إن الله تعالى هو المصدر الأول لكل علم،
قال تعالى :
{قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْء}
[1]
وقال تعالى
{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ
الْسَّمْعَ وَالأْبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[2] ،
وقال تعالى
{عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
[3] .
فمصدر المعرفة في المنهجية الإسلامية هو الله سبحانه وتعالى،
الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والذي لا يعزب
عنه مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء ولا أصغر من ذلك
ولا أكبر إلا في كتاب مبين، ومن إيجابيات هذا المصدر المباشر
أن المتلقي للمعرفة يشعر بأمن واطمئنان في أنه سيجد الإجابة
من هذا المصدر عن كل سؤال، كالظمآن الذي يبحث عن قطرة ماء
فيجد أمامه نهراً عذباً ليرتوي منه[4]
وكتاب الله تعالى احتفى حفاوةً كبيرة بالعلم وعده من صفات الكمال لله،
قال تعالى:
{نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}
[5] ،
وقال تعالى:
{وَسِعَ كُلَّ شَيْء عِلْماً}
[6] .
واحتوى كتاب الله تعالى على مختلف العلوم والمعارف التي يحتاج
إليها عامة البشر في حياتهم الدنيوية والأخروية .
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - من أراد علم الأولين والآخرين
فليتدبر القرآن وذلك لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر وبالجملة
فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عز و جل وصفاته وفي القرآن
شرح ذاته وأفعاله وصفاته وهذه العلوم لا نهاية لها وفي القرآن
إشارة إلى مجامعها
[7].
ويعد القرآن الكريم منذ نزوله على النبي - صلى الله عليه وسلم -،
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها معجزة خالدة؛ فعن ابن عباس
رضي الله عنهما أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه
فقال : يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا .
قال: لم ؟ قال : ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعرض ما قبله ،
قال : قد علمت قريش أني من أكثرها مالا ، قال : فقل فيه قولا
يبلغ قومك أنك منكر له ، قال : وماذا أقول ؟ فو الله ما منكم رجل
أعرف بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني ولا بأشعار
الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا ووالله إن لقوله الذي
يقوله حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله
وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه ليحطم ما تحته ، قال : لا يرضى عنك
قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر قال :
إن هذا إلا سحر يؤثر يأثره عن غيره [8].
فنزلت الآيات:
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}
[9] .
وقد ظل القرآن الكريم يؤثر على سامعيه منذ القدم ، فالله تعالى يخاطب
في النـفس ملكات يعلمها، وتتأثر به، ويتم تفسير هذه الأمور وفقاً
للعلم البشري المحدود[10] .
من هنا:
فإن القرآن الكريم يُعد رسالة إقناعية خاطبت العقل البشري من
خلال استراتيجيات محددة وأساليب إقناعية معروفة في عالم اليوم
وفيما يلي بعض الآيات القرآنية التي توضح استخدام الحوار الذي
يؤدي إلى الإقناع أو دحض الحجة ومنها :
قوله تعالى:
{ َألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فأت بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ
الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
[11] .
قال تعالى:
في بيان اقتناع السحرة بصدق موسى -عليه السلام- وتخليهم عن فرعون :
{ َقالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى* قَالَ بَلْ أَلْقُوا
فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى* فَأَوْجَسَ فِي
نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى* قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى* وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ
تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى*
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}
[12].
وحينما نتأمل في السنة النبوية وهي المصدر الثاني للشريعة الإسلامية
نجد أن الإقناع هديٌ نبويٌ وطريقٌ محمديٌّ تظاهرت عليه الأدلة من
سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -الصحيحة الثابتة عنه من ذلك:
1. ما جاء عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ كُنْتُ مع سلمان تحت شجرة فأخذ غصنا
منها يابسا فهزه حتى تحات ورقه ثم قال : يا أبا عثمان ألا تسألني
لم أفعل هذا ؟ قلت : ولم تفعله ؟
قال : هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه تحت
شجرة وأخذ منها غصنا يابسا فهزه حتى تحات ورقه فقال :
( يا سلمان ألا تسألني لم أفعل هذا ؟ قلت ولم تفعله ؟ قال :
إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس
تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق ،
وقال :
{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }
[13] [14].
2. جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال :
( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ
إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا
أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ (وهو ما فيه سواد ليس بحالك) ، قَالَ: نَعَمْ .
قَالَ: فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ
( أي لعل في أصوله ما هو بهذا اللون ؛ فاجتذبه إليه فجاء على لونه
على ما هو مقرر في علم الوراثة ) ؛
قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ.
[15]
و في هذا إقناعٌ بالغ الحكمة باستعمال القياس بضرب المثل وتشبيه
المعلوم بالمجهول بقصد محض الشك من قلب الرجل وإحلال اليقين محله .
3- جاء عن أبي أمامة الباهلي- رضي الله عنه -:
( إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا : مَهْ مَهْ ، فَقَالَ :
ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا .
قَالَ : فَجَلَسَ ، قَالَ : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ،
قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ .
قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ،
قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ .
قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ :
وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ .
قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ،
قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ .
قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ،
قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ .
قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ .
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ ؛ أي مما كان يسعى إليه
سابقا [16].
ومن خلال هذه النماذج يتبين مشروعية الإقناع ووروده في الكتاب
الكريم والسنة النبوية المطهرة، وما أجدر أن يأخذ به ويسير عليه
دعاة الخير وحملة مشاعل الهداية للناس كافة من خلال مخاطبة
العقول والقلوب .
فهو من المهارات الرئيسة التي يحتاجها الداعية إلى الله تعالى
للتعايش مع المدعو، والتواصل مع الآخرين.
د. الجوهرة بنت محمد العمراني
أستاذة الدعوة والاحتساب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،
وكاتبة في شبكة رسالة الإسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
[1] - سورة الرعد : 16 .
[2] - سورة النحل : 78 .
[3] - سورة العلق : 5 .
[4] - انظر خلق الإنسان في القرآن / مبارك محمد على مجذوب،
ص2.
[5] - سورة التحريم :3 .
[6] - سورة طه:98.
[7] - إحياء علوم الدين / باب : الرابع في فهم القران ،
ج : (1) ص289 ..
[8] - صحيح السيرة النبوية / محمد ناصر الدين الألباني ،
ج: (1) ص158 .
[9] - سورة المدثر:11- 13 .
[10] - انظر الإعلام الإسلامي الدولي بين النظرية والتطبيق
/ محمد علي العويني ص191 .
[11] - البقرة: 258 .
[12] - سورة طه : 65 – 70.
[13] - سورة هود: 114.
[14] - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / نور الدين علي بن أبي بكر
الهيثمي ،ج: (2) ص31 .
[15] - أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب : الحدود ،
باب : ما جاء في التعريض ، ج: (8) ص173 ح: (6847) .
واللفظ له . وأخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب : اللعان ،
باب : وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك
إلا ثلاثة أيام ، ج: (2) ص1137 ح: (1500) .
[16] - أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، ج: (36)
ص545 ح: (22211) مسند الإمام أحمد بن حنبل / أحمد بن حنبل ،
تحقيق : شعيب الأرنؤوط وآخرون ، مؤسسة الرسالة ،
ط: (2) ت: (1420هـ ، 1999م). وقال عنه الألباني – رحمه الله –
هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح .
السلسلة الصحيحة المجلدات الكاملة 1-9 /
محمد ناصر الدين الألباني ، ج: (1) ص369 ح: (370) .
قال تعالى :
{قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْء}
[1]
وقال تعالى
{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ
الْسَّمْعَ وَالأْبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[2] ،
وقال تعالى
{عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
[3] .
فمصدر المعرفة في المنهجية الإسلامية هو الله سبحانه وتعالى،
الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والذي لا يعزب
عنه مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء ولا أصغر من ذلك
ولا أكبر إلا في كتاب مبين، ومن إيجابيات هذا المصدر المباشر
أن المتلقي للمعرفة يشعر بأمن واطمئنان في أنه سيجد الإجابة
من هذا المصدر عن كل سؤال، كالظمآن الذي يبحث عن قطرة ماء
فيجد أمامه نهراً عذباً ليرتوي منه[4]
وكتاب الله تعالى احتفى حفاوةً كبيرة بالعلم وعده من صفات الكمال لله،
قال تعالى:
{نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}
[5] ،
وقال تعالى:
{وَسِعَ كُلَّ شَيْء عِلْماً}
[6] .
واحتوى كتاب الله تعالى على مختلف العلوم والمعارف التي يحتاج
إليها عامة البشر في حياتهم الدنيوية والأخروية .
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - من أراد علم الأولين والآخرين
فليتدبر القرآن وذلك لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر وبالجملة
فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عز و جل وصفاته وفي القرآن
شرح ذاته وأفعاله وصفاته وهذه العلوم لا نهاية لها وفي القرآن
إشارة إلى مجامعها
[7].
ويعد القرآن الكريم منذ نزوله على النبي - صلى الله عليه وسلم -،
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها معجزة خالدة؛ فعن ابن عباس
رضي الله عنهما أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه
فقال : يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا .
قال: لم ؟ قال : ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعرض ما قبله ،
قال : قد علمت قريش أني من أكثرها مالا ، قال : فقل فيه قولا
يبلغ قومك أنك منكر له ، قال : وماذا أقول ؟ فو الله ما منكم رجل
أعرف بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني ولا بأشعار
الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا ووالله إن لقوله الذي
يقوله حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله
وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه ليحطم ما تحته ، قال : لا يرضى عنك
قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر قال :
إن هذا إلا سحر يؤثر يأثره عن غيره [8].
فنزلت الآيات:
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}
[9] .
وقد ظل القرآن الكريم يؤثر على سامعيه منذ القدم ، فالله تعالى يخاطب
في النـفس ملكات يعلمها، وتتأثر به، ويتم تفسير هذه الأمور وفقاً
للعلم البشري المحدود[10] .
من هنا:
فإن القرآن الكريم يُعد رسالة إقناعية خاطبت العقل البشري من
خلال استراتيجيات محددة وأساليب إقناعية معروفة في عالم اليوم
وفيما يلي بعض الآيات القرآنية التي توضح استخدام الحوار الذي
يؤدي إلى الإقناع أو دحض الحجة ومنها :
قوله تعالى:
{ َألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فأت بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ
الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
[11] .
قال تعالى:
في بيان اقتناع السحرة بصدق موسى -عليه السلام- وتخليهم عن فرعون :
{ َقالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى* قَالَ بَلْ أَلْقُوا
فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى* فَأَوْجَسَ فِي
نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى* قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى* وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ
تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى*
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}
[12].
وحينما نتأمل في السنة النبوية وهي المصدر الثاني للشريعة الإسلامية
نجد أن الإقناع هديٌ نبويٌ وطريقٌ محمديٌّ تظاهرت عليه الأدلة من
سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -الصحيحة الثابتة عنه من ذلك:
1. ما جاء عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ كُنْتُ مع سلمان تحت شجرة فأخذ غصنا
منها يابسا فهزه حتى تحات ورقه ثم قال : يا أبا عثمان ألا تسألني
لم أفعل هذا ؟ قلت : ولم تفعله ؟
قال : هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه تحت
شجرة وأخذ منها غصنا يابسا فهزه حتى تحات ورقه فقال :
( يا سلمان ألا تسألني لم أفعل هذا ؟ قلت ولم تفعله ؟ قال :
إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس
تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق ،
وقال :
{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }
[13] [14].
2. جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال :
( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ
إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا
أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ (وهو ما فيه سواد ليس بحالك) ، قَالَ: نَعَمْ .
قَالَ: فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ
( أي لعل في أصوله ما هو بهذا اللون ؛ فاجتذبه إليه فجاء على لونه
على ما هو مقرر في علم الوراثة ) ؛
قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ.
[15]
و في هذا إقناعٌ بالغ الحكمة باستعمال القياس بضرب المثل وتشبيه
المعلوم بالمجهول بقصد محض الشك من قلب الرجل وإحلال اليقين محله .
3- جاء عن أبي أمامة الباهلي- رضي الله عنه -:
( إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا : مَهْ مَهْ ، فَقَالَ :
ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا .
قَالَ : فَجَلَسَ ، قَالَ : أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ،
قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ .
قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ،
قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ .
قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ :
وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ .
قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ،
قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ .
قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ،
قَالَ : وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ .
قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ .
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ ؛ أي مما كان يسعى إليه
سابقا [16].
ومن خلال هذه النماذج يتبين مشروعية الإقناع ووروده في الكتاب
الكريم والسنة النبوية المطهرة، وما أجدر أن يأخذ به ويسير عليه
دعاة الخير وحملة مشاعل الهداية للناس كافة من خلال مخاطبة
العقول والقلوب .
فهو من المهارات الرئيسة التي يحتاجها الداعية إلى الله تعالى
للتعايش مع المدعو، والتواصل مع الآخرين.
د. الجوهرة بنت محمد العمراني
أستاذة الدعوة والاحتساب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،
وكاتبة في شبكة رسالة الإسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
[1] - سورة الرعد : 16 .
[2] - سورة النحل : 78 .
[3] - سورة العلق : 5 .
[4] - انظر خلق الإنسان في القرآن / مبارك محمد على مجذوب،
ص2.
[5] - سورة التحريم :3 .
[6] - سورة طه:98.
[7] - إحياء علوم الدين / باب : الرابع في فهم القران ،
ج : (1) ص289 ..
[8] - صحيح السيرة النبوية / محمد ناصر الدين الألباني ،
ج: (1) ص158 .
[9] - سورة المدثر:11- 13 .
[10] - انظر الإعلام الإسلامي الدولي بين النظرية والتطبيق
/ محمد علي العويني ص191 .
[11] - البقرة: 258 .
[12] - سورة طه : 65 – 70.
[13] - سورة هود: 114.
[14] - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / نور الدين علي بن أبي بكر
الهيثمي ،ج: (2) ص31 .
[15] - أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب : الحدود ،
باب : ما جاء في التعريض ، ج: (8) ص173 ح: (6847) .
واللفظ له . وأخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب : اللعان ،
باب : وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك
إلا ثلاثة أيام ، ج: (2) ص1137 ح: (1500) .
[16] - أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، ج: (36)
ص545 ح: (22211) مسند الإمام أحمد بن حنبل / أحمد بن حنبل ،
تحقيق : شعيب الأرنؤوط وآخرون ، مؤسسة الرسالة ،
ط: (2) ت: (1420هـ ، 1999م). وقال عنه الألباني – رحمه الله –
هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح .
السلسلة الصحيحة المجلدات الكاملة 1-9 /
محمد ناصر الدين الألباني ، ج: (1) ص369 ح: (370) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق