السبت، 20 يوليو 2019

ذوق الصلاة عند ابن القيم (23)


ذوق الصلاة عند ابن القيم (23)

الحمد لله

فعند قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} تجد تحت هذه الكلمة إثبات كل كمال

للرب تعالى فعلاً ووصفًا واسمًا, وتنزيهه عن كل سوء وعيب فعلاً ووصفًا

واسمًا, فهو محمود في أفعاله وأوصافه وأسمائه, منزه عن العيوب

والنقائص في أفعاله وأوصافه وأسمائه، فأفعاله كلها حكمة ورحمة

ومصلحة وعدل لا تخرج عن ذلك، وأوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت

جلال، وأسماؤه كلها حسنى، وحمده قد ملأ الدنيا والآخرة والسماوات

والأرض وما بينهما وما فيهما فالكون كله ناطق بحمده، والخلق والأمر

صادر عن حمده وقائم بحمده ووجد بحمده؛ فحمده هو سبب وجود كل

موجود، وهو غاية كل موجود، وكل موجود شاهد بحمده، وإرساله رسوله

بحمده، وإنزاله كتبه بحمده، والجنة عمرت بأهلها بحمده، والنار عمرت

بأهلها بحمده، وما أطيع إلا بحمده وما عُصي إلا بحمده، ولا تسقط ورقة

إلا بحمده، ولا يحرك في الكون ذرة إلا بحمده، وهو المحمود ذاته، وإن لم

يحمده العباد، كما أنه هو الواحد الأحد ولو لم يوحده العباد، والإله الحق

وإن لم يؤلهوه، وهو سبحانه الذي حمد نفسه على لسان القائل:

الحمد لله رب العالمين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

«إن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده» (1).

فهو الحامد لنفسه في الحقيقة على لسان عبده،

فإنه الذي أجرى الحمد على لسانه وقلبه وإجراؤه بحمده.

فله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله،

وإليه يرجع الأمر كله، فهذه المعرفة من عبودية الحمد.

ومن عبوديته أيضًا أن يعلم أن حمده لربه سبحانه نعمة منه عليه، يستحق

عليها الحمد فإذا حمده على هذه النعمة استوجب عليه حمدًا

آخر على نعمة حمده وهلم جرا.

فالعبد ولو استنفد أنفاسه كلها في حمده على نعمة من نعمه كان ما يجب له

من الحمد ويستحق فوق ذلك وأضعاف، ولا يُحصي أحد البتة

ثناء عليه بمحامده.

ومن عبودية العبد شهود العبد لعجزه عن الحمد وأن ما قام به منه،

فالرب سبحانه هو المحمود عليه إذ هو مجريه على لسانه وقلبه.

ومن عبوديته تسليط الحمد على تفاصيل أحوال العبد كلها ظاهرة وباطنة

على ما يحب العبد وما يكرهه، فهو سبحانه المحمود على ذلك كله

في الحقيقة وإن غاب عن شهود العبد.

(1) إشارة إلى حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مسلم (404).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق