قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}
([1])
إن تهذيب النفوس وتزكيتها بالأخلاق الإسلامية من الغايات السامية
لبعثة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الذي أكد هذا الأمر بأسلوب
الحصر في قوله صلى الله عليه وسلم:
(إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)
([2]) ([3]).
فالشريعة الإسلامية قد جاءت بأحكامها ونظمها التشريعية لتغرس
هذه الصفات الخلقية في نفوس من ينتمون إليها لبناء الأفراد والأُسر والجماعات
بناءً إسلامياً، ليشعر المسلمون جميعاً بشعور واحد،
وهدف واحد ألا وهو العمل والتمسك بكل ما جاء به الإسلام.
سواء كان ذلك ما ينظم علاقة الأفراد بعضهم ببعض، أو ما ينظم علاقاتهم
مع الأسر أو الجماعات الإسلامية، أم ما يُنظم علاقة الدولة الإسلامية
بغيرها من الدول الأخرى غير الإسلامية.
والمسلمون مطالبون بما يحقق قول الله تعالى:
{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
([4]).
ولن يتحقق ذلك إلا إذا بُني الأفراد والأسر والجماعة الإسلامية بناءً
خلقياً بحيث يشعر كل فرد من الأمة الإسلامية بما يجب عليه تجاه نفسه
أو غيره
فيتعامل وفق ما تدعو إليه الأخلاق الإسلامية
([5]).
وحيث أن الأخلاق عمل وسلوك وليست مجرد علم بما يجمل وما لا يجمل
([6]).
فإن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حرص على إكمال مكارم الأخلاق بتهذيب
النفوس وتقويم اعوجاجها، واقتفى أثره صحابته الكرام حرصاً
منهم على إصلاح النفوس وتطهيرها من الخبائث ومن الرجس
والدنس بجميع أنواعه.
فكان لاحتسابهم عظيم الأثر في استقامة القلوب وصلاح النفوس
وتجريدها من رذائل الأخلاق، وذمائم الصفات، وكان احتسابهم بمثابة العلاج
التربوي المُركّز لتقويم انحراف النفوس عن طريق النصح
والتذكير، والترغيب، والترهيب، والوعظ، والإرشاد بمختلف
الوسائل والأساليب النافعة.
وفي هذا المطلب سأذكر - إن شاء الله تعالى - بعض الآثار للاحتساب
على النساء في مجال الأخلاق على النحو التالي:
المسألة الأولى:
استقامة السلوك واعتداله:
قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
([7]).
الاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين وهي القيام بين يدي
الله تعالى على حقيقة الصدق.
وهي تقتضي الصبر على طاعة الله تعالى، والوفاء بالعهد والدوام عليها
دون انقطاع بدافع من كسل أو غرض.
وتعني الصبر عن معاصي الله تعالى دون انقطاع، والصبر على
قضاء الله تعالى، والرضا به على الدوام.
وهذا ما كانت عليه الكثير من النساء في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين ،
حيث استقام سلوكهن، فتعاملن بصدق، وأمانة، وتحلين
بالصبر والثبات، والاستقامة عند الرضى والغضب لإدراكهن أهمية
الاتصاف بالأخلاق الفاضلة
([8])
ولوجود المقوم لسلوكهن حال وجود الخلل.
وكان لتطبيق الحسبة على الأخلاق والآداب العامة أثر كبير في استقامة
السلوك، وتنقية النفوس من وساوس الشيطان ونزغاته التي تدفع النفس
البشرية إلى المعاصي والآثام مما يُبعدها عن طاعة الله تعالى
وتسخرها للأهواء والميول المنحرفة
([9]).
(1/446).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق