تأمّل معي تلك الحادثة الغريبة التي
بدأت بمزحة ثمّ تحوّلت إلى واقع وحقيقة، فقد ضاق "كيث أرمسترونج"
المحب للفن ذرعاً بالأشياء التافهة
المعروضة في صالات عرض اللوحات الفنية المحلية في لندن، ولذلك قذف بعض الدهان على
قطعة قديمة من الخشب المضغوط وخرج بما يمكن أن يسميه الخبراء تحفه فنّية.
وأخذ "أرمسترنج" لوحاً
خشبياً قديماً، وحفر عليه عشرات الأخادية، ثمّ قام بدهنه باللون الأبيض، ثمّ تقدم
به لمسابقة في الفنّ الحديث.
وقد أصيب هذا الرجل البالغ من العمر
(64) عاماً بالدهشة عندما علم أن هذه المزحة التي دخل بيها المسابقة
والتي أسماها "فجر الألفية"
قد أختيرت من بين (600) عمل فنّي آخر، وعرضت للبيع بمبلغ (225) ألف دولار، وأعلنت
لجنة تحكيم مكونة من خمسة قضاة في مدينة لندن أن هذه اللوحة تعتبر (قطعة حفر قنية
تجريدية)، أما أرمسترونج فيقول: "إنّه شيء لا يُصدق، لقد قمت بهذا العمل على
سبيل الدعابة" (جريدة الخليج، العدد 8484، بتاريخ 11/8/2002، ص20).
وتأمل قصة اخرى حين كان شاباً صغيراً
حاول أن يحفظ الحديث، وحاول وحاول وحاول، لكنّه فشل أن يكون كغيره من الفتيان
الذين حفظوا الكثير من الأحاديث عن النّبي صلى الله عليه وسلم ، لقد كاد اليأس أن
يتمكن من قلبه وكاد الفشل أن يلاحقه طوال حياته. قرّر يوماً أن يمشي بين بساتين
القرية، فأخذ يمشي طويلاً واليأس قد أحاط بقلبه وعقله، فاقترب... من بئر في وسط
بستان، فجلس قربها وراح يفكر، وفي أثناء جلوسه قرب البئر لاحظ أن الحبل المعلق في دلو
البئر قد أثّر بالصخر الذي يحيط برأس البئر، وقد فتّت الصخر من كثرة الإحتكاك
صعوداً ونزولاً، إذن هو التكرار والزمن..
فقرّر هذا الشاب أن يحاول مرّة ثانية
في حفظ الحديث، وعاهد نفسه أن يحفظ الحديث حتى لو كرّره 500 مرّة، فمضى يحاول
ويحاول ملتزماً بعهده حتى كانت أُمّه تملُ من تكراره وترحم حاله.. ومع مرور الزمن
وقوة الإصرار والمثابرة، استطاع أن يحفظ القرآن، ويفتي الناس، ويُدرِّس وعمره دون
العشرين، فألّف التصانيف والمؤلّفات الكثيرة، واستحق لقب شيخ الإسلام وإمام
الحرمين.. إنّها قصة الفقيه الموسوعي "أحمد بن حجر الهيتمي".
لذا، تعلم بأنّ الإحباط والمعاناة
اللذين تتحمّلهما يساعدانك دائماً على التقدُّم إلى الأمام متى اتعظت منهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق