الجمعة، 9 يوليو 2021

موسوعة المؤرخين (78)

 موسوعة المؤرخين (78)


ابن حيان القرطبي..شيخ مؤرخي الأندلس (03)

أما الحالة الثقافية:
فالعجيب أنه وعلى النقيض من الوضع السياسي؛ لم تكن الثقافة
الأندلسية يومًا أشد إشعاعًا، وأقوى خصوبة كما كانت عليه في تلك
الفترة. ففي الغالب تكون الأزمة "تحديًا" يوجب "الاستجابة" -حسب
مفهوم أرنولد توينبي، وغالبًا ما تناط النخبة المفكرة بريادة الاستجابة
على الصعيدالمعرفي. ويجمع الدارسون على ازدهار الحركة الثقافية
في عصر ملوك الطوائف وذلك راجع إلى تداعيات وظلال العصر السابق،
بما يؤكد أن الظواهر الفكرية في تطورها وفي أفولها تحتاج
إلى فترة زمنية طويلة.

هذا وقد مجد الأندلسيون العلماء والفقهاء ورجال الأدب، وكان لهؤلاء
القيادة والريادة في المجتمع الأندلسي. أما العلماء فقلَّ من تجده متبحرًا
في علم واحد أو علمين؛ بل فيهم من يعد من الفقهاء والمحدثين
والفلاسفة والأدباء والمؤرخين واللغويين، ولم يقتصروا على العلوم
النظرية بل كانت لهم دراسات في علوم عملية كالفيزياء، وعلم العقاقير
والصيدلة، والزراعة (علم الفلاحة) والذي أبدعوا فيه وصنفوا التصاميم
المشهورة، مسجلين ما توصلت إليه تجاربهم في النباتات والتربة.

وهذا التعدد المعرفي لعب دورًا مهمًا في إثراء فكر ابن حَيَّان خاصة
وأنه كان مكثرا من الاطلاع على تلك الكتب، وسهلت له تلك النهضة
العلمية الاطلاع على تاريخ الممالك النصرانية أيضًا، مما يرجح أنه كان
يعرف عجمية الأندلس وأن ما أورده ابن حَيَّان من أخبار عن إسبانيا
النصرانية ينم عن معرفته الدقيقة بكل أحوالهما وأنساب حكامها.

وكان لكثرة مطالعاته التاريخية أن تجنب الروايات الخرافية
والأسطورية ولم يشع ذلك في كتاباته؛ مما كون وعى تاريخى ناقد لديه
ومكنه من أن يصور ما وُجد فى البلاط الأندلسي من دسائس وفتن بين
الحجاب والوزراء تصويرًا نقديًا لا يعتمد على القص فقط.

كما كانت قرطبة في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، غدت أحد
أعظم مراكز العلم والحضارة في العالم الإسلامي، وأضحت جامعتها
الشهيرة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري إحدى أعظم جامعات
الأندلس قاطبة. فاستفاد ابن حيان من هذا الجو العلمي سواء الذي وفره
له والده، أو الكفاءات العلمية المتوافرة في قرطبة، فانكبّ على دراسة
الحديث والأدب واللغة، وبرع في الأدب والرواية حتى غدا أحد أعلامها
ومحققيها. وكانت نشأته في أسرة ميسورة الحال ترتبط بالأوساط العليا
في قرطبة تتيح له الاطلاع على أفضل ما في مكتبات قرطبة، خصوصًا
المكتبة الملحقة بقصر الخلافة، كبرى مكتبات العالم آنذاك ولم تقارن
إلا بمكتبات بغداد والقاهرة.

والخلاصة أن الفكر التاريخي قد اذدهر إبان تلك الحقبة التي شهدت
"القرن الذهبي" في تاريخ الفكر الإسلامي، وخير نموذج هو حامل لواء
التاريخ في الأندلس "ابن حَيَّان القرطبي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق