أ. فيصل العشاري
السؤال
♦ الملخص:
شابٌّ متزوج، ولديه طفلة، لا يُحب زوجته، ويُريد طلاقها، لكنه متردِّد
بسبب ابنته المتعلِّقة به.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ متزوجٌ، ولديَّ طفلة، مشكلتي أني أُفكِّر كثيرًا في الطلاق؛
وذلك لأسبابٍ كثيرة؛ منها ما كان قبلَ الزواج، ومنها ما كان بعدَهُ.
أمَّا الأسبابُ التي قبلَ الزواج:
فقد كنتُ هدَّدتُ خطيبتي بالطلاق بعد ضغطٍ تمَّ عليَّ؛ بسبب وضْعِهم الاجتماعي،
فقد كنتُ قبلَ الزواج أحضر للسلام على والِدِ زوجتي، وهو
رجلٌ كبير في السِّنِّ، وفي كلِّ مرة أحضر أجدُه يَذبح ذبيحةً ويدعو الناس ،
حتى أخبَرَني البعضُ بأني يَجِبُ أنْ أحضرَ ولائم في كلِّ زيارة!!
لكني رفضتُ المَظاهر، وأخبرتُها أني لا أريد هذا الزواج، ثُم تنازلتُ
بعد ذلك، وفعلتُ ما تريد ويريد أهلها.
كذلك أُخبِرْتُ أنها حاصلة على الدبلوم، لكني فوجئتُ بعد الخطبة
بأنها لم تحصلْ على الثانوية، فكان ذلك صدمةً شديدة عليَّ.
أمَّا الأسباب التي بعد الزواج فهي:
أنَّ طريقةَ تفكيرها مثل أكثر الفتيات، مع قلة اهتمام، وقلة ثقافة،
وقلة تديُّن؛ مما جعلني أسأل نفسي: ما الفائدة التي تعود عليَّ بعد
الزواج مِن هذه الفتاة؟
حاولتُ أن أجعَلَها تُبدي اهتمامَها بدراسَتِها، لكنَّ حبَّ المَظاهر كان
طاغيًا عليها أكثر مِن اهتمامِها بالدراسة.
لا أستطيع الحديث معها حول موضوعٍ عام؛ لأني لا أجد أُذُنًا تسمع،
ولا عقلًا يُخاطبني بنفس الدرجة.
أمَّا الأسبابُ المادية: فأنا أحسبها مِن ناحية المكسب والخسارة؛
فهذا الزواجُ سيكون عبئًا شهريًّا عليَّ!
للأسف أنا متردِّد في تركها لسببين:
الأول:
والدُها رجل كبير في السن، وهذا ما يجعلني مترددًا في تركها؛
إذ سيكون وَقْعُ الطلاق شديدًا عليه جدًّا، وأتخيل رد فعله الذي ربما يكون مؤلمًا عليه.
والثاني:
ابنتي؛ فهي مُتعَلِّقة بي كثيرًا، أكثر مِن تعلُّقِها بأمها.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم في شبكتنا.
بدايةً لسنا نرى سببًا مباشرًا يُشَجِّع على الانفِصال أو الطلاق، نعم قد
تكون هناك جملةُ أسبابٍ أنتَ سردتَ بعضها، لكن حتى مع اجتماع هذه
الأسباب فهي لا تَرقى لمستوى اتخاذ قرارٍ خطيرٍ كهذا، وأنت بحُكم عمَلِك الإداري
تهتم جيدًا بموضوع الرِّبح والخسارة؛ وعليه فلا بد مِن النظَر إلى
الخسارة بعد الانفِصال.
ولعلك ذكرتَ أمرينِ:
الأول:
وَقْع الانفصال على والد زوجتك، وهو الذي ما فتئ يكرمك، ويَحتفي بك
في كل مرة تَزوره - بغَضِّ النظَر عن مبالغته في هذا الاحتفاء –
لكنه مُؤشِّر على مبلغ احترامه وتقديره لك.
الثاني:
وقْعُ الانفِصال على ابنتك، والتي ستعيش حياة التشتُّت والضياع،
مما سينعكس عليها سلبًا في تربيَتِها، والأمرُّ مِن ذلك كونها متعلِّقة بك
أكثر مِن أمها، وغالبًا سيتم الحُكم بالحضانة للأم في مِثْل هذه السنِّ.
هذه بعضُ الأفكار التي يُمكن أن تنفعك في إعادة تدوير هذا الموضوع:
• مِن حقك التفكير في البقاء أو الانفصال، بناءً على مقارَنة الرِّبح والخسارة؛
ولكن لا بد مِن حسابها جيدًا قبل اتخاذ قرار الانفِصال، والمهم هو الوزنُ
النوعي لكلِّ سلبية قد تبدو في زوجتك؛ لذلك مِن المهم أن تُخرِجَ ورقةً
وتُسجِّل فيها السلبيات والإيجابيات التي تراها في زوجتك، وأمام كلِّ سلبية
أو إيجابية ضَعْ نسبةً تقديريةً؛ مثلًا: المستوى الثقافي يُشكِّل ٢٠٪ مِن
المشكلة، الذكاء العاطفي ١٠٪ وهكذا.
• لا بد مِن اعتبار قاعدة مهمة في الحياة الزوجية، وهي:
أنَّ المؤسسة الزوجيَّة ليستْ كالمؤسسة التجارية يَتناولها الرِّبحُ والخسارة
المادية فقط، وإنما هي مؤسسةٌ مَبنيَّةٌ على القِيَم الدينيَّة، والأخلاقيَّة، والإنسانيَّة،
وتأتي الماديَّةُ آخر هذه الأمور؛ لذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ؛ لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ
الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )؛
صحيح مسلم (1466).
ويقول الله عزَّ وجلَّ:
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ
لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ
خَيْرًا كَثِيرًا }
[النساء: 19].
فتأمَّلْ معي هذه الآيةَ بحِساب الرِّبح والخسارة: شعورٌ بالكراهية تجاه
هذه المرأة، ولكن هناك شيءٌ قد يَخفَى على الزوج مُضمَّنٌ في قوله تعالى:
{ وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }
[النساء: 19]؛
فمُؤسسة الزواج مَعاييرُها تختلف نوعًا وكَمًّا عن المُؤسَّسات التجارية.
• لا تَيئَسْ مِن إصلاحِها وتعليمِها؛ فالإنسانُ كائنٌ يَقبَل التعليم والتشكيل،
وأنت لو تأمَّلتَ نفسك وقارَنْتَها بوَضْعِك الثقافي ومهارات الحياة قبل
عشر سنوات - ستجد فَرْقًا كبيرًا، كذلك الحال مع زوجتك، ليس شرطًا
أن تكونَ معك في المرتبة الأمامية دومًا، المهم أن تكونَ معك في نفس العربة أو القطار.
• استَخِرْ ربك، وشاوِرْ مَن تَثِق به، وإنْ كنتَ ولا بُد فاعلًا، فيُمكن الإبقاءُa
عليها كزوجةٍ، وتُضيف عليها زوجةً أخرى، بشرط العدْلِ بينهما.
نسأل الله أن يشرَحَ صدرك، وأن يُوفِّقك لكلِّ خيرٍ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق