ابن القيم في طريق الهجرتين
قال ابن القيم في طريق الهجرتين:
من عرف الله أحبه ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات،
وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور
والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن
مع الله أبدًا؛ ولهذا قال حكاية عن نبيه أنه قال لصاحبه أبي بكر:
{ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا }
فدل أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه فما له والحزن،
وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله، فمن حصل الله له فعلى أي شيء
يحزن، ومن فاته الله فبأي شيء يفرح،
قال تعالى:
{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا }
, فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربه أعظم
من فرح كل أحد بما يفرح به من حبيب أو حياة أو مال أو نعمة أو ملك،
يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقية الحياة حتى
يجد طعم هذه الفرحة والبهجة, فيظهر سرورها في قلبه, ونضرتها
في وجهه, فيصير له حال من حال أهل الجنة حيث لقاهم الله نضرة
وسرورًا، فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون،
فهذا هو العلم الذي شمر إليه أولو الهمم والعزائم، واستبق إليه أصحاب
الخصائص والمكارم. انتهى.
وقال أيضًا:
الراغبون ثلاثة أقسام: راغب في الله،
وراغب فيما عند الله، وراغب عن الله، فالمحب راغب فيه،
والعامل راغب فيما عنده، والراضي بالدنيا من الآخرة راغب عنه,
ومن كانت رغبته في الله كفاه الله كل مهم، وتولاه في جميع أموره،
ودفع عنه ما لا يستطيع دفعه عن نفسه. اهـ من روضة المحبين,
وأما محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فهي من أعظم واجبات الإسلام, ومن أقوى عرى الإيمان,