علو الهمة خلق رفيع وغاية نبيلة، تتعشقه النفوس
الكريمة،
وتهفو إليه الفطر القويمة، وعلو الهمة من الأسس
الأخلاقية الفاضلة،
وإليه يرجع مجموعة من الظواهر الخلقية، كالجد في
الأمور،
والترفع عن الصغائر والدنايا، وكالطموح إلى
المعالي
والإسلام يحثُّ على هذا الخلق النبيل، وقد وردت آيات
من القرآن الكريم،
تدل على ذلك، ومنها:
قوله تعالى:
{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ }
[ آل عمران: 133 ].
ففي هذه الآية ندب الله عباده إلى المبادرة إلى فعْل
الخيرات،
والمسارعة إلى نَيْل القُرُبات، وهو أمر من الله
بالهمة العالية.
وقال تعالى:
{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ
الرُّسُلِ }
[ الأحقاف: 35 ].
فهذه الآية فيها ثناء على أصحاب الهمم العالية،
وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم أولو
العزم من الرسل،
وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم...
وقد تجلت همتهم العالية في مثابرتهم، وجهادهم،
ودعوتهم إلى الله عزَّ وجلَّ،
كما أوضحه الله عزَّ وجلَّ في قصص الأنبياء:
كنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى،
ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين
وقال تعالى:
{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
}
[
الأحزاب: 23 ].
وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين بوصف الرجال،
الذين هم أصحاب الهمم العالية، فصدقوا ما عاهدوا الله
عليه،
ووفوا به، وأتموه، وأكملوه، فبذلوا مهجهم في مرضاته،
وسبلوا أنفسهم في طاعته.
{ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ
}
أي:
إرادته ومطلوبه، وما عليه من الحقِّ، فقتل في سبيل الله،
أو مات مؤديًا لحقه، لم ينقصه شيئًا.
{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ
}
تكميل ما عليه، فهو شارع في قضاء ما عليه، ووفاء نحبه
ولما يكمله،
وهو في
رجاء تكميله، ساع في ذلك، مجدٌّ
وقال سبحانه:
{ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ
}
[
النور: 37 ].
فهؤلاء الرجال هم أصحاب الهمم العالية،
ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا ذات لذات، ولا تجارة
ومكاسب، مشغلة عنه،
{ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ
}
وهذا يشمل كلَّ تكسب يقصد به العوض، فيكون
قوله:
وَلَا بَيْعٌ من باب عطف الخاص على العام، لكثرة
الاشتغال بالبيع على غيره،
فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن
ذلك، لا محذور فيه.
لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على ذِكْرِ
اللَّهِ
وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ بل جعلوا
طاعة الله وعبادته غاية مرادهم،
ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها
رفضوه
وقال الله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر عددًا من
الأنبياء ومواقفهم،
ودعوتهم لقومهم:
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهْ }
[ الأنعام: 90 ].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق