أولًا: في القرآن
الكريم
العزم على فعل الخير وعدم التردد والمسارعة لفعل
الخيرات
من شيم الصالحين، والعزيمة هي الدافع لفعل الخير،
ولهذا حثَّ الله عليها في كتابه في غير آية ومن ذلك :
قال
تعالى:
{
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ }
[ آل عمران: 159 ].
وقال ابن جرير الطبري:
[ أما قوله: فإذا عزمت فتوكل على الله. فإنه يعني:
فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك، وتسديدنا لك فيما نابك
وحزبك من أمر دينك
ودنياك، فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به،
وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك، أو خالفها،
وتوكل فيما تأتي من أمورك وتدع وتحاول أو تزاول على
ربك،
فثق به في كل ذلك، وارض بقضائه في جميعه، دون آراء
سائر خلقه ومعونتهم،
فإنَّ الله يحبُّ المتوكلين، وهم الراضون بقضائه،
والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه
]
وقال الجصاص:
[ في ذكر العزيمة عقيب المشاورة دلالة على أنها صدرت
عن المشورة،
وأنه لم يكن فيها نص قبلها
]
وقال البخاري:
[ فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر
التقدم على الله ورسوله ]
وقال تعالى:
{ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ
وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الْأُمُورِ }
[ آل عمران: 186 ]
قال الشوكاني في قوله:
{ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
}
[ أي: مما يجب عليكم أن تعزموا عليه؛
لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليهم القيام بها
]
وقال الرازي:
[ من صواب التدبير الذي لا شكَّ في ظهور الرشد فيه،
وهو مما ينبغي لكل عاقل أن يعزم عليه، فتأخذ نفسه لا
محالة به...
ولا يجوز ذلك الترخص في تركه،
فما كان من الأمور حميد العاقبة معروفًا بالرشد
والصواب،
فهو من
عزم الأمور؛ لأنه مما لا يجوز لعاقل أن يترخص في تركه
]
وقال ابن عاشور:
[ وإن تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب أهل العزم؛ فإن ذلك
من عزم الأمور ]
وقوله تعالى:
{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الْأُمُورِ }
[ لقمان: 17 ]
قال أبو حيان الأندلسي:
[ العزم مصدر، فاحتمل أن يراد به المفعول، أي من
معزوم الأمور،
واحتمل أن يراد به الفاعل، أي عازم الأمور
]
قال
القرطبي:
[ إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من عزم الأمور،
أي مما عزمه الله وأمر به قاله ابن جريج،
ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق، وعزائم أهل
الحزم السالكين
طريق
النجاة، وقول ابن جريج أصوب ]
وقال تعالى:
{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ
إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
}
[ الشورى: 43 ]
قال الماوردي:
[ يحتمل قوله: إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
وجهين:
أحدهما: لمن عزائم الله التي أمر
بها.
الثاني: لمن عزائم الصواب التي وفق لها
]
وقال ابن كثير:
{ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
}
[ أي: لمن الأمور المشكورة، والأفعال الحميدة، التي
عليها ثواب جزيل،
وثناء جميل ]
وقال السعدي:
{ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
}
[ أي:
لمن الأمور التي حث الله عليها
وأكدها،
وأخبر
أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ
العظيمة،
ومن
الأمور التي لا يُوفَّق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو
الألباب والبصائر ]
وقال الواحدي:
[ إِنَّ ذَلِكَ أي: الصبر والغفران لَمِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ؛ لأنَّه يوجب الثواب،
فهو أتمُّ عزم ]
وقوله تعالى:
{ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ
الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
}
[ محمد: 21 ].
عن مجاهد في قوله تعالى:
{ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ
}
[ قال: إذا جدَّ الأمر وقال قتادة: فَإِذَا عَزَمَ
الْأَمْرُ يقول:
طواعية الله ورسوله، وقول معروف عند حقائق الأمور خير
لهم ]
قال الرازي:
[ جوابه -أي جواب إذا- محذوف تقديره فَإِذَا عَزَمَ
الْأَمْرُ خالفوا وتخلفوا،
وهو مناسب لمعنى قراءة أُبيٍّ، كأنه يقول في أول
الأمر قالوا سمعًا وطاعة،
وعند آخر الأمر خالفوا وأخلفوا موعدهم، ونسب العزم
إلى الأمر
والعزم لصاحب الأمر معناه: فإذا عزم صاحب الأمر.
هذا قول الزمخشري، ويحتمل أن يقال هو مجاز، كقولنا:
جاء الأمر وولى، فإنَّ الأمر في الأول يتوقع أن لا
يقع،
وعند إظلاله وعجز الكاره عن إبطاله فهو واقع فقال
عَزَمَ، والوجهان متقاربان ]
وقال تعالى:
{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ
فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
}
[ طه: 115 ]
قال ابن الجوزي:
قوله تعالى:
{ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
}
[ العزم في اللغة: توطين النفس على الفعل وفي المعنى
أربعة أقوال.
أحدها: لم نجد له حفظًا، رواه العوفي عن ابن عباس،
والمعنى: لم يحفظ ما أُمِر به.
والثاني: صبرًا، قاله قتادة ومقاتل، والمعنى: لم يصبر
عما نُهي عنه.
والثالث: حزمًا، قاله ابن
السائب.
قال
ابن الأنباري: وهذا لا يُخرج آدم من أولي العزم.
وإنما لم يكن له عزم في الأكل
فحسب.
والرابع: عزمًا في العَوْد إِلى الذَّنْب
]
وقال الرازي:
قوله:
{ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
}
[
يحتمل ولم نجد له عزمًا على القيام على المعصية،
فيكون إلى المدح أقرب،
ويحتمل أن يكون المراد ولم نجد له عزمًا على ترك
المعصية،
أو لم
نجد له عزمًا على التحفظ والاحتراز عن الغفلة،
أو لم نجد له عزمًا على الاحتياط في كيفية
الاجتهاد؛
إذا
قلنا: إنه عليه السلام إنما أخطأ بالاجتهاد
ورحج ابن جرير الطبري أن
تأويل
{ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
}
هو لم
نجد له عزم قلب، على الوفاء لله بعهده، ولا على حفظ ما عهد إليه
]
وقال ابن عاشور:
[ واستعمل نفي وجدان العزم عند آدم في معنى عدم وجود
العزم من صفته
فيما عهد إليه؛ تمثيلًا لحال طلب حصوله عنده بحال
الباحث على عزمه،
فلم يجده عنده بعد البحث ]