السـؤال:
قد وردت أحاديث تبيِّن أفضل أيام الحجامة وهي السابع
عشر
والتاسع عشر والحادي والعشرون من كلِّ شهر قمريٍّ،
ووردت
أحاديث أخرى تنهى عنها في أيام معلومة كالأربعاء
وغيره،
فهل تجوز الحجامة في الأيام المنهي عنها إذا صادفت
أفضل
الأيام؟ وجزاكم الله كل
خير.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على
مَنْ أرسله اللهُ رحمةً
للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم
الدِّين، أمّا بعد:
فالأطباءُ مُجمِعون على أنَّ الحجامة في النِّصف
الثاني من الشهر أنفع ممَّا
قبله،
وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره(1)،
واختيار أوقات الحجامة الواردة في الأحاديث أدعى إلى
حفظ الصِّحة ودفع
الأذى والاحتراز منه، وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي
الله عنه،
قال صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم:
( مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ
عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ
كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ
)
(2)،
وقال صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم:
( إِنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ يَوْمَ سَبْع
عَشْرَةَ
وَيَوْمَ تِسْع عَشْرَةَ وَيْوَمَ إِحْدَى
وَعِشْرِينَ )
(3)،
( وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
يَحْتَجِمُ فِي الأَخْدَعَيْنِ وَالكَاهِلِ،
وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ
عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ )
(4)،
فقد ثبت ذلك من قوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ومن
فِعله.
هذا، وقد وردت أحاديث صحيحة تنهى عن الحجامة في أيام
معلومة،
وهي الأربعاء والجمعة والسبت
والأحد،
منها
حديث ابن عمر رضي الله عنهما
قال
سمعت رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم
يقول:
( احْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ يَوْمَ الخَمِيسِ
وَاجْتَنِبُوا الحِجَامَةَ
يَوْمَ
الأَرْبِعَاءِ وَالجُمُعَةِ وَالسَبْتِ والأَحَدِ تَحَرِّيًّا،
وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ
الاِثْنَيْنِ وَالثُّلاَثَاءِ، فَإِنَّهُ اليَوْمُ
الَّذِي عَافَى اللهُ فِيهِ أَيُّوبَ،
وَضَرَبَهُ بِالبَلاَءِ
يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَبْدُو
جُذَامٌ
وَلاَ بَرَصٌ إِلاَّ يَوْم الأَرْبِعَاءِ، أوَلَيْلَة
الأَرْبِعَاءِ )
(5).
وإذا صادفت الأيام المنهي عنها أوقات استحباب الحجامة
منها فالواجب
تقديم ما مدلوله الحظر على ما مدلوله الندب؛ لأنَّ
الندب لتحصيل مصلحة،
والحظر لدفع مفسدة، ودفع المفسدة أهمُّ من تحصيل
المصلحة في
نظر العقلاء،
فلا يعقل لمن يريد أن يطب زكامًا ليحدث جذاما، أو كمن
رام درهما على
وجه يلزم منه فوات مثله أو أكثر منه، ولا يخفى أنَّ
عناية الشريعة بدرء
المفاسد أكبر من جلب المصالح لذلك قعَّدوا
قاعدة
«دَرْءُ المَفَاسِدِ
مُقَدَّمٌ عَلَى جَلبِ المَصَالِحِ».
وعليه، فلا تصلح الأيام المنهيُّ عنها لأن تكون زمنًا
للحجامة
لما يُتوقَّع فيه حصول الأذى والضرر، والضرر منفيٌّ
بنصِّ قوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم:
( لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَار
)
(6).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ
للهِ ربِّ العالمين،
وصَلَّى اللهُ على
نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه
وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم
تسليمًا.
الجزائر في: 02 جمادى الأولى
1429ه
المـوافـق ل: 07 مـاي
2008م
1- «زاد المعاد» لابن القيم:
(4/59).
2- أخرجه أبو داود كتاب «الطب»، باب متى تستحب
الحجامة؟
(4/127)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث
حسّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة»:
(2/190).
3- أخرجه الترمذي كتاب «الطب»، باب ما جاء في
الحجامة: (2053)،
والحاكم في والحاكم في «المستدرك»: (7476)، من حديث
ابن عباس
رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني
في «صحيح الجامع»: (2066).
4- أخرجه الترمذي كتاب «الطب»، باب ما جاء في
الحجامة: (2051)،
من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألباني في
«صحيح الجامع»: (4927).
5- أخرجه ابن ماجه كتاب «الطب»، باب في أي الأيام
يحتجم: (3487)،
من حديث ابن عمر رضي الله عنه. والحديث حسّنه
الألباني في
«السلسلة الصحيحة»:
(292).
6- أخرجه ابن ماجه كتاب «الأحكام»: (2431)، وأحمد:
(2921)، من
حديث
عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال النووي في الحديث رقم
(32) من «الأربعين النووية»: «وله طرق يَقْوى بعضُها
ببَعض»، وقال
ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (378): «وهو كما
قال»