الثلاثاء، 6 أبريل 2021

موسوعة المؤرخين (20)

 موسوعة المؤرخين (20)


أحمد جودت باشا (الجزء الأول)
أحمد جودت باشا (1237 - 1312هـ = 1822 - 1895م) رجل دولة
تركي عثماني, ومؤرخ شهير, وأديب, من القرن التاسع عشر للميلاد
(الثالث عشر الهجري).

نسبه ونشأته
ولد في لوفجة Lofea شمالي بلغاريا (سنة 1237هـ = 1822م), حيث
كان والده حاجي إِسماعيل آغا عضوًا في المجلس الإِداري للمدينة. وتلقى
أحمد مبادئ العلوم الإِسلامية في مسقط رأسه, وتابعها, وتعمق فيها,
في إِحدى مدارس إسطنبول, عاصمة الدولة العثمانية, والمركز الأكبر
للإِشعاع الفكري فيها, مضيفًا إِليها بعض العلوم العصرية, كالرياضيات,
والفلك, والجيولوجيا, والفلسفة. وسعى وهو في العاصمة,لإِجادة اللغتين
العربية والفارسية, حتى نظم الشعر بهما كما نظمه بالتركية, فأعطي اسم
"المخلص جودت" الذي عُرف به. ونال نتيجة دراساته الإِجازة التي تسمح
له بالانخراط في سلك القضاء.

ويمكن أن يُمَيَّز في حياة أحمد جودت بعد تخرجه وحتى وفاته, أربع مراحل:

المرحلة الأولى:
وتمتد ثلاثة عشر عامًا (1262 - 1275هـ = 1846 - 1858م)
والمرحلة الثانية: وتمتدّ ثماني سنوات (1275 - 1283هـ = 1858 –
1866م) والمرحلة الثالثة: وهي أطول المراحل, ودامت ما يقرب من ربع
قرن (1283 - 1307هـ = 1866 - 1890م) والمرحلة الرابعة: ومدتها
خمس سنوات (1307 - 1312هـ = 1890 - 1895م) وهي التي
انتهت بوفاته.

المرحلة الأولى (1262 - 1275هـ = 1846 - 1858م):
بزغ نجم أحمد جودت في ميدان الأدب, والفكر التاريخي والتشريعي. ويبدو
أنه أظهر في أثناء دراسته فكرًا واسعًا وعميقًا, ودقة في تفهم الأمور
الشرعية, حتى إِنه عين وهو في الرابعة والعشرين من عمره (1846م)
(1262هـ) بتوصية من شيخ الإِسلام, مساعدًا للصدر الأعظم, مصطفى
رشيد باشا, في أثناء إِعداده للقوانين, و"النظام نامه الجديدة", التي كانت
الدولة العثمانية بصدد تهيئتها في هذه المرحلة الإِصلاحية من حياتها. وبقي
ملازمًا للصدر الأعظم ثلاثة عشر عامًا, أي حتى وفاة هذا الأخير عام
1275هـ = 1858م. وتحت تأثير رشيد باشا عُيّن لمناصب تعليمية وثقافية
لها شأنها, منها إِدارة دار المعلمين المنشأة حديثًا, والسكرتارية الأولى
لمجلس المعارف. وفي المنصبين أدى خدمات مفيدة للتربية
والتعليم والثقافة.

تأليف تاريخ وقائع الدولة العثمانية
وإِلى هذه المرحلة يرجع إِسهامه الفعال في إِنشاء ما سمي بـ "الإِنجومين
دانيش" (1851م) (1267هـ), التي كانت أشبه ما تكون بالأكاديمية
الفرنسية. وتحت تأثير هذه الجمعية, وبدفع من السلطان عبد المجيد
(1255 - 1278هـ = 1839 - 1861م) شرع أحمد جودت بتأليف عمله
التاريخي الكبير الذي عرف فيما بعد باسمه, وهو تاريخ وقائع الدولة
العثمانية. وعندما قدم الأجزاء الثلاثة الأولى منه إِلى السلطان كافأه السلطان
بتعيينه مؤرخًا رسميًا للدولة (وقعة نويس).

وإِلى جانب تأليفه التاريخي ذاك, فإِنه أسهم في وضع "القانون النامه
الجزائية", و"قانون نامه الطابو" نتيجة عمله عضوًا في مجلس
التنظيمات, ثم رئيسًا لـ "لجنة الأراضي السنية" وألف كتابًا في القواعد
التركية تحت عنوان "قواعدي عثمانية" بالاشتراك مع فؤاد باشا.

المرحلة الثانية (1275 - 1283هـ = 1858 - 1866م):
وتبتدئ بوفاة رشيد باشا, وقد شجعه فيها كل من فؤاد باشا وعالي باشا –
وهما أكبر شخصيتين سياسيتين كان لهما دور رئيسي في الإِصلاحيات التي
حققتها الدولة العثمانية- على ترك عمله ذي الطابع العلمي, والاتجاه إِلى
الأعمال الإِدارية والسياسية. ولثماني سنوات بقي أحمد جودت عاملًا في
المنحيين معًا: المنحى العلمي, والمنحى الإِداري الذي أثبت كفاية
في مضماره عندما عمل على تهدئة بعض الأقاليم الثائرة بإِدخال الإِصلاحات
الضرورية فيها, كمنطقة قُزان في طوروس, وإِقليم البوسنة
(البوسنة والهرسك).

المرحلة الثالثة (1283 - 1307هـ = 1866 - 1890م):
وفيها انصرف أحمد جودت تمامًا إِلى الأعمال الإِدارية والسياسية, فترك
عمله التاريخي بصفته "وقعة نويس" عام 1866م (1283هـ), ومنح رتبة
وزير, ولقب باشا, وتنقل لربع قرن تقريبًا, وبالتناوب بين منصبي الولاية
والوزارة فعين لمنصب ناظر الحقّانية ( وزير العدل) خمس مرات
(1886,1879,1876,1875,1870م) ولمنصب ناظر المعارف (وزير
التربية) ثلاث مرات (1876,1875,1873م) ولمنصب ناظر الداخلية مرة
واحدة (1876م), وللأوقاف (1877م) وللتجارة (1878م) مثلها. كما عمل
صدرًا أعظم مدة عشرة أيام عام 1879م, بعد عزل خير الدين باشا.

وقد أظهر جودت باشا, نشاطًا كبيرًا في أثناء وزاراته المختلفة, وحماسة
للإِصلاح والتقويم, وإِن كانت أفكاره مزيجًا من نزعات تقدمية ورجعية.
فهو يريد الإِصلاح, وتقدم المجتمع العثماني, وهو يهاجم بقوة كل مظاهر
الجهل, والتعصب, والانصراف وراء المصلحة الخاصة, التي كانت من
صفات الهيئات الحاكمة آنذاك، كما كان يحارب بشدة الخرافات المنتشرة بين
الشعب, إِلا أنه بالمقابل كان لا ينسجم مع أخذ الجديد من الحضارة الغربية.
وقد ازدادت أفكاره تقليدية مع تقدمه بالسن, وخصومته لمدحت باشا, فقد
كان هذا الأخير يندد دوماَ‎ً بعدم إِجادته اللغة الفرنسية, وبضآلة معرفته
بالأفكار الأوربية المعاصرة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق