كاعْتِزَاز الكفَّار بكفرهم، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ،
يقول -سبحانه-:
{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
}
[ ص: 2 ]
أو
الاعْتِزَاز بالنَّسب على جهة الفَخْر، أو الاعْتِزَاز بالوطن
والمال ونحوها،
كلُّ هذه مذمومة.
من صور العِزَّة غير الشَّرعيَّة:
1- الاعْتِزَاز بالكفَّار من يهود ونصارى ومنافقين
وغيرهم:
قال تعالى:
{ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا
أَلِيمًا
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ
أَيَبْتَغُونَ
عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا
}
[ النِّساء: 138-139 ]
.واللهُ -جلَّ جلاله- يسأل في استنكار: لِمَ يتَّخذون
الكافرين أولياء،
وهم يزعمون الإيمان؟ لِمَ يضعون أنفسهم هذا الموضع،
ويتَّخذون لأنفسهم هذا الموقف؟ أهم يطلبون العِزَّة
والقوَّة عند الكافرين؟
لقد
استأثر الله عزَّ وجلَّ بالعِزَّة، فلا يجدها إلَّا من يتولَّاه،
ويطلبها عنده،
ويَرْتَكِن إلى حِمَاه .
2-
الاعْتِزَاز بالآباء والأجداد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه
:
عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، قال:
( لينتهينَّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا،
إنَّما هم فَحْم جهنَّم،
أو ليكوننَّ أهْوَن على الله من الجُعَلِ الذي
يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بأنفه،
إنَّ الله أذهب عنكم عُبِّـيَّةَ الجاهليَّة وفخرها
بالآباء،
إنَّما هو مؤمن تقيٌّ، وفاجر شقيٌّ، النَّاس كلُّهم
بنو آدم،
وآدم خُلِق من تراب )
3-
الاعْتِزَاز بالقبيلة والرَّهط:
قال تعالى:
{ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا
تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا
وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ
عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ
اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ
ظِهْرِيًّا
إِنَّ
رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }
[ هود: 91-92 ]
أَجَماعة من البَشَر -مهما يكونوا من القُوَّة
والمنْعة- فهم ناس،
وهم ضِعَاف، وهم عِبَاد من عِبَاد الله.. أهؤلاء
أعزُّ عليكم من الله؟
أهؤلاء أشدُّ قوَّة ورهبة في نفوسكم من الله؟
{ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا }
[ هود: 92 ]
وهي
صورة حسِّية للتَّرك والإعراض، تزيد في شناعة فِعْلَتهم،
وهم يتركون الله ويُعْرضون عنه، وهم من خَلْقه،
وهو رازقهم وممتِّعهم بالخير الذي هم فيه. فهو
البَطَر وجحود النِّعمة
وقلَّة الحياء، إلى جانب الكفر والتَّكذيب وسوء
التَّقدير .
وعن أبي مالك الأشعري أنَّ النَّبي صلى الله عليه
وسلم قال:
( أربع في أمَّتي من أمر الجاهليَّة، لا يتركونهنَّ:
الفَخْر في الأحساب، والطَّعن في الأنساب،
والاستسقاء بالنُّجوم، والنِّياحة
)
وقال:
( النَّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تُقَام يوم
القيامة
وعليها سِرْبَال من قَطِرَان ودِرْع من
جَرَب )
4- الاعْتِزَاز بالكثرة، سواءً كان بالمال أو
العدد:
قال تعالى في قصَّة صاحب الجنَّة، في سورة الكهف:
{ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا
}
[ الكهف: 34 ]
قال ابن كثير:
{ أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا
}
أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا.
قال قتادة: تلك -والله- أمنيَّة الفاجر: كثرة المال
وعزَّة النَّفر
5-
الاعْتِزَاز بجمال الثِّياب:
عن ابن عمر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( من لبس ثوب شُهْرة في الدُّنْيا، ألبسه الله ثوب
مذلَّة يوم القيامة )
والمراد أنَّ ثوبه يَشْتَهر بين النَّاس، لمخالفة
لونه لألوان ثيابهم،
فيرفع النَّاس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعُجب
والتَّكبُّر.
قال ابن رسلان:
[ لأنَّه لَبِس الشُّهْرَة في الدُّنْيا ليَعِزَّ به،
ويفتخر على غيره،
ويُلْبِسه الله -يوم القيامة- ثوبًا يَشْتهر مذلَّته
واحتقاره بينهم عقوبةً له،
والعقوبة من نفس العمل، انتهى
]
وقوله: ( ثوب مذَلَّة )، أي: أَلْبَسه الله -يوم القيامة- ثوب مذَلَّة،
والمراد به: ثوب يوجب ذِلَّته يوم القيامة، كما لَبِس
في الدُّنْيا ثوبًا يتَعَزَّز به
على النَّاس، ويترفَّع به عليهم
.
6 - الاعْتِزَاز بالأصنام
والأوثان:
قال تعالى:
{ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً
لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ
عَلَيْهِمْ ضِدًّا }
[ مريم: 81-82 ]
فهؤلاء -الذين كفروا ربَّهم- يتَّخذون من دونه آلهة،
يطلبون عندها العِزَّة،
والغَلَبَة والنُّصْرَة، وكان فيهم من يعبد الملائكة،
ومن يعبد الجنَّ ويستنصر بهم،
ويتَّقون بهم كَلَّا، فسيكفر الملائكة والجنُّ
بعبادتهم، وينكرونها عليهم،
ويَبْرَؤون إلى الله منهم، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ
ضِدًّا بالتَّبرُّؤ منهم، والشَّهادة عليهم
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق