الخميس، 18 يوليو 2019

مجهولون في الأرض .. معروفون في السماء !

مجهولون في الأرض .. معروفون في السماء !

هم البعيدون عن الأضواء , المكتفون بأضواء قلوبهم , الواثقون من خطاهم كذاك الطائر في طريقه من أعالى الجبال ليصطاد سمكة تلامس سطح المحيط , لا يضيره اتجاه الرياح

. نهم دائما يعيشون حولنا , وكأنهم في كوكب - قد لا يرتئيه البعض كوكبا حسنا للعيش فيه , ربما لنقص مقومات الترف , أو قلة الراحة , أو قله المال بين ايديهم , إلا انه بالرغم من ذلك فكوكبهم يحوي أسرارا لا يعلمها إلا قاطنوه , فالأحلام عليه بسيطة , والآمال صالحات , والأرض مساجد , والهوية طهارة ونقاء , أنهاره دموع من خشية الله , العمل فيه مهمة مقدسة , الاستغفار انشودته , والتسبيح تمتماته , والرضا اسمي معاني الفرحة على ارضه ..

إنه ذاك التقي الذي يعيش في الدنيا بجسده , بينما روحه معلقه بالآخرة , يرى فيها حياته ومماته وخلوده , يري الحلم في اسمى معانيه حينما يكون بعيدا عن أنظار الناس .

هو من غرس سكينه في قلب الرياء , ومزق رداء الكبر بيدين خشنتين من العمل , وسقى نبتة الإخلاص على عينه بدموع الخشية من الله , والرغبة في الجنة , والصمود في وجه رياح الفتن العواتي في زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر .



إن الغربة الصالحة في الدنيا لهي من سمات أصحاب القلوب الربانية , وهكذا هم الربانيون , قلة في مجتمع يموج بالفتن , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" رواه مسلم



إن استصغار الدنيا في العيون وفي القلوب , وتقليل آثارها من الرغبة في مباهجها , لهو ذخر من النعم قد وهبها الله للقليلين المجهولين , نعمة قد لا يحسدهم عليها أحد بل يشفقون عليهم , بينما هم من يشفقون على الناس حيرتهم وجشعهم الذي يأكل نفوسهم كما يأكل السوس .

الحرية الحقة التي يملأ الشعور بها جنباتهم , لطالما رآها الناس سجنا , بينما هي الحرية في اسمى معانيها , حرية العبودية للخالق عز وجل , لا قيود مزورة تأسره , ولا زخارف تقيده , ولا منالات تختطف أمله , فقط ما يرضي ربه سبحانه ..
ولا غرو , فالإيمان الساكن في القلوب لا يفصله عنها تقلبات الحياة , وما يزيد من ارتباطه بالقلب هو ترك كل يُشغل عن الله , كذلك سمات القلوب الراقية المشرئبة إلى المنازل السامية والجنات العالية , من يتقنون فن إشباع القلب بالإيمان , ويبدعون في أعمالهم غيظا للشيطان , بينما هم سائرون خطوة بخطوة على سبيل قائدهم عليه الصلاة والسلام .

الارتباط بالناس والانخراط في المجتمع وعرك الحياة , ومكابدة المشاق طبيعة الحياة , ولا حياة بغير اجتماع الناس والتآلف معهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم , بل لا حياة للمصلحين إلا بين الناس , يصلحون أنفسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم وأمتهم .
فحياة المؤمن فيها التفاعل والاجتماع والتعاون، لإقامة الخير، قال سبحانه " وتعاونوا على البر والتقوى" وقال: " وكونوا مع الصادقين" ، وقال صلى الله عليه وسلم : « المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم »الترمذي , فالوضع الطبيعي أن يكون المسلم اجتماعياً مخالطاً لا منعزلاً.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي،
وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ‏"‏‏.‏رواه البخاري

وجاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رضى الله عنه ـ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
‏"‏ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ ‏"‏‏.

يقول التابعي وهب بن منبه لمن سأله عن اعتزال الناس : " لا بد لك من الناس وللناس منك ؛
لك إليهم حوائج ، ولهم إليك حوائج ، ولكن كن فيهم أصم سميعا أعمى بصيرا سكوتا نطوقا ,
إني وجدت في حكمة آل داوود : حق على العالم أن لا يشغل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحسب فيها نفسه ،
وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يصدقونه عيوبه وينصحونه في نفسه ، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها مما يحل ويجمل . فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات ، واستجمام للقلوب ، وفضل ، وبلغة ، وعلى العاقل أن يكون عارفا بزمانه ، ممسكا بلسانه ، مقبلا على شأنه "

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي ، فقال : كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " أخرجه البخاري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق