السؤال
♦ الملخص:
فتاةٌ عمرُها 27 عامًا، تقدَّم لها خاطبٌ عمرُه 45 عامًا، مطلق
ولديه بنت، ومرتاح ماديًّا، وهي في حيرةٍ هل تقبل أو لا؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 27 عامًا، لَم يَسبقْ لي الزواج مِن قبلُ، أَعمَل معلمةً،
وأكمل الدراسات العليا (الماجستير)، استشارتي التي أوَدُّ أن أطرحها
عليكم هي: الزواج مِن رجل يعيش في بلد غير عربي عمره 45 عامًا،
مُطلق وأبٌ لفتاةٍ عمرها الآن 11 عامًا، تعيش مع أمِّها في بلدٍ آخر،
يذهب إليها كلَّ شهر لزيارتها.
هذا الرجلُ يريد الزواجَ من فتاةٍ عربيةٍ تُساعده على تعلُّم العربية أكثر،
وحِفْظ القرآن؛ لكي يكونَ جيدًا في الدعوة.
أهلي لا يَهتمُّون بالأمر، ويَكفي عندهم أن يكونَ الخاطبُ غنيًّا، وترَكوا
لي الخيارَ؛ على أن أتحمَّل نتيجةَ اختياري.
أنا أميل إلى الموافَقة؛ لأنني أجِد لديه حبًّا للدِّين، وأجده مرتاحًا ماديًّا،
وناضجًا، ولا أتخيَّل نفسي أتزوَّج بِمَن في مِثْل سني! أريد الزواج،
وإعفافَ نفسي.
أتمنى أن تُشيروا عليَّ بما يُمكنني أن آخذه في الحسبان،
وما قد يخفى عليَّ
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حياكِ الله، وبارك فيكِ، وأقر عينكِ بزوجٍ صالحٍ يصلح به دينكِ ودنياكِ.
مِن أصعب القرارات وأهمها على الإطلاق لكلِّ فتاةٍ: قرار الارتباط
بزوج المستقبل؛ فبِقَدْر تشوُّق الفتاة لِلَحَظات الفرح وسعادتها بذلك
اليوم - يكون التوجُّس والقلق المسيطر الأول على تفكيرها،
والهاجس الرئيس الذي ينال مِن فرحَتِها بقَدْر حجمِه في عقلها.
لسنا هنا لنُقرِّر نيابةً عن الناس، أو لنتَّخذَ ما ليس لنا مِن أمورٍ لا ندري
عنها إلا ما عَرَضه السائلُ مِن وجهة نظره فقط، دون غيرها مِن الأمور
التي قد تُغيِّر الكثير.
كما توقعتِ أو كما تمنيتِ سأكتفي بعرض بعض النقاط، التي قد تَغيب
عن فتاةٍ ترغب كغيرها في الزواج، وقد اتضح لي قبل أن تَذْكُري ميلك
للقبول من المدح غير المباشر في رجلٍ نسيتِ أنه يكبركِ بسبعة
عشر سنة!
أول ما يَجِب على الفتاة أن تُفكِّر فيه خُلُق الرجل ودينه؛ ولا يكون
معيارُ الدين - كما تحسب بعضُ الفتيات - محصورًا في مظهرٍ يتحدَّث عن الدين،
أو عن أهمية إكرام الزوجة والإحسان إليها، أو في زيٍّ يبدو إسلاميًّا،
أو في رغبته ومحبته للطاعة وطلب العلم، ولكن في أفعال مَلموسةٍ على
أرض الواقع، ومحسوسة لِمَنْ حوله، وإن كان ذلك يَتطلَّب تجنُّب العجَلة، والتأنِّي في
اتخاذ القرار؛ حتى يتبينَ حاله ويظهر صدقُه.
الفارقُ العُمري بينكما لا يُمكن إغفاله، فقد دنا مِن العشرين سنة، وهي
كافية لإحداث فجوةٍ قد لا تكون صغيرةً في التفكير، والرغبات،
والميول، والآراء، والنظرة العامة للأمور؛ فالرجلُ بعد ست سنوات
سيتجاوز الخمسين، وستكونين أنتِ في الثالثة والثلاثين ريعان الشباب ،
وحينها ستشعرين بفارقٍ ربما يُثير في نفسكِ نوازع الندم، ويوقظ
مواطِن الشجَن!
لا أعتقد أنه يَخفى عليكِ التغيُّرات التي تطرأ على الرجل في ذلك العمر؛
مِن حيث ضرورةُ تَكرار زياراته لإجراء الفحوصات اللازمة لِمَنْ في
مثل عمره، ورغبتُه في استشعار الهدوء والبقاء في البيت، والعُزلة
التي قد يرغَب فيها مِن حينٍ لآخر، وبعض نوبات الإحباط التي تُصيبه
حين يرى نفسه وقد ظَهَرَتْ عليه آثار العمر، ويزيد ذلك الشعور إن
كان له زوجةٌ شابة؛ فتظهر رُدود فِعل تتفاوَت على حسب تعقُّله
ودينه وخُلُقه، تتمثَّل غالبًا في غيرةٍ شديدة، أو تحكُّم وسيطرة غير مُبررة،
أو انتقادات لاذعة لزوجته، أو إهمال لا تتحمله الزوجةُ الصغيرة!
وغيرها مِن رُدود الأفعال التي ليس مِن الضرورة أن تعتريَ كلَّ
الرجال وبنفس الدرجة، لكنها ثابتة، وتَحْدُث كثيرًا؛ فيجب أَخْذُها
بعين الاعتِبار، ووضعها ضمن قائمة الأمور التي تُعين بإذن الله على اتِّخاذ القرار السليم.
عليكِ أن تتفهَّمي جيدًا علاقته بزوجته السابقة وابنته، وهل ستزوركما
الفتاةُ في بيتكما أو لا؟ وكيف سيكون تعامُلكِ معها؟
وهل هناك احتمال لعودة الزوجين لبعضهما حفاظًا على الفتاة؟
عليكِ أن تُفكري في مدى قبولكِ لتلك الفِكرة التي تبقى مطروحةً، ولو أنكر رغبتَه
في ذلك الآن ونفاها بشدة!
الرجلُ يُسافر شهريًّا إلى دولةٍ أخرى ليرى ابنته، فهل أنت متفهِّمة
لذلك الوضع؟ وهل تتقبلين فكرة فراقه مرةً كل شهر؟ أو إنَّ الشُّكوك
ستُلقي بشباكها على عقْلِكِ لتُفقدكِ الحكمةَ كما يَحْدُث لبعض الزوجات، وهل
ستَطْلُبين فيما بعدُ أن تُرافقيه خشيةَ أن يلتقيَ بوالدتها أو يتواصل معها؟
أشرتِ إلى حالته المادية وأنها جيدة، ولكن يجدر لفت انتباهكِ الكريم
إلى الالتِزامات التي قد لا تدركين حجمها الآن، والتي ستكبر بكِبَر
ابنته حفظها الله، فأنصحكِ بالتقصِّي حول إمكانياته الفعلية، والتي لا تتمثَّل
في الدَّخْل الشهري وحدَه، وإنما في الالتِزامات المادية المتعلِّقة به.
أيتها الفاضلة، قد تَحملكِ رغبتكِ في الزواج واستعجاله على إلقاء
تلك الاحتمالات بعيدًا، ونسيان أمرها، ولكنكِ طلبتِ أن نُشير عليكِ بما قد يَظهر
لنا ويَخفى عليكِ، على اعتبار أنكِ في الموقف، ومَن يَنظُر مِن داخل
الصورة ليس كمَن يَتَأَمَّلها مِن بعيدٍ.
مع كلِّ خاطبٍ يَطرُق الباب سيَخْفُق قلبكِ، وستدور نفسُ الأسئلة في ذهنكِ،
وسيَعتلي القلق تفكيركِ، ويكون التوترُ قُبيل اتخاذ القرار رفيقكِ،
فتذكَّري ورَدِّدي قول الله عز وجل:
{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }
[الفرقان: 58]،
فما خاب مَن وثق في الله، وصدق في التوكُّل عليه، وأَحْسَن الظن به،
ثم أخذ بعد ذلك بالأسباب التي يَراها.
أُذكِّركِ أخيرًا بصلاة الاستخارة، والدعاء بأنْ يُوفقكِ الله لما فيه
صلاح دينكِ ودُنياكِ.
والله تعالى الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل