الثلاثاء، 10 مايو 2022

لحظات سماوية

 لحظات سماوية


بعض الآيات قد نسمعها ونقرؤها مرارًا وتكرارًا، ولكن قد يحصل في لحظة من الزمن أن تقع إحداها في آذاننا موقعًا عجيبًا، وكأننا نسمعها لأول مرة، وهو شعور حقيقي تمامًا عايشه الكثير ممن مروا بهذه اللحظات السماوية.
وكان شأني مع هذا الشعور عجبًا، فقد حَزَبني في يوم ما أمرٌ أدخل الحزن والأسى على قلبي، ففزِعتُ إلى أمي ألتمس عندها السلوى، فكانت لي نعم الملجأ، وغمرتني بفيض حنانها ما خفف عني شيئًا غير يسير، ثم تَلَتْ على مسامعي ما تيسر من آيات مباركات من سورة الطلاق بصوتها العذب: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]، فكأنها - والله - غيثٌ نزل من السماء منهمرًا على قلبي، غاسلًا منه الحزن كما يغسل الثوب الأبيض من الدنس.
والعجيب أن هذا لم يكن أول عهدي بهذه الآيات، ولكني شعرت وقتها كأني أسمعها أول مرة، بل وكأن تُليت عليَّ حينئذٍ خصوصًا من أجلي؛ لتكون بردًا وسلامًا على قلبي المكلوم.
شعور عجيب جعلني أستشعر كل حرف وكل كلمة فيها بيقين؛ فقد ذكرتني حينها أن المخرج موجود والرزق كذلك، وقد تكفل الله بهما، ومن حيث لا أحتسب ولا أتوقع، ومن ذا الذي يضيع والله كفيله؟
إنما عليَّ قبلًا أن أتزود بالتقوى؛ تقوى الله سرًّا وجهرًا، وأن أتذكر دائمًا أنه مهما بدا لي الأمر مستحيلًا وبعيدًا، أو قريبًا تحجبه عني الحجب، فإنه يغدو إذا جاء أمر الله قدرًا واقعًا، لا يحول بيني وبينه حائلٌ، ووجدتُني عندئذٍ وقد سكنت نفسي، وامتلأ قلبي رضًا وسكينة غمرتا نفسي وقتها، وما زالتا تغمراني حتى الآن كلما مررت بهذه الآيات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق