قالت لقد حطم زوجي حياتي وأخرجني من عملي وبعدها رماني
وطلقني، وأنا اليوم وحدي ولا دخل عندي،.
قلت لها:
إن الزمان تغير اليوم مع تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال،
ولم يصبح الدخل المالي مقتصرا علي كرسي ومكتب في دائرة
حكومية أو شركة خاصة.
فقالت:
ولكن ماذا أفعل الآن وأنا محتاجة لأعيش وعلي التزامات كثيرة.
قلت:
حتى يكون لك دخل لا بد أن تحسني استخدام شبكات التواصل الاجتماعي
من خلال عرض خدماتك أو مواهبك أو مهاراتك.
قالت: مثل ماذا؟
قلت:
أولا حددي ما الذي يميزك عن الآخرين، مثل الكتابة أو التحدث أكثر
من لغة أو لديك خبرة تعليمية أو صحية أو فنانة بالرسم والتلوين
أو حافظة للقرآن أو لديك علم في تفسير القرآن أو خبازة ماهرة
أو صانعة للحلويات أو طباخة بارعة.
قالت:
أنا هوايتي أني أحب الطيور والحيوانات.
قلت:
إذن من هنا نبدأ، ثم تحدثت معها حول كيف توظف علمها في تربية الحيوانات
واهتمامها بهذا الجانب لتفتح لها حسابا يقدم استشارات
بيطرية، وبدأت بفتح الحساب وصار الإقبال عليها كثيرا وحققت
نجاحا كبيرا حتى ازدادت ثروتها، ثم تطور الحال ففتحت محلا لبيع
الطيور والحيوانات وتطور مشروعها حتى صار دخلها أكبر من
الدخل الذي كانت تأخذه عندما كانت موظفة.
لقد مررت بتجارب كثيرة في هذا المجال وعشت قصص نجاح كثيرة
لأزواج وزوجات بعد تفكك أسرهم أو فقدانهم العائل، فوظفوا
هواياتهم ومواهبهم من خلال عرضها بالشبكات الاجتماعية وحققوا
نجاحا ماليا ممتازا، ولعل من غرائب ما رأيت من التجارب أن شابا
كان محبا للقطط وكان يحب أن يمشطهم ويقص أظافرهم ويغسلهم
بالماء والصابون ويضع لهم العطورات، ثم تطورت هوايته بعدما
فتح حسابا بالإنستجرام وصار كل من لديه قطة بالبيت يتصل به
ويطلب منه تنظيف قطته، وبدأ مشروعه صغيرا ثم تطور وصار لديه
سيارة خاصة مجهزة بأدوات التنظيف والغسيل للقطط وصمم سيارة
كأنها صالون متنقل للقطط وحقق من هذه الفكرة دخلا كبيرا،
وشاب آخر مميز بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها استطاع
من خلال توظيف مهارته هذه أن يحقق دخلا ماليا عاليا،
وامرأة متميزة في تحفيظ القرآن استطاعت أن تحقق دخلا من
استثمار الشبكات الاجتماعية بتحفيظ غيرها القرآن عن بعد،
وأعرف امرأة كبرت بالسن ولديها خبرة كبيرة في البحث فوظفت
خبرتها لعمل الأبحاث وحققت دخلا ماليا كبيرا وهي جالسة في بيتها.
فإذا مر الواحد منا بتجربة مثل مرض أو طلاق أو خسارة تجارية فلا
ينظر لهذا الحدث على أنه نهاية العالم فيتوقف ويتحسر علي الأيام
الماضية، بل ليحدد مواهبه أو يطور مهاراته أو يستثمر خبرته ويعمل
له مشروعا جديدا ينطلق بحياته من جديد، فلا يدري الواحد منا أين
الخير في حياته ولعل انطلاقته الثانية فيها خير أكثر من الأولى.
إن استثمار الإنسان لطاقته بطريقة إيجابية تشعره بالسعادة وبأنه
شخص مهم وذو قيمة حتى لو كان يعيش وحيدا بهذه الدنيا،
والله تبارك وتعالى لم يخلق إنسانا إلا وأودع فيه كنزا من المواهب
والقدرات والمهارات عليه أن يكتشفها ويطورها ويستثمرها،
فالإبداع لا يتوقف ولكن المهم أن الواحد منا لا يستسلم لليأس
أو يسمع كلام الناس المحبطين من حوله، فبادر واعمل وجرب
ولو فشلت ابتسم وجرب مرة أخرى وحاول ولو فشلت أو لم تنجح
جرب مرة ثالثة حتى تحقق النجاح.
د. جاسم المطوع