عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما :
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى )
قال ابن بطال :
[ فيه الحضُّ على السَّمَاحَة، وحسن المعاملة،
واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والرقة في البيع،
وذلك سبب إلى وجود البركة فيه؛
لأن النَّبي عليه السلام لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم،
في الدنيا والآخرة ]
وقال المناوي :
[... ( رحم الله عبدًا )
دعاء أو خبر، وقرينة الاستقبال المستفاد من.
( إذا )
تجعله دعاء.
( سَمْحًا )
بفتح فسكون، جوادًا أو متساهلًا، غير مضايق في الأمور،
وهذا صفة مشبَّهة تدل على الثبوت؛ ولذا كرر أحوال البيع والشراء والتقاضي،
حيث قال:
( إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى )
أي: وفى ما عليه بسهولة.
( سمحًا إذا اقتضى )
أي: طلب قضاء حقه، وهذا مسوق للحث على المسامحة في المعاملة،
وترك المشاححة والتضييق في الطلب، والتَّخلُّق بمكارم الأخلاق،
وقال القاضي: رتَّب الدعاء على ذلك؛ ليدل على أنَّ السهولة والتسامح
سبب لاستحقاق الدعاء، ويكون أهلًا للرحمة والاقتضاء والتقاضي،
وهو طلب قضاء الحق ]
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟
على كل قريب هيِّن سهل )
قال القاري:
[ أي: تحرم على كل سهل طلق حليم، ليِّن الجانب، قيل:
هما يطلقان على الإنسان بالتثقيل والتخفيف ]
( قريب )
أي: من النَّاس بمجالستهم في محافل الطاعة، وملاطفتهم قدر الطاعة.
( سهل )
أي: في قضاء حوائجهم، أو معناه أنَّه سمح القضاء، سمح الاقتضاء،
سمح البيع، سمح الشراء .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إنَّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض،
فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود،
وبين ذلك، والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب )
قال الطيبي:
[ ولما كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض،
أجريت على حقيقتها، وأُوِّلت الأربعة الأخيرة؛ لأنَّها من الأخلاق الباطنة،
فإنَّ المعني بالسهل: الرفق واللين،
وبالحزن: الخرق والعنف،
وبالطيِّب: الذي يعني به الأرض العذبة، المؤمن الذي هو نفع كله،
بالخبيث: الذي يراد به الأرض السبخة، الكافر الذي هو ضر كله،
والذي سبق له الحديث هو الأمور الباطنة؛
لأنَّها داخلة في حديث القدر بالخير والشر،
وأما الأمور الظاهرة من الألوان، وإن كانت مقدرة فلا اعتبار لها فيه ]
والنفس السَّمحة كالأرض الطَّيِّـبَة الهيِّنَة المستوية،
فهي لكل ما يراد منها من خير صالحة، إن أردت عبورها هانت،
وإن أردت حرثها وزراعتها لانت، وإن أردت البناء فيها سهلت،
وإن شئت النوم عليها تمهدت .
وعن حذيفة رضي الله عنه قال:
[ أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالًا، فقال له: ماذا عملت فى الدنيا ؟ -
قال ولا يكتمون الله حديثًا –
قال: يا رب آتيتني مالك، فكنت أبايع النَّاس، وكان من خلقي الجواز،
فكنت أتيسَّر على الموسر، وأنظر المعسر.
فقال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي ]
قال النووي:
[ والتَّجاوز والتَّجوز معناهما، المسامحة في الاقتضاء، والاستيفاء،
وقبول ما فيه نقص يسير، كما قال وأتجوَّز في السِّكَّة،
وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعسر والوضع عنه، إمَّا كل الدين،
وإما بعضه من كثير، أو قليل، وفضل المسامحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء،
سواء استوفي من موسر أو معسر، وفضل الوضع من الدين،
وأنَّه لا يحتقر شيء من أفعال الخير، فلعله سبب السعادة والرَّحْمَة ]
قال ابن تيمية :
[ وأما السَّمَاحَة والصبر، فخلقان في النفس.
قال تعالى:
{ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ }
وهذا أعلى من ذاك، وهو أن يكون صبَّارًا شكورًا،
فيه سماحة بالرَّحْمَة للإنسان، وصبر على المكاره،
وهذا ضد الذي خلق هلوعًا، إذا مسه الشر جزوعًا، وإذا مسه الخير منوعًا؛
فإنَّ ذاك ليس فيه سماحة عند النعمة، ولا صبر عند المصيبة ]