشَدُّهَا وَأَعْظَمُهَا - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى :
أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ .
 
  معنى فتنة الممات :
قال ابن دقيق العيد : يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ . أُضِيفَتْ
إلَى الْمَوْتِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ . اهـ .  وفُسِّرتْ فتنة الممات بأنها فتنة القبر .
وكان ابن أبي مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ،
 أو نفتن عن ديننا . رواه البخاري ومسلم .
 
وكان سلف هذه الأمة يخافون على أنفسهم من فتنة المحيا
 ومن فتنة الممات
 
قال صالح بن أحمد بن حنبل : لما حضرت أبي الوفاة فجلست عنده
والخرقة بيدي أشدّ بها لحيته . قال : فجعل يغرق ثم يفيق ويفتح عينيه
ويقول بيده هكذا : لا بعد . لا بعد . لا بعد . ففعل هذا مرة وثانية ، فلما كان
 في الثالثة قلت له : يا أبتِ إيش هذا الذي لهجت به في هذا الوقت ؟ فقال
: يا بني أما تدري ؟ قلت : لا . فقال : إبليس لعنه الله قائم بحذائي
عاضّ على أنامله يقول : يا أحمد فتني ! فأقول : لا ، حتى أموت .
 
وقال عطاء بن يسار : تبدّى إبليس لرجل عند الموت فقال : نجوت !
 فقال : ما نجوت ، وما أمنتك بعد .
 
ففتنة المحيا هي ما يكون في الحياة من الردّة – عياذاً بالله – أو ما يكون
من الضلال بعد الهدى ، والمعصية بعد الطاعة .وفتنة الممات شاملة لفتنة
الاحتضار ، وحضور الشيطان عند الميت ، ولفتنة القبر وسؤاله .
 
 استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم مع عصمته منها :
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم
واستعاذته من هذه الأمور التي قد عُوفي منها وعُصم إنما فعله ليلتزم
خوف الله تعالى وإعظامه والافتقار إليه ، ولتقتدي به أمته ، وليبين لهم
صفة الدعاء والمهم منه . ذَكَرَه النووي .
 
وكذا قال الحافظ العراقي في طرح التثريب :
اسْتِعَاذَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ مَعَ أَنَّهُ مُعَاذٌ مِنْهَا قَطْعًا
فَائِدَتُهُ إظْهَارُ الْخُضُوعِ وَالاسْتِكَانَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالافْتِقَارِ ، وَلِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ
فِي ذَلِكَ ، وَيُشَرِّعَ لأُمَّتِهِ . اهـ .
 
  حُكم الاستعاذة من هذه الأربع في الصلاة :
قال الإمام النووي : قوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعلّمهم
هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن ، وأن طاوساً رحمه الله تعالى
أمر ابنه حين لم يَدْعُ بهذا الدعاء فيها بإعادة الصلاة ؛ هذا كله يدل على
تأكيد هذا الدعاء والتعوذ والحثّ الشديد عليه ، وظاهر كلام طاوس رحمه
الله تعالى أنه حَمَل الأمر به على الوجوب ، فأوجب إعادة الصلاة لفواته ،
وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب ، ولعل طاوساً أراد تأديب
ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه ، والله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق