الثلاثاء، 18 أغسطس 2020

المطلقة والمجتمع

المطلقة والمجتمع



كان زميلي الأربعيني، وهو مُطلّق ووالد لطفلين، قد طلب مني قبل فترة من

الزمن أن أساعده في البحث عن عروس مناسبة ذات دين وخلق رفيع، تكون

له عونًا في حياته، يكمل معها نصف دينه، وهو ما غفلت عنه ونسيته، حتى

تذكرت صديقتي التي طُلقت من زوجها بعد سبعة أشهر من الزواج، بسبب ما

كان يمارسه ضدها من عنف. صديقتي تلك، طلبت الطلاق بعد أن تعرضت

للضرب وأصناف مختلفة من العنف من قبل زوجها، وهو الأمر الذي أفقدها

طفلها الذي كان في أحشائها، وحوّل حياتها إلى جحيم لا يطاق.



قررت في لحظة وبعد دراسة متأنية، أن أعرض أمرها على الصديق

الأربعيني المطلق، لعلهما يستطيعان معًا تجاوز ما مرّا به، وتخطي ما رسمته

السنوات على دروبهما، بيد أنني صدمت بعزوفه، ورفضه المطلق للأمر،

لا لشي، إنما وبكل بساطة "لأنّها امرأة مُطلّقة، فرّطت بزوجها بعد أشهر

قليلة من الارتباط"!



لم يسأل صديقي، عن خلق الفتاة واستعدادها لبناء أسرة، والعيش في سعادة

وهناء، بقدر ما سأل عن سبب "هدمها لبيتها"، "فكيف أسلم أمري لفتاة لا

أثق بأنها سوف تستمر معي؟ ثم أضاف "لماذا تطلقت؟"، أخبرته السبب

مباشرة، وقلت إنها تعرضت لأصناف من العنف غير المحتمل، ليصدمني

بضحكته الساخرة التي أتبعها بقوله "وهل صدقت هذه الرواية؟"



كم من فتاة أجبرت قسرًا على أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها،

لأنها وبكل بساطة لن تجد غيره وهي مطلقة من زوجها



صدمني رد الصديق، لم أحتمل المشهد كله، لم أستطع تفهم هذا الحكم

المطلق على امرأة دون أي اعتبار لما حصل معها، وقبل دراسة وضعها

أو تتبعه ومحاولة فهمه أو تصديقه من عدمه، ما استدعاني إلى عرض

المسألة على أصدقاء آخرين، وهو ما زال من هول الصدمة، حين فهمت

أن أكثرهم يحملون الفكر العقيم ذاته، الرواية ذاته، والمشهد النمطي

الظالم ذاته.



هذا المشهد، وغيره، وما وصلت إليه من خلال مناقشته مع أصدقائي، جعلني

على يقين بأنّ الرجل العربي - إلا من رحم ربي- لا يقبلون مجرد التفكير في

امرأة كانت على ذمّة آخر، مهما كان سبب انفصالها، تدعمهم في نظرتهم

هذه نساء أخريات كُنّ وما زلن يقفن على رأس الرافضين لفكرة الارتباط

من مطلقة، ويسعين إلى خلق تلك الصورة النمطية لدى الشباب منذ الصغر،

وهي صورة أثرها لا يزول.



كم نحن نساء بائسات في مجتمعات ظالمة تحرم ما أحله الله، وتخوض في

أعراض القوارير بكل سهولة، مجتمع يخوض فيه الجميع بشؤون المرأة

والدين، تلك المرأة التي كرمها الإسلام وصانها وحفظ لها حقوقها

قبل الزواج وبعد الطلاق.



ترى، كم من امرأة في مجتمعنا تعاني جرّاء الحكم المطلق ذاته على أخلاقها

ودينها، لا لسبب إنما لأنها قررت أن تعيش؟، وكم من فتاة أجبرت قسرًا على

أن تتزوج من رجل لا يناسب تطلعاتها، لأنها وبكل بساطة " لن تجد غيره

وهي مطلقة من زوجها؟" وكم من فتاة وجدت نفسها مضطرة إلى العيش مع

زوج ظالم وقامع متجبر خشية من أن يحلق بها وصف "مطلقة" فلا يغادرها

"العار" إلى الأبد؟



المرأة المطلقة ليست معيوبة وبالتأكيد خاضت حروبا وصرعات نفسية

ومجتمعية لا يعلم عنها أحد، الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة

بسبب نظرة المجتمع



قبل سنوات تعرفت على صديقة في درس لتحفيظ القرآن الكريم، كانت تبدو

مريضة دائما، وكنت أنظر إليها بعين الشفقة ولا أنبس ببنت شفة في محاولة

لعدم اقحام نفسي في شؤون الآخرين، حتى جاء اليوم الذي قررت فيه أن

تبوح على انفراد، لأكتشف بعد حين أنه وعلى الرغم من غنى والدها

الفاحش، وكثرة ماله وولده، إلا أنه كان شديد البخل على نفسه وعائلته،

لا يشتري إلا الملابس القديمة المهترئة، ولا يوفر من قوت اليوم إلا قليلا،

وهو ما استحملته زوجته (أمها) لفترة طويلة، إلى أن ضاقت بها الدنيا بما

رحبت، وقررت الانفصال، لتجد في وجهها سدودا وحدودا كثيرة، ومجتمع

لا يأبه بما تعيشه بقدر ما يخشى عليها من حمل صفة " المطلقة".



"تحملي" ثمّ " تحملي"، هكذا كان لسان حال المجتمع، ليس من أجلها فقط،

بل لأن أحدًا لا يقبل بأن يتزوج بفتاة أمها مُطلقة، فكيف تسمحين بأن

تصادري مستقبل بناتك؟ المؤلم في مجتمعاتنا، ليس الحكم المُطلق الذي

يلاحق المطلقة فحسب، إنما العار الذي يلحق بها، وببناتها، فلو فرضنا جدلا

أن المطلقة تستحق العقاب المجتمعي، فلماذا تُعاقب بناتها أيضًا؟



على ما أذكر، أنّه وعلى الرغم من حدود المجتمع، إلا أن والدة صديقتي تلك

اتخذت قرارًا بالانفصال، ثم علمت أنها أفنت عمرها من أجل تربية بناتها

وبناء مستقبلهن، واليوم تتقلد أغلبهن مناصب رفيعة، وقد تزوجن وينعمن

بحياة سعيدة. العقلية المجتمعية العربية - في أغلبها - ترفض أن تصدق أن

من يخرج من نطاقها ويكسر حواجزها يستطيع تحقيق نجاح ما في أي مجال

من مجالات الحياة، بيد أن الواقع يظهر عكس ذلك والدلائل على ذلك كثيرة.

المرأة المطلقة ليست معيوبة وبالتأكيد خاضت حروبا وصرعات نفسية

ومجتمعية لا يعلم عنها أحد، الكثير منهن يشعرن بالنقص وعدم الثقة بسبب

نظرة المجتمع، فيا عزيزتي كوني قوية لأجل نفسك، واتخذي من التجربة

الفاشلة التي مررت بها طريقا جديدا لتحقيق النجاحات، فمن باطن الألم يولد

الأمل، وافتحن قلوبكن لحياة جديدة فلن يشعر بك أحد غيرك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق