الأربعاء، 7 أبريل 2021

موسوعة المؤرخين (21)

 موسوعة المؤرخين (21)


أحمد جودت باشا (الجزء الثاني)

قد يكون أبرز ما قدمه في أثناء تسلمه منصب ناظر الحقانية تدوينه قانون

القضاء أو ما يسمى بـ "مجلة الأحكام العدلية" وقد استند في صياغته إِلى

التشريع الإِسلامي على الفقه الحنفي, متجاوزًا الأفكار التي كان يؤيدها عالي

باشا التي كانت تطالب بتبني القانون المدني الفرنسي. وقد ثابر على عمله

هذا حتى إِنجازه في عام 1877م, على الرغم من التحاقه بأعمال

ووزارات أخرى.



وفي أثناء وجوده في نظارة المعارف أصلح المدارس الابتدائية للذكور,

ووضع البرامج التعليمية للمدارس الرشدية والإِعدادية, وعمل على إِيجاد

كتب للطلاب, وألف هو نفسه ثلاثة منها, و أعاد تنظيم دار المعلمين.



ولم يظهر أحمد جودت باشا كفاية في أعماله الوزارية فحسب, وإِنما حقق

نجاحًا في أعمال الولاية عندما تسنم منصبها على التوالي, في حلب,

وبروصة, ومرعش, ويانينة, والشام مرتين, على الرغم من المدد القصيرة

نسبيًا التي كان يمكث فيها.



ولكن إِذا كان لأحمد جودت باشا ما يشرّفه في أثناء ممارسته لمناصبه

في الوزارة والولاية, فإِن توافقه التام مع نظام السلطان عبد الحميد, وموقفه

من قضية مدحت باشا التي جرت في أثناء وزارته الرابعة للحقانية (1879

– 1882م) (1296 - 1299هـ) يجرّحانه ويسيئان إِليه. فقد كان على

خلاف وعداء مع مدحت باشا لأن هذا الأخير كان يرى أن موقف جودت باشا

من الدستور موقف رجعي, وأن أفكاره بعيدة عن الأفكار المعاصرة. ومن ثمَّ

فقد نسب إِلى جودت باشا أنه كانت له يد طولى في اتهام مدحت باشا بالخيانة

ومناصرة النصرانية. وهو الذي ذهب بنفسه إِلى إزمير للقبض عليه, وحمله

إِلى العاصمة بصفته رئيسًا للفرقة التي كلّفت هذا الأمر.



المرحلة الرابعة والأخيرة من حياته

(1307 - 1312هـ / 1890 - 1895م):

وفيها اعتزل أحمد جودت باشا العمل السياسي تمامًا, بعد أن استقال

من النظارة الخامسة للحقانية عام 1307هـ = 1890م. فاعتكف في بيته

لمتابعة ما ابتدأه من تآليف أدبية وتاريخية, حتى وافته المنية في منزله في

"بيبك" على شاطئ البوسفور (سنة 1312هـ = 1895م), ودفن في تربة

الَسلطَان محمد الفاتح.



أعماله التاريخية والأدبية

خلَّف أحمد جودت عددًا من المؤلفات, بعضها بالعربية, وبعضها الآخر

بالتركية. أما الأولى فهي: خلاصة البيان في جمع القرآن, وتعليقات على

أوائل المطوّل في البلاغة, وتعليقات على الشافية في النحو.



ومؤلفاته باللغة التركية أكثر عددًا وتنوعًا. فهناك إِسهاماته القانونية الكثيرة

والمهمة, التي أشير إِلى معظمها آنفًا. وهناك ما دونه في ميدان قواعد اللغة

التركية وبلاغتها, ومنها "قواعدي تركية" و"بلاغتي عثمانية" وقد ألف

الكتاب الأخير لطلاب مدرسة الحقوق. وله في الأدب "آداب سداد", كما له

"تقويم أدوار" وقد أثار فيه لأول مرة قضية ضرورة إِصلاح التقويم. وقد

كان لأحمد جودت باشا أيضًا إِنتاجه الشعري الذي جمعه في ديوان

"ديوانجه" بناء على طلب من السلطان عبد الحميد, وشرح "ديوان

صائب" المشهور بين دواوين الشعر الفارسية.



تاريخ جودت أو تاريخ وقائع الدولة العثمانية

لا أن المؤلَّف الذي شغل مكان الصدارة بين مؤلفاته هو "تاريخ وقائع الدولة

العثمانية" الذي عرف بـ "تاريخ جودت"، وهو في اثني عشر جزءًا,

ويتناول من تاريخ الدولة العثمانية, المرحلة الممتدة من معاهدة كوشوك

قينارجه عام 1774م (1188هـ). إِلى القضاء على الإنكشارية عام 1826م

(1242هـ). وقد كتبه على طريقة الحوليات, واستغرق تدوينه له ثلاثين

عامًا. وطبع أول مرة في إسطنبول بين 1271و 1301هـ =

1856و 1884م. وكررت طباعته. ونقل عبد القادر دنا البيروتي الجزء

الأول منه إِلى العربية. ويتصف الكتاب بصورة عامة, بوفرة مصادره,

واعتماد مجلداته الأولى على الوثائق الرسمية, وبحس صاحبه النقدي,

ومحاكمته الصائبة, إِلا أنه بالمقابل زاخر بتحيزاته للدولة العثمانية.



قصص الأنبياء وتاريخ الخلفاء

ومن مؤلفاته التاريخية أيضًا: "قصص الأنبياء وتاريخ الخلفاء", وهو كتاب

ذو هدف تعليمي تربوي, فقد كان أحمد جودت باشا يؤمن بأهمية التاريخ

في التربية. وهو مؤلف من 12 جزءًا, ويبتدئ بآدم وينتهي بعهد السلطان

مراد الثاني.



تدويناته التاريخية

ومن تدويناته التاريخية مجموعة من التقارير قدمها للسلطان عبد الحميد,

وتؤرخ المرحلة من 1839 إِلى 1876م, وهي في خمسة أجزاء, وقد نشر

منها فقط الجزء الثاني, والثالث, والرابع, وله كذلك مجموعة من

الملاحظات, دونها عن حوادث عصره عندما كان "وقعة نويس", وأطلق

عليها "تذاكري جودت" وقد اعتمدت ابنته فطمة علية خانم على بعضها

في كتابها "جودت باشا وزماني".



ويضاف إِلى مدوّناته التاريخية إِكماله ترجمة مقدمة ابن خلدون

التي ابتداها "بيري زاده محمد صائب".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق