كان هناك رجلاً فارسيًا يدعى السلبوك..
عاش في نواحي بغداد دهرًا طويلا ً ,يصنع قصعًا من الطين
وأزيارًا وغيرها , وله في الأواني الفخارية نظرًابعيدًا وعلمًا مديدًا
ومن سوء حظه أنه عاش في قرية فنيّة , يضربون الأوتاربحرفية
ويتقنون النفخ والصفير ولهم أصوات ٌ حسان يشار لها بالبنان
كان يشعر بأنه أفضل منهم صوتًا , وأحسن منهم صفيرًا وعزفًا ,
وأخذ يغني كلما مر على أحدهم , وكلما خاطبهم في محله وفي محلهم
وكلما مشى في شارع , وكلما ارتقى إلى مكان ٍ فارع , فضاق به الناس ,
وسكتوا عنه أدبًا وذوقًا ليس إلا !
دخل مرة إلى منزله فوجد زيرًاكبيرًا كان قد أتم صنعه
وأصبح جاهزًا و إلى جواره زيرًا صغيرًا
فأدخل رأسه في الزير الكبير ليتفحصه من الداخل , ,
وكان وهو يتفحصه , يغني , فأعجبه صوته أكثر من ذي قبل
فأخرج رأسه وأدخله في الزير الصغير , وأخذ يغني فأيقن في نفسه
أنه ثروة وطنية لهذه القرية , وثورة غنائية في هذه المعمورة
اتجه على إثر ذلك إلى قصر الوالي , وطلب الدخول إلا أنهم منعوه ,
فقال لهم أنه مغني بارع , وأن له طرقًا في الغناء ستعجب الوالي
ولم يستجيبوا له , فكرر القدوم إلى القصر , حتى أدخله الوالي ,
وأذن له بالغناء في الأسبوع القادم على رأس الأشهاد من خاصّته
وقال له مهددًا : إن كان صوتك جميل وغناؤك حسن فسأعطيك ما يرضيك ,
وإلا !! فلا أحد يعلم ماذا سيكون عقابك !
فوافق السلبوك غير أنه طلب من الوالي أن يأذن له بإحضارالزيرين
الكبير والصغير , فهو لا يغني إلا بهما , فوافق الوالي , واقترب الموعد المعهود !
أخذ السلبوك يرتدي أبهى ثيابه لهذه المناسبة , ويتجهز بأفخم ما عنده
من عبارات يلقيها على الوالي , وحدد الأغاني ورتب المعاني
وعندما أراد حمل الزير الكبير , وجد أنه ثقيل وأنه لايمكنه
حمله من هنا إلى قصر الوالي , فاستعاض بالصغير عنه وذهب ماشيًا
حتى وصل إلى قصر الوالي , فأدخله الحراس ,
ووقف أمام الوالي وخاصته من الوزراء والأمراء والجنود والحرس
وقال :
أيها الوالي المعظّم , جئتُ لأغني بعد أن تفضلت علي بجزيل خيرك
وأذنت لي بلطفك وكرمك فهل أبدأ ؟ ..
قال له الوالي : ابدأ يا سلبوك .
نصب السلبوك زيره الصغيرفي وسط البلاط , وأخذ يغني ويغني ويغني ,
فضج البلاط بالضحك تارة , وبالتنديد تارة أخرى
أما الوالي فما كان منه إلا أن وضع أصابعه في أذنيه حتى إنتهى السلبوك
من وصلته الموسيقية وهو يلهث والدم مجتمعًا في وجهه .
حينئذ أمر الوالي أن يُملأ ذلك الزير بالماء , ويوضع أمام السلبوك ,
وأن يقوم كل من في القصر من جنود وحرس ووزراء وشعراء ومغنين
بالوقوف طابورًا خلف الزير , ويتقدمون بالترتيب فيغمسون أيديهم
بداخل الزير الممتلئ بالماء فيبللونها , ثم يصفعون السلبوك واحدًا تلو الآخر
ويعودون إلى آخر الطابور ليأخذوا دورًا جديدًا حتى ينتهي الماءمن الزير ,
وبدأت الصفعات اللينة تتولى على خد السلبوك وكان مع كل صفعة
يقول : الحمد لله
استغرب الوالي منه ثم استوقفه
وسأله: لماذا تحمد الله وانت تصفع , ويزداد حمدك عند كل صفعة ,
فقال السلبوك:
يا مولاي إني أحمد الله لأني لم آتِ بذلك الزير الكبير !.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق