الخميس، 8 يوليو 2021

موسوعة المؤرخين (77)

 موسوعة المؤرخين (77)

ابن حيان القرطبي..شيخ مؤرخي الأندلس (02)

عصر ابن حيان السياسي والفكري:
وُلد أبو مروان ابن حيان القرطبي سنة 377هـ/ 987م، وتوفي سنة
469هـ/ 1076م، وعلى ذلك فإنه شهد في مطلع شبابه وحدة الأندلس
ومنعتها على عهد الدولة العامرية، ثم شهد قيام الفتنة وزوال خلافة
قرطبة وقيام دول ملوك الطوائف في الأندلس. آلمه كثيرًا ما آلت اليه حال
الأندلس من تمزق وفرقة بعد أن نعمت بالوحدة والمنعة أيام الخلافة
الأموية، التي يسميها ابن حيان بأيام الجماعة، فأخذ في تدوين تاريخ
عصره بعمقٍ وإسهاب.

أما الوضع السياسي:
فقد شاهد ابن حيان في شبابه تغيرات سياسيّة خطيرة كان لها آثارها
الخطيرة على الوجود الإسلامي في الأندلس، إذ انهارت الدولة العامرية
المسيطرة على شؤون الحكم في الأندلس، وأعقبها ترنح الخلافة الأموية
على مدار 40 عامًا، ثم سقطت لينفرط عقد المدن الأندلسية ووحدة البلاد
السياسية، فقامت على أنقاض الأندلس دويلات عدة عرفت بدول الطوائف
وكان بعضها لا يزيد على كونه مدينة ودولة، فيما أخذت البقايا الأسبانية
تعيد تنظيم قواتها وتبدأ في توجيه جيوشها صوب الأراضي الأندلسية.

وعلى الصعيد الاقتصادي:
وبعد انهيار الخلافة ثم سقوطها حدثت الانتكاسة وعم الكساد
الاقتصادي وتدهور العمران، وحفل العصر بالأزمات إلى حدِّ المجاعة
وأفل نجم قُرْطُبَة عمرانيًا وبشريًا، وصور ابن حَيَّان الوضع قائلًا: "..
وطمست أعلام قصر الزهراء ..، فطوي بخرابها بساط الدنيا وتغير
حسنها؛ إذ كانت جنة الأرض، فعدا عليها قبل تمام المائة من كان أضعف
قوة من فارة المسك، وأوهن بنية من بعوضة النمروذ، والله يسلط جنوده
على من يشاء، له العزة والجبروت".

وعلى الصعيد الاجتماعي:
شهد المجتمع الأندلسي في ظل الخلافة والحجابة مرحلة المزج
والانصهار بين العرقيات المتنوعة ليحدث نوع من التجانس لم تشهده
الأندلس من قبل؛ إلا أن السخائم العرقية والإقليمية عادت مرة أخرى
لتؤثر سلبيًا في هذا التجانس، ولتمزق وحدة الأندلس من جديد بظهور
النزعة العنصرية؛ ولذا لم يغب عن ابن حَيَّان أيضًا أن يعبر عن تلك
النزعة في الأندلس في تلك الفترة؛ وذلك من خلال حديثه عن اجتماع
خازنَي بيت المال في عهد الأمير محمد، وهما "عبد الله بن عثمان
بن بسيل، ومحمد بن وليد بن غانم "واستدعى الأمر أن يكتب ابن غانم
كتابًا قدم نفسه فيه، فما كان من ابن بسيل إلا أن قال له: "والله لا أطبع
كتابًا تتقدمني أنت فيه، وأنا شامي وأنت بلدي". كما أشار أيضًا إلى الفتنة
بين اليمنية والمضرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق