بسم الله الرحمن الرحيم
محمد بن محمود بن سليم البزم
(1306 - 1375هـ/1887 - 1955م)
محمد بن محمود بن سليم البزم، شاعر وأديب ونحوي ومعلم، دمشقي الولادة والوفاة، عراقي الأصل وقد عبر عن ذلك بقوله:
جلّق منبت جسمي وعلى
دجلةٍ محتد قومي الغابرين
ولد لأسرة شعبية متواضعة في حي الشاغور أحد أحياء دمشق القديمة، كان والده يحترف التجارة من نوع «مانيفاتورة» وعندما قاربت سنه العشرين لم يكن يعلم من القراءة إلا بعض سور من القرآن ونزراً من الآي التي يكثر جريها على الألسنة مما تلقنه في الكُتّاب، كان البزم منصرفاً إلى عبث الشباب، واتفق أن اصطحبه عمه في إحدى سفراته التجارية إلى بيروت وأهداه في طريق العودة كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» للأبشيهي، فأكب على مطالعته مع أنه لم يكن يفقه منه إلا القليل، ثم أتيح له أن يتردد مع صديقه الشاعر خير الدين الزركلي[ر] على المكتبة الظاهرية فأخذ يطالع بعض ما فيها من كتب الأدب والتاريخ والاجتماع والفنون، ثم أقبل على حلقات العلماء من شيوخ دمشق ومنهم: عبد القادر بدران، وجمال الدين القاسمي، وصالح التونسي، وتلقى عنهم بعض المتون وحفظ الكثير من شعر كبار الشعراء، ثم انصرف إلى المطالعة، وكان يقبل على القراءة بذهن متفتح ونفس مشرقة، ويكثر من مطالعة القرآن الكريم ويغوص في تفاسيره، وأحب اللغة العربية، واستهواه نثرها وشعرها. ولما عرف بإقباله على المعرفة وتعمقه في فنون العربية، انتدبه الشيخ كامل القصار مدرساً للعربية في مدرسة العثمانية، ولم يزل كذلك حتى نشوب الحرب العالمية الأولى فالتحق بالجندية وعمل كاتباً في إحدى المصحات، وفي سنة 1924م عمل في خدمة الدولة وعين أستاذاً للعربية فدرَّس في مكتب عنبر وثانوية التجهيز الأولى ودار المعلمين العليا. وفي سنة 1942 انتخب عضواً عاملاً في المجمع العلمي في دمشق، وعُهد إليه النظر في النواحي اللغوية التي تعرض على المجمع. وفي سنة 1953 أُحيل على التقاعد.
كان البزم كثير الاعتداد بنفسه، سريع الانفعال، ولم يكن البزم يحب مخالطة الناس والإكثار من الأصحاب، فآثر العزلة والعيش في محيط ضيق، ومع تعصبه الشديد لعروبته ولقضاياها فإنه لم يعمل في السياسة ولم ينتسب إلى حزب. عشق الفصحى ولم يسمعه أحد يتحدث إلاّ بها سواء بين الخاصة أو العامة، وكان ذا ولع بالنحو وبقراءة كتبه ونقدها والتعليق عليها، وكان له رأي في أسباب صعوبة النحو مستمد من تعصبه للعربية، إذ كان يرى أن المشتغلين بالنحو، ومعظمهم من الأعاجم، عمدوا إلى تصعيب النحو تعجيزاً للناس عن تعلمه بدافع من شعوبيتهم، وكان يتعصب لابن منظور مؤلف معجم لسان العرب، ويتهم «الفيروز آبادي» مؤلف القاموس المحيط بالشعوبية.
محمد بن محمود بن سليم البزم
(1306 - 1375هـ/1887 - 1955م)
محمد بن محمود بن سليم البزم، شاعر وأديب ونحوي ومعلم، دمشقي الولادة والوفاة، عراقي الأصل وقد عبر عن ذلك بقوله:
جلّق منبت جسمي وعلى
دجلةٍ محتد قومي الغابرين
ولد لأسرة شعبية متواضعة في حي الشاغور أحد أحياء دمشق القديمة، كان والده يحترف التجارة من نوع «مانيفاتورة» وعندما قاربت سنه العشرين لم يكن يعلم من القراءة إلا بعض سور من القرآن ونزراً من الآي التي يكثر جريها على الألسنة مما تلقنه في الكُتّاب، كان البزم منصرفاً إلى عبث الشباب، واتفق أن اصطحبه عمه في إحدى سفراته التجارية إلى بيروت وأهداه في طريق العودة كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» للأبشيهي، فأكب على مطالعته مع أنه لم يكن يفقه منه إلا القليل، ثم أتيح له أن يتردد مع صديقه الشاعر خير الدين الزركلي[ر] على المكتبة الظاهرية فأخذ يطالع بعض ما فيها من كتب الأدب والتاريخ والاجتماع والفنون، ثم أقبل على حلقات العلماء من شيوخ دمشق ومنهم: عبد القادر بدران، وجمال الدين القاسمي، وصالح التونسي، وتلقى عنهم بعض المتون وحفظ الكثير من شعر كبار الشعراء، ثم انصرف إلى المطالعة، وكان يقبل على القراءة بذهن متفتح ونفس مشرقة، ويكثر من مطالعة القرآن الكريم ويغوص في تفاسيره، وأحب اللغة العربية، واستهواه نثرها وشعرها. ولما عرف بإقباله على المعرفة وتعمقه في فنون العربية، انتدبه الشيخ كامل القصار مدرساً للعربية في مدرسة العثمانية، ولم يزل كذلك حتى نشوب الحرب العالمية الأولى فالتحق بالجندية وعمل كاتباً في إحدى المصحات، وفي سنة 1924م عمل في خدمة الدولة وعين أستاذاً للعربية فدرَّس في مكتب عنبر وثانوية التجهيز الأولى ودار المعلمين العليا. وفي سنة 1942 انتخب عضواً عاملاً في المجمع العلمي في دمشق، وعُهد إليه النظر في النواحي اللغوية التي تعرض على المجمع. وفي سنة 1953 أُحيل على التقاعد.
كان البزم كثير الاعتداد بنفسه، سريع الانفعال، ولم يكن البزم يحب مخالطة الناس والإكثار من الأصحاب، فآثر العزلة والعيش في محيط ضيق، ومع تعصبه الشديد لعروبته ولقضاياها فإنه لم يعمل في السياسة ولم ينتسب إلى حزب. عشق الفصحى ولم يسمعه أحد يتحدث إلاّ بها سواء بين الخاصة أو العامة، وكان ذا ولع بالنحو وبقراءة كتبه ونقدها والتعليق عليها، وكان له رأي في أسباب صعوبة النحو مستمد من تعصبه للعربية، إذ كان يرى أن المشتغلين بالنحو، ومعظمهم من الأعاجم، عمدوا إلى تصعيب النحو تعجيزاً للناس عن تعلمه بدافع من شعوبيتهم، وكان يتعصب لابن منظور مؤلف معجم لسان العرب، ويتهم «الفيروز آبادي» مؤلف القاموس المحيط بالشعوبية.
ولم يستطع البزم طوال عمله في التـدريس أن يتخلى عن صفتين غلبتا عليه: كونه نحوياً وكونه شاعراً، فكان لا يغفل شاهداً يساعده على إظهار تعمقه في النحو إلا حرص على إيراده وطلب من طلابه تسجيله لديهم، كما أنه لم يكن يدع مناسبةً للاستشهاد بشعر من يقدرهم من الشعراء القدامى أو بشعره إلا أملى ذلك على طلابه.
ويعد البزم شاعراً كبيراً من شعراء النهضة والمدرسة التقليدية الحديثة في سورية، كان مقلداً فصيحاً طويل النفس، يتصف شعره بالجزالة والصلابة والتعقيد اللغوي، وكان يتصيد الغريب ويؤثر الكلمات الفخمة النادرة على الكلمات الشائعة السهلة، وكان يتعمد الصنعة والإغراق في طلب الفحولة والتزام ما لا يلزم في الشعر. وقد رأى بعض نقاده أنه لا يمثل عصره لتمسكه بالطابع التقليدي للشعر في صوره ومعانيه وتراكيبه. فرد عليهم بقوله:
يعيبون مني لهجةً يعربيةً
ونهجة صدق أعوزت من يرودها
ولو عن هدى قالوا لأَسمعَ قولُهم
ولكنها الأحشاء ثارت حقودها
كان البزم متأثراً بالمتنبي ويظهر تأثره به في اعتداده بنفسه واستعلائه على الآخرين واستصغارهم، وكان يراه مثله الأعلى، قلَّده في شعره القومي وحِكَمِه وفخره المشوب بفلسفة القوة فقال:
ولو شئت سيرت القوافي جحافلاً
وأوقرتُ أَسماعاً وكان لي الفوز
وكان متأثراً بأبي العلاء المعري في نظرته التشاؤمية إلى الحياة وإساءة الظن بالناس والدنيا وفي ذلك يقول:
فإنني شاعر ساق الزمان له
من الكوارث ماشابت له الِلمم
وقلد المعري في بعض شعره في اللزوميات.
كذلك كان يتعمد الإطالة في بعض قصائده إظهاراً لمقدرته كقصيدته عن أبي العلاء المعري التي كلفه المجمع العربي بدمشق إلقاءها في مهرجان أبي العلاء فزادت أبياتها على المئة والستين بيتاً.
يعد البزم شاعر الإباء والتمرد العنيد والتعالي. وكان مزاجه يشبه في بعض جوانبه ابن الرومي مما جعله من أمض شعراء النقد والهجاء والتهكم في عصره. وفي شعره كثير من الغمز على خصومه، وقد تعرض لذلك أيضاً كثير من معارفه ورفاقه.
وإلى هذا فإن له قصائد قومية فيها افتخار بالعروبة التي كان يحلو له تسميتها بالعرباء أو اليعربية أحياناً، وفيها دعوة للاعتزاز بها والحض على إعلاء شأنها.
وفي ديوانه موضوعات أخرى متعددة كالنسيب والحكمة والإخوانيات والتأملات الاجتماعية والوصف، وله معان طريفة كما في الشطرنج والشتاء.
للبزم الكثير من المؤلفات التي لم يتح له أن ينشرها في حياته، وقد نُشر جزءٌ منها في الصحف والمجلات أو في مجموعات خطية أملاها على طلابه. وله أبحاث في العربية أهمها:
كتاب «اللحن»، وقد تتبع فيه اللحن في كلام العرب ودرس أسبابه، وكتاب «النحو الواقع» مخطوط، وكتاب «الجحيم»، وحاول فيه إقامة الدليل على أن اللغة سهلة جميلة في عامة فنونها، وأراد محاسبة من أساؤوا إليها، و«الجواب المسكت»، مخطوط وهو مجموعة كبيرة لكل جواب مسكت قالته العرب، و«كلمات في شعراء دمشق»، نُشر في جريدة الميزان الدمشقية، و«ديوان البزم» في جزأين كبيرين طبع بعد وفاته.
عاش البزم حتى قارب السبعين عاماً، وقد تعاورته الأوجاع والأمراض في آخر حياته، وفقد البصر، وافتقد الأهل والصحب وجَفَاهُ الناس. ثم عطف عليه أولو الأمر ونقل إلى المستشفى العسكري حيث ظل ثلاث سنوات مريضاً مكفوفاً إلى أن وافته المنية. ولم يشيعه إلا القليل من الصحب والطلاب، ودفن في مقبرة «باب الصغير» بدمشق.
ويعد البزم شاعراً كبيراً من شعراء النهضة والمدرسة التقليدية الحديثة في سورية، كان مقلداً فصيحاً طويل النفس، يتصف شعره بالجزالة والصلابة والتعقيد اللغوي، وكان يتصيد الغريب ويؤثر الكلمات الفخمة النادرة على الكلمات الشائعة السهلة، وكان يتعمد الصنعة والإغراق في طلب الفحولة والتزام ما لا يلزم في الشعر. وقد رأى بعض نقاده أنه لا يمثل عصره لتمسكه بالطابع التقليدي للشعر في صوره ومعانيه وتراكيبه. فرد عليهم بقوله:
يعيبون مني لهجةً يعربيةً
ونهجة صدق أعوزت من يرودها
ولو عن هدى قالوا لأَسمعَ قولُهم
ولكنها الأحشاء ثارت حقودها
كان البزم متأثراً بالمتنبي ويظهر تأثره به في اعتداده بنفسه واستعلائه على الآخرين واستصغارهم، وكان يراه مثله الأعلى، قلَّده في شعره القومي وحِكَمِه وفخره المشوب بفلسفة القوة فقال:
ولو شئت سيرت القوافي جحافلاً
وأوقرتُ أَسماعاً وكان لي الفوز
وكان متأثراً بأبي العلاء المعري في نظرته التشاؤمية إلى الحياة وإساءة الظن بالناس والدنيا وفي ذلك يقول:
فإنني شاعر ساق الزمان له
من الكوارث ماشابت له الِلمم
وقلد المعري في بعض شعره في اللزوميات.
كذلك كان يتعمد الإطالة في بعض قصائده إظهاراً لمقدرته كقصيدته عن أبي العلاء المعري التي كلفه المجمع العربي بدمشق إلقاءها في مهرجان أبي العلاء فزادت أبياتها على المئة والستين بيتاً.
يعد البزم شاعر الإباء والتمرد العنيد والتعالي. وكان مزاجه يشبه في بعض جوانبه ابن الرومي مما جعله من أمض شعراء النقد والهجاء والتهكم في عصره. وفي شعره كثير من الغمز على خصومه، وقد تعرض لذلك أيضاً كثير من معارفه ورفاقه.
وإلى هذا فإن له قصائد قومية فيها افتخار بالعروبة التي كان يحلو له تسميتها بالعرباء أو اليعربية أحياناً، وفيها دعوة للاعتزاز بها والحض على إعلاء شأنها.
وفي ديوانه موضوعات أخرى متعددة كالنسيب والحكمة والإخوانيات والتأملات الاجتماعية والوصف، وله معان طريفة كما في الشطرنج والشتاء.
للبزم الكثير من المؤلفات التي لم يتح له أن ينشرها في حياته، وقد نُشر جزءٌ منها في الصحف والمجلات أو في مجموعات خطية أملاها على طلابه. وله أبحاث في العربية أهمها:
كتاب «اللحن»، وقد تتبع فيه اللحن في كلام العرب ودرس أسبابه، وكتاب «النحو الواقع» مخطوط، وكتاب «الجحيم»، وحاول فيه إقامة الدليل على أن اللغة سهلة جميلة في عامة فنونها، وأراد محاسبة من أساؤوا إليها، و«الجواب المسكت»، مخطوط وهو مجموعة كبيرة لكل جواب مسكت قالته العرب، و«كلمات في شعراء دمشق»، نُشر في جريدة الميزان الدمشقية، و«ديوان البزم» في جزأين كبيرين طبع بعد وفاته.
عاش البزم حتى قارب السبعين عاماً، وقد تعاورته الأوجاع والأمراض في آخر حياته، وفقد البصر، وافتقد الأهل والصحب وجَفَاهُ الناس. ثم عطف عليه أولو الأمر ونقل إلى المستشفى العسكري حيث ظل ثلاث سنوات مريضاً مكفوفاً إلى أن وافته المنية. ولم يشيعه إلا القليل من الصحب والطلاب، ودفن في مقبرة «باب الصغير» بدمشق.