الاثنين، 28 أغسطس 2017

عبودية المال.. الفتنة الشائعة

المفتونون يتركون أبناءهم يضيعون

ويلهثون وراء المال


إن ما نراه واقعاً اليوم من فتن ومحن ومن حروب طاحنة وزلازل

مدمرة ومتغيرات كثيرة. قد أخبر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم

منذ أربعة عشر قرناً من الزمان وقال عليه الصلاة والسلام:

( ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً).

وحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الوقوع في الفتن خشية

وقوع الاضطرابات الاجتماعية وما ينتج عنها من شقاق وتناحر

وضياع العقيدة والدين والمروءة والشرف يحصل أحياناً في زماننا هذا.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً

ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)

رواه أحمد والترمذي ومسلم وعن كرز الخزاعي رضي الله عنه قال:

قال أعرابي يا رسول الله، هل للإسلام من منتهى؟

قال نعم من يرد الله به خيراً من عرب أو عجم أدخله عليه.

قال ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: ثم تقع الفتن كالظلل والذي نفسي

بيده لتعودن فيها أساور صبا يضرب بعضكم رقاب بعض فخير

الناس يومئذ مؤمن معتزل في شعب من الشعاب يتقي الله ويذر

الناس من شره)


رواه أحمد.

حول التحذير من الفتن وخاصة فتنة المال التقينا بفضيلة

الشيخ إبراهيم الرشيد القاضي بديوان المظالم فقال:

لقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن والوقوع فيها

وحث على الصبر عنها وعليها.

واستدل بحديث عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

( ان السعيد لمن جنب الفتن ان السعيد لمن جنب الفتن، ان السعيد

لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر)


رواه أبو داود

وحديث جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال جلس

رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال:

( ان مما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا

وزينتها... الحديث)


رواه أحمد والبخاري.

وبين الشيخ الرشيد أن من بين الفتن الخطيرة التي وقعت في زماننا

هذا فتنة المال. تلكم الفتنة التي جعلت الكثير يتنازل عن أمانته

ويرخص بشيء من دينه ويلجأ إلى الكذب والغش والخداع من أجل المال.

فبسبب المال قطعت الأرحام وخاصم الأخ أخاه والقريب قريبه

فكم من أسر تقطعت الأواصر بينها بسبب المال وعادى بعضها

بعضاً من أجل ذلك بل وقفوا في المحاكم ينازع بعضهم بعضاً.

انشغال عن الدين

فضيلة الشيخ أحمد الهاشم رئيس مركز الدعوة والإرشاد بالأحساء

ذكر انه بسبب المال والانشغال في جمعه بأي وسيلة شغل الكثير

عن أمور دينهم وانصرفوا عن آخرتهم وعن أداء الحقوق والواجبات

تجاه خالقهم ثم تجاه أهليهم وأقاربهم ومن لهم حق عليهم بل ان

الكثير أهمل تربية أولاده ومتابعتهم والسعي لإصلاحهم بل تركهم

عرضة للانحراف والضياع والغريب أنك إذا ناقشت هذه الفئة في

أمر تربية الأولاد قال لك: أحدهم أنا أجمع المال من أجلهم ومن أجل إسعادهم.

فبئس ما يقولون وما قيمة أولاد تربوا على الرفاهية والدلال

لكنهم بعيدون عن الله غارقون في أوحال الآثام والمعاصي بسبب

سوء تربية أوليائهم الذين اهتموا بجانب الغذاء والكساء والرفاهية

لكنهم أهملوا جانب التربية الصالحة وهي الأهم. وبين الهاشم ان

من عجيب من غرق في فتنة المال أنه يسخر جل وقته أو كله من

أجل المال ولو على حساب صحته وعافيته وانتم تعلمون أن المال لا

قيمة له ان فقد الإنسان الصحة والعافية لذا قال المصطفى

صلى الله عليه وسلم:

( من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في بدنه, عنده قوت يومه

فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).


وأشار إلى أن فتنة المال قادت الكثير إلى الحرام إلى الربا والسحت

وإلى أكل أموال الناس بالباطل، وإلى شهادة الزور والتزوير وإلى

الرشوة الظاهرة والباطنة.

بل ربما قادت البعض إلى التنازل عن عرضه وشرفه رجلاً كان

أو امرأة عياذا بالله من ذلك لقد قال الحر الأبي قديما:

1

أصون عرضي بمالي لا أدنسه .

2

لا بارك الله بعد العرض في المال

الحفاظ على المال

فضيلة الشيخ محمد الزين رئيس ديوان المظالم بالشرقية بين أن

المال هو عصب الحياة وشريانها بل إن المال أحد الضرورات الخمس

التي حرص الإسلام على الحفاظ عليها وشرع العقوبات لمن تعد عليها.

وقال: إن الإسلام حذر من الانغماس في المال بهذه الصورة البشعة

التي عليها الكثير من الناس إلا من رحم الله حتى وجد من يجمع المال

ولا يؤدي حق الله فيه وإذا ما عرض عليه عمل خير أعرض عنه

وأشاح بوجهه لمن يكلمه في المال.

وأشار إلى أن الله تبارك وتعالى وهو خالق الإنسان وخالق الدنيا

لكنه أودع في الانسان حب المال وجعله من زينة الحياة الدنيا كما

قال سبحانه

{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ

رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا }


وهذه الزينة قد فطر الإنسان على حبها والتعلق بها والاستكثار

منها لاسيما المال.

كما قال تعالى

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ

الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ

ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }


ويقول تعالى

{ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا } .

الإسلام والفطرة

والأسلام بسماحته لا يتعارض مع فطرة حب الانسان للمال وحب

تملك المال بجميع أنواعه غريزة بشرية لا فكاك منها وإن كانت هذه

الغريزة توجد لدى الناس بدرجات متفاوتة كماً وكيفاً حسب المبادىء

التي يؤمن بها المرء وحسب نظرته إلى دينه ودنياه وآخرته.

ولكن الإسلام عالج هذه الظاهرة لدى الإنسان ووجه هذه الفطرة

التوجيه السليم لكي يكون المال أداة إسعاد للإنسان وللمجتمع

وليحقق الخير والسعادة والطمأنينة.

أمور هامة

لذلك بين دين الإسلام وأمور هامة حول المال:


أولا:

بين الإسلام أن المالك الحقيقي للمال هو الله، فالله هو رب كل شيء

ومليكه ،

يقول تعالى :

{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }



ويقول سبحانه:

{ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ }

ويقول جل وعلا:

{ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ } .

ثانيا:

الإنسان مستخلف على هذا المال وما هو إلا وديعة لابد من ردها.

وما المال والأهون إلا ودائع...... ولابد يوما أن ترد الودائع

ويقول الله جل وعلا:

{ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ }.

ثالثا:

امر الله الإنسان ان يرضى بما قسم له من رزق وان يقنع ويرضى

برزقه, فعدم الرضا والقناعة داء عظيم يقود المرء الى جمع المال

بأي وسيلة وبأي طريق.

يقول الله سبحانه وتعالى:

{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }.

رابعا:

شكر الله على نعمة المال وتسخيرها لطاعة الله ولصالح الإنسان,

وتعمير الأرض لا الإفساد فيها والتطاول بالمال على عباد الله.

سامي المبارك- الدمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق