كان الأنبياء صلوات الله عليهم يحرصون في التعامل مع
أقوامهم
على الرَّحمة بهم والشَّفَقَة عليهم،
فكانوا يُشْفِقون عليهم بالرَّغم من إيذاء قومهم لهم،
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
[ كأنِّي أنظر إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم يحكي
نبيًّا من الأنبياء،
ضربه قومه فأَدْمَوه ، فهو يمسح الدَّم عن وجهه،
ويقول: ربِّ اغفر لقومي، فإنَّهم لا يعلمون
]
قال النَّووي:
[ فيه ما كانوا عليه -صلوات الله وسلامه عليهم- من
الحلم والتَّصبُّر
والعفو والشَّفَقَة على قومهم، ودعائهم لهم بالهداية
والغُفران،
وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم: بأنَّهم لا
يعلمون.
وهذا النَّبي المشار إليه من المتقدِّمين،
وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم مثل هذا يوم أحد
]
نوح عليه السَّلام :
قال تعالى:
{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ
ابْنِي مِنْ أَهْلِي
وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ
الْحَاكِمِينَ
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ
إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ
فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي
أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
}
[ هود:45-46 ].
قال السعدي:
[ لعلَّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- حملته
الشَّفَقَة، وأنَّ الله وعده بنجاة أهله،
ظنَّ أنَّ الوعد لعمومهم: مَنْ آمن، ومَنْ لم يؤمن،
فلذلك دعا ربَّه بذلك الدُّعاء،
ومع هذا، ففوَّض الأمر لحكمة الله البالغة
]
إبراهيم عليه السَّلام:
كان نبيُّ الله إبراهيم -عليه السَّلام- شَفِيقًا على
النَّاس،
وكان يجادل عن قوم لوط، حتى لا يأتيهم العذاب، وذلك
لغلبة الشَّفَقَة عليه،
قال
تعالى:
{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ
وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ
لُوطٍ
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ
مُّنِيبٌ
يَا
إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ
رَبِّكَ
وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ
}
[ هود:74-76 ].
قال ابن عجيبة:
[ ظاهر قوله تعالى :
{ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ }
أنَّ مجادلته كانت عن قومه فقط، لغلبة الشَّفَقَة
عليه، كما هو شأنه،
ولذلك قال تعالى:
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ
}
حتى قال له تعالى:
{ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا
}
لـمَّا
تَحَتَّمَ عليهم العذاب
وقال أيضًا: والحاصل أنَّ إبراهيم -عليه السَّلام-
حملته الشَّفَقَة والرَّحمة،
حتى صدر، منه ما صدر مع خُلَّته
واصطفائيَّته،
فالشَّفَقَة والرَّحمة من شأن الصَّالحين والعارفين
المقرَّبين،
غير أنَّ العارفين بالله -مع مراد مولاهم- يُشْفِقون
على عباد الله،
ما لم
يتعيَّن مراد الله، فالله أرحم بعباده من غيره.
ولذلك قال لخليله، لـمَّا تعيَّن قضاؤه: يَا
إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق