الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن (22)
* السابع من تلك الضوابط والقواعد :
أن الله أمر بموالاة المؤمنين وخاصة العلماء :
فالمؤمنون والمؤمنات – كما قال جلَّ وعلا - : ( بعضهم أولياءبعض ) ؛
كل مؤمن لا بدَّ له وفرض عليه : أن يحب المؤمنين , وأن ينصرهم وأن
يجتنب السخرية منهم ؛ فكيف إذا كان أولئك المؤمنون هم أنصار شرعة الله ,
وهم الذين يبيَّنون للناس الحلال والحرام , وهم الذين يبيَّنون لناس الباطل ؟!
فيحرم أن يذكر العلماء إلا بخير .
والمجالس التي يذكر فيها العلماء بغير خير مجالس سوء .
لماذا ؟ لأن العلماء ورثة الأنبياء ؛ فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً
ولا درهماً , وإنما ورَّثوا العلم , فمَن أخذه ؛ أخذ بحظٌّ وافر .
فمن أحترم العلماء , وأجلَّ العلماء , وأخذ بمقال العلماء أهل السنة والجماعة
– أهل التوحيد - ؛ فإنه أخذ بميراث النبوة , ولم يدع ميراث النبوة إلى غيره .
والعلماء الذين يرجع إلى قولهم ويوالَوْن ويحبون : صفتهم : أنهم :
أولاً : هم أئمة أهل السنة والجماعة في وقتهم , وأئمة التوحيد ,
والذين يرجع إلى قولهم في التوحيد في وقتهم .
ثانياً : ثم هم : أهل الشمولية في معرفة الأحكام الشرعية , فيعلمون الفقه
بأبوابه كلها , ويعلمون قواعد الشرع , والأصول المرعية , فلا يكون عندهم
التباس , ولا خلاف بين المسألة والأخرى , ولا بين القضايا بعضها مع بعض .
وعند ذلك ؛ لا بدَّ وأن نذكر مسألة مهمة , وقع فيها كثيرون ,
وهي قول القائل :
إن علماءنا في هذا الوقت لا يفهمون الواقع !! حتى بلغ من أحدهم أنه قال
في مجتمع صغير له مع بعض إخوانه : إنه استفدنا من هذه الأحوال وهذه
الحوادث : تميز العلماء إلى أناس يفهمون الواقع ويبنون عليه الأحكام
الشرعية , وأنا من العلماء لا يفهمون الواقع !!!
ووالله إنها لمقالة سوء , تدل على عدم فهم ما تُبنى عليه الأحكام الشرعية ,
وما يأخذ به العلماء , وما يرعونه من الفهم , ومالا يرعونه .
فإن الفهم للواقع – عند أهل العلم – ينقسم إلى قسمين :
* القسم الأول : فهم لواقع ينبني عليه الحكم الشرعي ؛ فهذا لا بدَّ منه ,
وفهمه مُتعيّن , ومن حكم في مسألة دون أن يفهم واقعها ؛ فقد أخطأ.
فإذا كان للواقع أثر في الحكم ؛ فلا بدَّ من فهمه.
* القسم الثاني : واقع لا أثر له في الحكم الشرعي ؛ فإنه يكون من الواقع :
كيت وكيت , وكذا وكذا , وقصصاً طوالاً ... ولكن لا أثر لذلك الفهم , ولذلك
القصص , ولتلك الأحوال ؛ لا أثر لها في الحكم الشرعي أبداً .
فعند ذلك ؛ العلماء لا يأخذون بها , وإن فهموها , وليس معنى ذلك
أن كل واقع عُلِم تُبنى عليه الأحكام الشرعية .
سأضرب أمثلة للأمر الأول , وأمثلة للأمر الثاني ؛
فكونوا منها على بينة وفهم :
* أما أمثلة الأمر الأول – وهو أن فهم الواقع ينبني عليه الحكم الشرعي -:
- فمن ذلك مثلاً : مسألة متى يُحكم على الميت بأنه مات ؟ هل هو يموت
بقلبه ؟ أو هو بموت دماغه ؟
هذه مسألة حادثة , لو أتى متكلم فيها , وتكلم دون أن يعلم واقعها , ودون أن
يعلم أحوالها ؛ لا بدَّ أن يقع في خطأ في الحكم ؛ لأن فهم واقع المسألة وتلك
القضية ؛ له أثر في الحكم الشرعي .
- مثال آخر : مثلاً الحكم على الدول , والحكم على الأوضاع ؛ بأن دولاً
ما مسلمة أو غير مسلمة ؛ كيف يتهيأ لي أن أحكم على دولة بأنها مسلمة
أو غير مسلمة دون أن نعرف حقيقة أمرها ودون أن أفهم واقعها ؟!
هذا أمر لا بدَّ أن يفهم الواقع فيه , حتى يصدر العالم الحكم الشرعي , فإذا
فهم ذلك الواقع ؛ أصدر الحكم الشرعي بناءً على فهمه لذلك الواقع .
- ومن ذلك أيضاً مثلاً : الجماعات الإسلامية الكثيرة , التي قامت في وقتنا
الحاضر مختلفة , وبعضها يختلف عن بعض ؛ هل يتسنَّى للعالم الشرعي
أن يحكم عليها , أو أن يقيِّمها ؛ دون أن يفهم واقعها , وما هي عليه من
المعتقدات ؟ ومن الأصول؟ ومن المناهج ؟ ومن الأفكار والرأي ؟
وكيف سبيل دعوتها ؟
لا يمكن له ...
لا بدَّ إذن من أن يفهم واقعها ؛ لأن فهم الواقع هنا له أثر في الحكم الشرعي ,
ومَن حكم دون فهم ذلك الواقع ؛ فإن حكمه الشرعي لن يوافق صواباً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق