بسم الله الرحمن الرحيمقدم رجل إلى بغداد في طريقه إلى الحج . وكان معه عقد يساوي ألف دينار .فاجتهد في بيعه فلم يجد له مشتريًا .فجاء إلى عطار موصوف بالخير ، فأودعه إياه .ثم حج وعاد ، وأتاه بهدية . فقال له العطار :من أنت ؟ وما هذا؟فقال : أنا صاحب العقد الذي أودعتك .فما كلّمهُ حتى رفسه العطار رفسة رماه عن دكانه .وقال :أتدعي علي مثل هذه الدعوى !فاجتمع الناس وقالوا للحاج :ويلك ! هذا رجل خير . ما وجدت من تدعي عليهإلا هذا؟!فتحير الرجل ، وتردد إليه ، فما زاده إلا شتمًا وضربًا .فقيل للحاج :لو ذهبت إلى عضد الدولة ( عضد الدولة : سلطان بويهي ضم العراق وفارسفي دولة موحدة انحلت بعد وفاته بسبب الخلاف بين أبنائه سنة 983 م ) ،فله في هذه الأشياء فراسة .فكتب الحاج قصته ، ورفعها إلى عضدالدولة . فصاح به فجاء .فسأله عن حاله ، فأخبره بالقصة . فقال عضد الدولة :اذهب إلى العطار بكرة ، واقعد على الدكة أمام دكانه .فإن منعك فاقعد على دكة تقابله من الصبح إلى المغرب ، ولا تكلمه .وافعل هكذا ثلاثة أيام ، فإني أمر عليك في اليوم الرابع ، وأقف ، وأسلم عليك ،فلا تقم لي ، ولا تزدني على رد السلام وجواب ما أسألك عنه .فجاء الحاج إلى دكان العطار ليجلس فمنعه ، فجلس بمقابلته ثلاثة أيام .فلما كان في اليوم الرابع ، اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم .فلما رأى عضد الدولة الحاج وقف ،وقال :سلام عليكم !فقال الحاج دون أن يتحرك :وعليكم السلام .قال عضد الدولة :يا أخي ، تقْدُم إلى بغداد ، فلاتأتي إلينا ، ولا تعرض حوائجك علينا؟!قال الحاج :كما اتَّفَق ! كما اتفق : هكذا كانو لم يشبعه الكلام ( لم يشبعه الكلام : لم يطل الكلام معه ) وعضد الدولة يسأله ويهتم ،وقد وقف ووقف العسكر كله والعطار قدأغمي عليه من الخوف .فلما انصرف الموكب التفت العطار إلى الحاج فقال :ويحك ! متى أودعتني هذا العقد؟وفي أي شيء كان ملفوفًا؟فذكرني لعلي أذكره !فقال : مِن صفته كذا و كذا .فقام العطار و فتش ، ثم نقض جرة عنده فوقع العقد .فقال : قد كنت نسيت . و لو لم تذكرني في الحال ما ذكرت !
من كتاب أخبار الأذكياء لابن الجوزي
الأربعاء، 29 أغسطس 2012
العطار والعقد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق