كثير منا يظنّ أن الكلمات وحدها هي التي تُظهر نقاط
قوته،
وتحدد معالم شخصيته، ولا ندرك أن هناك مهارة أكثر
سحراً وتأثيراً
اسمها
الصمت
إن الصمت فضيلة وله في النفوس رهبة وإجلال والمرء
الذي يؤدّب
لسانه
كي لا ينطلق مثرثراً، ويلجمه بحنكة وذكاء
،
لهو
امرؤ قد فعل الكثير في سبيل امتلاكه القوة ،
فكم من
كلمة ألقاها صاحبها في غفلة من عقلة ذهبت بماله أو سمعته
وربما برأسه بعيداً.
يُحكى أن لويس الرابع عشر حينما كان شاباً
يافعاً،
كان
يتباهى بقدرته على الحديث والكلام والجدال؛
لكنه حينما تولى مقاليد الحكم صار أقلّ كلاماً
،
بل لقد
كان صمته أحد أهم أسلحته ومنبعاً من منابع
قوّته؛
فمما يروى أن وزراءه كانوا يمضون الساعات في مناقشة
القضايا الهامة
ويجلسون لاختيار رجلين منهما لعرضها على الملك لويس
الرابع عشر،
وكانوا يمضون وقتاً غير قليل في اختيار من سيرفع
الأمر إلى الملك،
وعن الوقت المناسب لهذا الأمر،
وبعد أن ينتهوا من النقاش يذهب الشخصان اللذان تم
اختيارهما
إلى الملك ويقومان بعرض الأمر عليه بالتفصيل
والخيارات المطروحة،
ولويس يتابعهم في صمت
مهيب،
تغلب عليه روح الغموض وبعد أن يعرضا أمرهما ويطلبا
رأي الملك،
لا يزيد على أن ينظر إليهما ويقول بهدوء ، سوف أرى ثم
يذهب عنهما.
ولا يسمع أحد من الوزراء كلاماً حول ما تمّ
عرضه؛
بل فقط
تأتيهم النتائج والقرارات التي أمضاها الملك.
ولقد كان لصمت لويس الرابع عشر أثر بالغ في إبقاء من
حوله
في
حالة ترقّب دائم لردود أفعاله، وهو ما ترجمه سان
سيمون
فيما
بعد بقوله:
لم يكن أحد يعرف مثله كيف يبيع كلماته، وابتساماته،
وحتى نظراته..
كان كل شيء فيه نفيساً؛ لأنه خلق فوارق، ولقد اتسعت
للويس الرابع عشر
من ندرة كلماته.
في كتابه " كيف تمتلك مقاليد القوة " يؤكد روبرت
جرين؟
أن البشر آلات تفسير وتوضيح ولديهم شعور قوي بحتمية
معرفة
ما تفكّر به، وأنه كلما كانت كلماتك قليلة ومركّزة
،
فإنك
سوف تغلق من أمامهم أبواب كثيرة للتفسير والتحليل،
وستجعلهم يتهيّبونك بشكل كبير لعلك قد تعارضني يا
صديقي بحجة
أن
الكلام وسيلة تواصل وتعارف .
وأننا يجب أن نكون أكثر تفاعلاً مع المجتمع الذي نعيش
فيه،
وأن الغموض قد ينفّر من حولنا الآخرين بحجة أننا
متكبرون
لا
نودّ الحديث معهم وهذا صحيح في حالة الصمت المطبق المستفز؛
لكنني هاهنا أخبرك ببساطة بمعلومة في غاية الأهمية
وهي الكلمات
التي
تخرج من الفم لا يتم إرجاعها،
والقول الذي تطلق سراحه لن يمكنك العودة فيه مرة
أخرى
وما
أريد أن أخبرك به في هذه الفقرة هو أن تحاول بشتى
الطرق
أن
تسيطر على كلماتك، وألا تثرثر بشيء ليس ذو قيمة أو لا تعرف
أبعاده.
لا تستخدم فمك إلا بشيئين فقط : هم الصمت و
الابتسامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق