ما أحوجنا إلى تذكر حديث سيدنا البراء بن عازب رضي
الله عنه وأرضاه
عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
:
( أكثروا من ذكْرِ هادمِ اللذّاتِ . يعني الموتُ
)
اللهم اجعل حب لقائك في قلوبنا أحب إلينا من الدنيا
وما فيها
وأحب إلينا من أبنائنا ونسائنا وأحب إلينا من الماء
البارد
في ظمأ الصيف .
( خرجنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار
فانتهينا إلى القبر ، ولما يلحد فجلس رسول الله صلى
الله عليه وسلم
وجلسنا حوله ، كأنما على رؤوسنا الطير ،
قال عمر بن ثابت : وقع ولم يقله أبو عوانة ،
فجعل يرفع بصره وينظر إلى السماء ويخفض بصره وينظر
إلى الأرض ،
ثم قال
: أعوذ بالله من عذاب القبر قالها مرارا
ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة
وانقطاع من الدنيا ،
جاءه ملك فجلس عند رأسه فيقول اخرجي أيتها النفس
الطيبة إلى مغفرة
من الله ورضوان فتخرج نفسه فتسيل كما يسيل قطر السقا
قال : عمرو في حديثه ، ولم يقله أبو عوانة وإن كنتم
ترون غير ذلك .
وتنزل ملائكة من الجنة بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس
،
معهم أكفان من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوطها ،
فيجلسون منه مد البصر فإذا قبضها الملك لم يدعوها في
يده طرفة عين
قال :
فذلك قوله تعالى :
{ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ
يُفَرِّطُونَ }
قال :
فتخرج نفسه كأطيب ريح وجدت ، فتعرج به الملائكة
فلا يأتون على جند بين السماء والأرض إلا قالوا : ما
هذه الروح ؟
فيقال
: فلان ، بأحسن أسمائه حتى ينتهوا به أبو اب سماء الدنيا فيفتح
له ،
ويشيعه من كل سماء مقربوها حتى ينتهي إلى السماء
السابعة ، فيقال :
اكتبوا كتابه في عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم
يشهده المقربون
فيكتب كتابه في عليين .
ثم يقال : ردوه إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها
خلفتهم ، وفيها نعيدهم ،
ومنها نخرجهم تارة أخرى ،
قال : فيرد إلى الأرض ، وتعاد روحه في جسده
،
فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه ،
فيقولان من ربك ؟
وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول ربي الله وديني الإسلام
،
فيقولان : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟
فيقول : هو رسول الله . فيقولان : وما يدريك ؟
فيقول : جاءنا بالبينات من ربنا فآمنت به وصدقت
قال : وذلك قوله تعالى :
{ يُثَبِّتُ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ
}
قال : وينادي منادي السماء أن قد صدق عبدي فأفرشوه من
الجنة
وألبسوه من الجنة وأروه منزله منها ويفسح له مد
بصره
ويمثل عمله له في صورة رجل حسن الوجه طيب الرائحة حسن
الثياب
فيقول : أبشر بما أعد الله لك أبشر برضوان من الله
وجنات فيها نعيم مقيم
فيقول : بشرك الله بخير ، من أنت فوجهك الوجه الذي
جاء بالخير ؟
فيقول : هذا يومك الذي كنت توعد ، أو الأمر الذي كنت
توعد أنا عملك
الصالح فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله
بطيئا عن معصية الله
فجزاك الله خيرا فيقول يا رب أقم الساعة كي أرجع إلى
أهلي ومالي
قال :
فإن كان فاجرا وكان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا
جاء ملك ، فجلس عند رأسه
فقال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة أبشري بسخط من الله
وغضبه ،
فتنزل الملائكة سود الوجوه معهم مسوح من نار فإذا
قبضها الملك قاموا
فلم
يدعوها في يده طرفة عين ،
قال : فتفرق في جسده فيستخرجها ، تقطع منها العروق
والعصب كالسفود
الكثير الشعب في الصوف المبتل ، فتؤخذ من الملك فتخرج
كأنتن جيفة
وجدت فلا تمر على جند فيما بين السماء والأرض
،
إلا
قالوا ما هذه الروح الخبيثة ؟
فيقولون : هذا فلان بأسوأ أسمائه حتى ينتهوا به إلى
سماء الدنيا
فلا يفتح لهم ، فيقولون : ردوه إلى الأرض إني وعدتهم
أني منها خلقتهم
وفيها نعيدهم ، ومنها نخرجهم تارة أخرى
قال : فيرمي به من السماء . قال : وتلا هذه الآية ومن
يشرك بالله
فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح
في مكان سحيق
قال : فيعاد إلى الأرض وتعاد فيه روحه ، ويأتيه ملكان
شديدا الانتهار
فينتهزانه ويجلسانه فيقولون : من ربك ؟ وما دينك
؟
فيقول : لا أردي فيقولون : فما تقول في هذا الرجل
الذي بعث فيكم ؟
فلا يهتدي لاسمه فيقال : محمد ، فيقول : لا أدري سمعت
الناس يقولون ذلك
قال : فيقال : لا دريت ، فيضيق عليه قبره حتى تختلف
أضلاعه .
ويمثل له عمله في صورة رجل قبيح الوجه منتن الريح
قبيح الثياب ،
فيقول : أبشر بعذاب الله وسخطه
،
فيقول
: من أنت فوجهك الذي جاء بالشر ؟
فيقول : أنا عملك الخبيث فو الله ما علمتك إلا كنت
بطيئا عن طاعة الله
سريعا إلى معصية الله قال عمرو في حديثه عن المنهال
عن زاذان
عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم :
فيقيض له أصم أبكم بيده مرزبه لو ضرب بها جبل صار
ترابا
أو قال
: رميما فيضربه به ضربة تسمعها الخلائق إلا الثقلين
،
ثم
تعاد فيه الروح فيضرب ضربة أخرى لفظ أبي داود الطيالسي
وخرجه علي بن معبد الجهني من عدة طرق بمعناه :
وزاد فيه : ثم يقيض له أعمى أصم معه مرزبة من حديد
فيضربه
فيدق بها من ذؤابته إلى خصره ثم يعاد فيضربه ضربة
فيدق بها من ذؤابته
إلى
خصره وزاد في بعض طرقه عند قوله مرزبة من حديد
:
لو
اجتمع عليه الثقلان لم ينقلوها . فيضرب بها ضربة فيصير ترابا
ثم تعاد فيه الروح ، ويضرب بها ضربة يسمعها من على
الأرض غير الثقلين
، ثم يقال : افرشوا له لوحين من نار وافتحوا له بابا
إلى النار ،
فيفرش له لوحان من نار ويفتح له باب إلى النار وزاد
فيه عند قوله :
وانقطاع من الدنيا : نزلت به ملائكة غلاظ شداد معهم
حنوط من نار
وسرابيل من قطران يحتوشونه فتنتزع نفسه كما ينتزع
السفود الكثير
الشعب
من الصوف المبتل يقطع معه عروقها ، فإذا خرجت نفسه
لعنه
كل ملك
في السماء وكل ملك في الأرض )
الراوي: البراء بن عازب - المحدث: القرطبي المفسر
المصدر: التذكرة للقرطبي - الصفحة أو الرقم: 119
خلاصة حكم المحدث: صحيح