- شَفَقَة النَّبي صلى الله
عليه وسلم على أمَّته :
كان صلى الله عليه وسلم شَفِيقًا على أمَّته، رحيمًا
بهم،
وشَفَقَته ورحمته لم تكن خاصَّة بالمؤمنين،
بل كان يُشْفِق على الكافرين ممَّن لا يدين بدين
الإسلام.
ونشير هنا إلى بعض النَّماذج التي هي من أقواله
وسيرته،
فصلوات
ربِّي وسلامه عليه:
-
عن أنس رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم
قال في حديث الشَّفاعة :
( أمَّتي أمَّتي )
قال الفارسي أبو الحسين :
[ انظر هل وصف الله عزَّ وجلَّ أحدًا من عباده بهذا
الوصف من الشَّفَقَة والرَّحمة
التي وَصَف بها حبيبَه صلى الله عليه وسلم
،
ألا تراه في القيامة إذا اشتغل النَّاس بأنفسهم كيف
يَدَع حَدَث نفسه، ويقول:
( أمَّتي أمَّتي )
يرجع
إلى الشَّفَقَة عليهم، ويقول: إنِّي أسلمت نفسي
إليك،
فافعل
بي ما شئت، ولا تردَّني في شفاعتي في عبادك
]
2- شَفَقَة النَّبي صلى الله
عليه وسلم على الكفَّار:
عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النَّبي صلى الله عليه
وسلم
أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم:
( هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد ؟
قال : لقد لقيت من قومك ما لقيت،
وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العَقَبة،
إذ عرضت نفسي على ابن عبد يَالِيلَ بن عبد كُلال،
فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على
وجهي،
فلم
أَسْتَفق إلَّا وأنا بِقَرْن الثَّعالب، فرفعت رأسي،
فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت،
فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع
قول قومك لك،
وما ردُّوا عليك، وقد بعث الله إليك مَلَكَ الجبال
لتأمره بما شئت فيهم.
فناداني مَلَك الجبال فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا
محمَّد،
فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين.
فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم:
بل أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم من يعبد الله لا
يشرك به شيئًا )
قال ابن حجر:
[ وفي هذا الحديث بيان شَفَقَة النَّبي صلى الله عليه
وسلم على قومه،
ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى :
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ
}
[ آل عمران: 159 ]
وقوله :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً
لِّلْعَالَمِينَ }
[ الأنبياء: 107 ] ]
3- شَفَقَة النَّبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه:
قال صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك :
( أَبْشِر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمُّك.
قال: قلت أمن عندك -يا رسول الله- أم من عند الله؟
قال: لا بل من عند الله )
قال ابن القيِّم :
[ وفى سرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وفرحه
به
واستنارة وجهه دليل على ما جعل الله فيه من كمال
الشَّفَقَة على الأمَّة،
والرَّحمة بهم
والرَّأفة، حتى لعلَّ فرحه كان أعظم من فرح كعب وصاحبيه
]
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال :
( حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطَّائف،
فلم ينل منهم شيئًا.
فقال: إنَّا قافلون ، إن شاء الله.
قال أصحابه: نرجع ولم نفتتحه !
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغدوا على
القتال.
فغدوا عليه، فأصابهم جِراح.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّا قافلون
غدًا.
قال: فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم
)
قال النَّووي:
[ معنى الحديث أنَّه صلى الله عليه وسلم قصد
الشَّفَقَة على أصحابه
والرِّفق بهم بالرَّحيل عن الطَّائف؛ لصعوبة أمره،
وشِدَّة الكفَّار الذين فيه،
وتقويتهم بحصنهم،
مع أنَّه صلى الله عليه وسلم علم أو رجا أنَّه سيفتحه
بعد هذا بلا مشقَّة كما جرى...]
عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم
قال:
( إنَّما أنا لكم مثل الوالد أعلِّمكم...)
قال علي القاري:
[ إنَّما أنا لكم مثل
الوالد
أي: ما
أنا لكم إلا مثل الوالد في الشَّفَقَة لولده، أعلِّمكم أي: أمور
دينكم ]
4- شَفَقَة النَّبي صلى الله عليه وسلم على الأطفال:
عن شدَّاد بن الهاد رضي الله عنه قال:
( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى
صلاتي العشاء،
وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدَّم رسول الله صلى
الله عليه وسلم فوضعه،
ثمَّ كبَّر للصَّلاة، فصلَّى، فسجد بين ظهراني صلاته
سجدة أطالها،
قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصَّبي على ظهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،
وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي،
فلمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصَّلاة،
قال
النَّاس: يا رسول الله، إنَّك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة
أطلتها،
حتى ظننَّا أنَّه قد حدث أمر، أو أنَّه يُوحَى إليك.
قال: كلُّ ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتَحَلَني
فكرهت أن أُعْجِلَه حتى يقضي حاجته )
عن أبي قتادة رضي الله عنه:
( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي
وهو حامل أُمَامَة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم
ولأبي العاص ابن الرَّبيع، فإذا قام حملها، وإذا سجد
وضعها ؟
قال
يحيى: قال مالك: نعم ).
فمن رحمته صلى الله عليه وسلم وشَفَقَته بأُمَامَة
أنَّه كان إذا ركع أو سجد
يخشى عليها أن تسقط، فيضعها على
الأرض.
قال النَّووي:
[ وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشَّفَقَة
على المؤمنين والمؤمنات،
ورحمتهم ومواساتهم فيما أمكنه
]