الزواج
من أقدس العلاقات الإنسانية التي رزقنا الله إياها،
إن لم
تكن أقدسها على الإطلاق، وفقدان أحد الطرفين الآخر يمثل عبئاً
عظيماً
ومدعاة
للحزن والألم، وقد يعتبر فقد الزوجة لزوجها أشد وطئة على نفس
الزوجة
وأكثر إيلاماً لها، لأن المرأة بطبيعتها الطرف الأكثر عاطفية
وتأثراً،
والأكثر
ضعفاً، فتميل بعد وفاة الزوج إلى الحزن الشديد والانطواء
والانسحاب
من حياتها الطبيعية التي كانت تمارسها في حياة زوجها،
وهذه
مشكلة كبيرة إذ تحول الأرملة حياتها بيدها إلى
جحيم،
وتتحول حياتها إلى سلسلة
لا تنتهي من الأحزان والآلام...
ونحن
نتشارك معاً في السطور القادمة رحلة البحث عن حلول واقعية
وعملية
لاستكمال الحياة بأقل قدر ممكن من المنغصات،
وبأكبر
قدر ممكن من البهجة والانتصار على كل معوقات الاستمتاع
المشروع
بالحياة، فلا تعارض أبداً بين السعادة السابقة والوفاء للزوج
السابق،
وبين الاستمتاع بحياتك من جديد،
ونحاول
طرد كل ما يخصم من الصحة النفسية والجسدية للأرملة،
وزرع
أفضل مساحة ممكنة من الرضا داخل قلبها وعقلها
وروحها،
مما يسهل عليها الإجهاز
على كل ما يمكن أن يهددها بسرقة عمرها
في
معاناة قاسية ومريرة لا تعرفها إلا من مرت بهذه المحنة أو سمح
لها
بالغوص
في أعماق الأرامل.
نسوق
في السطور السابقة نماذج حية ممن ترملن وكيف تتعامل مع الحياة
وكيف
تخرج من أزمتها، كي لا تحول حياتها جحيماً
بيدها.
قلة
الحيلة
تحادثنا
مع الأستاذة نجلاء محفوظ الصحفية والكاتبة المهتمة بشئون المرأة
التي
تقول عن حال الأرملة بعد وفاة زوجها:
في غالب الأحوال نجد أنه
عقب وفاة زوجها يحيط الأهل والصديقات
بالأرملة
للمواساة ولإبداء التعاطف ويسرفون في إبداء الاستعداد للمشاركة
في
المسئولية، خاصة مع وجود الأبناء،
ويبالغون
في إظهار الألم لما حدث لها، والتباكي على سوء حظها
من
قبيل إظهار الحب لها، فتشعر بالرثاء البالغ لنفسها وتنكفئ
داخليًّا
وتزرع
الإحساس بسوء الحظ وتضيف إليه قلة
الحيلة،
وتركن إلى انتظار
المساعدات (الخارجية) لتعويضها عن خسارتها الفادحة.
وتحصل
الأرملة عادة على كثير أو قليل مما تريده في الأيام والشهور
الأولى
عقب
ترملها، ثم يستشعر من حولها ثقل المسئولية ويتباعدون تدريجيًّا،
وللأمانة
فإن مبالغة الأرملة في الاعتماد على الآخرين تسارع بانسحابهم؛
لأنهم
يبدءون في التعامل معها على أنها عبء إضافي على أعباء حياتهم
الحتمية،
ولا أحد يحب زيادة أعبائه.
وتكمل
الأستاذة نجلاء بقولها: أرى أنه من الأفضل أن تسارع الأرملة
بالاستقلالية
وطرد (فكرة) قلة الحيلة من ذهنها،
وزرع
حقيقة أن الله لا يكلف نفسًا إلا ما في وسعها،
وأنه
سبحانه وتعالى عندما يختبر إنسانًا فإنه يُعِدّ له الأسباب التي
تؤهله
للنجاح،
وأننا نتغافل عن رؤيتها وليس الأرامل
فقط؛
لأننا نظن أن السعي
للنهوض يجهدنا بينما الاستسلام للألم
سيمنحنا
التعاطف الذي يحرض الآخرين على تحمل المسئولية بدلا
منا.
أرملة
تكره أولادها
وتروي
لنا الأستاذة نجلاء عن أرملة صارحتها بعد طول تردد أنها
تشعر
بالذنب؛ لأنها (تكره) أولادها لأنها ترى أنهم عقبة أمام زواجها
الثاني،
فمن
سيتزوج أرملة ولديها 4 أولاد، وتقول مضيفة:
شعرت
بألم بالغ من معاناة هذه الأرملة فقد (حرمت) نفسها من الاستمتاع
بما
(تبقى) لديها في الحياة وأقصد به أبناءها،
وكان
يمكنها الاستمتاع بصداقتهم وأن تقوم بدوري الأب والأم معًا،
وتتشاغل
بإرادتها عن احتياجاتها العاطفية والحسية بأن تقول
لنفسها:
لقد حصلت عليها لبعض
الوقت وأنا أفضل من البنات اللاتي
لم يتزوجن وأيضًا من
النساء اللواتي لم ينجبن وطلقن لهذا السبب،
ودفعن
فاتورة الطلاق الباهظة. كما ظلمت نفسها عندما
توقعت
أن
يعوضها الأبناء عن غياب الأب، بينما كان عليها هي أن تعوضهم
وتعوض
نفسها في الوقت ذاته عن غياب الزوج والأب.
وتحذر
من تفريغ الأرملة شحنات حزنها في أولادها،
وبحثها
دائمًا عن التعاطف من الناس وكأنها تريد منهم أن يعوضوها
عن موت
زوجها، أو تستسلم للاعتمادية حتى تفقد القدرة على أداء أي شيء
في
حياتها أو حياة أولادها وتخسر تقديرها لنفسها. وتدلل على هذا
بقولها:
لا
أنسى أرملة في الخمسين قالت لي بأسى
واضح:
لا أستطيع فعل شيء لنفسي
ولا لابنتي، حتى التفكير في قضاء
الإجازات
أو شراء المجوهرات، كل
شيء تفعله أسرتي وأنا مجرد لا شيء!!
رفض
الأهل للزواج
وتكمل
الأستاذة نجلاء حديثها معنا: وتتعرض بعض
الأرامل
لرفض الأهل للزواج
الثاني والنابع من عادات اجتماعية لا أساس لها
في
الدين، وغالبًا ما تستسلم الأرملة وتظل تبكي طوال حياتها
على
فوات الفرصة في الزواج الجديد، وتقوم بشحن نفسها ضد
أهلها
وتغذي بداخلها الإحساس
بالاحتياج إلى رجل في حياتها،
وتربط بين كل ألم تعاني
منه وفقدانها للزوج، وتنمي بداخلها الإحساس
بالسخط
على الأهل وعلى الحياة، ويقل اهتمامها بدورها كأم،
وتستسلم
للكآبة وأحيانًا للبدانة والإهمال للمظهر ولسان حالها
يقول:
لمن أتجمل. وتفقد
الصديقات الواحدة تلو الأخرى؛
لأنها تشعر بأنهن يعشن
حياتهن بصورة تفتقدها.
وقد
تناست هذه الأرملة أن معظم الزوجات إن لم يكن جميعهن لديهن
مشاكل
تقل أو تكثر مع الأزواج، وأن الزواج ليس حلمًا ورديًّا،
وأن
الذكاء يدفعنا إلى تقبل الأمر الواقع أولا، ثم محاولة
تجميله
وتحسينه قدر
الاستطاعة.
وأرى
أن الأرملة التي ترغب في الزواج ويتقدم لها خاطب مناسب
دون
تقديم تنازلات جوهرية حتى لا تدفع الثمن بعد ذلك،
ويرفض
أهلها زواجها فإن أمامها خيارين: إما الاستسلام لرفض الأهل
ومحاولة
إيجاد أفضل حياة ممكنة بدون زواج، أو الإصرار على موقفها
وتوسيط
العقلاء في الأسرة وإخبارهم بحزم بأنها تريد الزواج
ولن
تتنازل عنه، وأن من الأفضل قبول هذه الحقيقة،
وبالطبع
ستواجه عقبات كثيرة ومواقف مؤلمة، وربما بعض الإهانات
وعليها
تجاهل ذلك والتركيز على أنها ستفوز بالزواج.
لا
تستسلمي للأحزان
وتستسلم
بعض الأرامل للأحزان ويتعمدن إظهار الحزن
حتى في
المناسبات السعيدة لإثبات الوفاء،
مما
يجعل الناس يتحفظون في التعامل معهن ويتجنبون إشراكهن
في
مناسباتهم السارة والخوف من التعرض للحسد
منهن.
وتغالي
بعض الأرامل في ذكر مزايا الزوج الراحل أمام الآخرين
الذين
يشعرون بهذه المبالغة بالطبع، والكلام على لسان
الأستاذة
نجلاء محفوظ، وللأسف فإن
هذه المبالغة تضخم الإحساس بالفقد لديها،
وأتذكر
أن أرملة قالت لي إن حياتها انتهت وإن البيت أصيب بالشلل،
ولاحظت
أنها تفرض على أولادها الحزن،
وأخرى
قالت لقد تهدم البيت عليّ أنا
وأولادي،
ثم تعرضت بعد ذلك لأزمات
صحية وعندما نصحتها باسترداد
صحتها والاعتناء
بأولادها صاحت باستنكار:
وماذا
عن كلام الناس الذين سيتهمونني بأنني أفكر في
الزواج!!
وتناست
هذه الأرملة أنها تدفع وحدها ثمن انهيار صحتها النفسية
والجسدية.
وأحيانًا
تحدث بعض المشكلات على الميراث،
مما
يشعر الأرملة بالمزيد والمزيد من المشاعر المريرة وتنمي
بداخلها
أن كل شيء ضاع منها
وتستسلم لهذه الأحاسيس المدمرة،
بدلاً
من استجماع طاقتها للخروج من هذه التجربة بأكبر قدر ممكن
من
المكاسب المادية وأيضًا الخبرات الحياتية،
وتذكر
أن الحياة دومًا مليئة بالصراعات المادية.
وهذا
لا يعني بالطبع الاستسلام فهو أمر مرفوض،
ولكن
أقصد الاكتفاء بالسعي لرد الحقوق وعدم السماح للشعور بالمرارة
بالتسلل
إلى النفس.
وقد
تمر الأرملة بمشاكل مادية؛ بسبب نقص الموارد المادية
بعد
وفاة زوجها، وهنا يكون أمامها خياران إما تقليل النفقات
قدر
الإمكان وطرد الإحساس بالضيق، أو السعي للالتحاق بأي عمل
حتى لو
كان يدويًّا أو في المنزل مع ضرورة التوقف عن رثاء النفس
ومقارنة
حياتها الحالية بالسابقة حتى لا تزيد صعوبة الحياة على
نفسها.
وتضيف:
وتنسى بعض الأرامل حماية أنفسهن من الرجال العابثين
فتصبح
الواحدة منهن مطمعًا سهلا لأي رجل يبحث عن ضحية،
حيث
يتصيد إحساسها بالحرمان فيبدأ في حصارها بالاهتمام
بها
حتى يستغلها عاطفيًّا، وعلى كل أرملة أن تتحفظ مع الرجال عامة
ولا
تلجأ للحديث مع أي رجل عند إحساسها بالوحدة
حتى لا
تحرضه على إيذائها.
همسة
أخيرة
ويحتل
الخوف من الدنيا مكانًا ملحوظًا لدى الكثير من الأرامل؛
إذ
يفتقدن الأمان بعد وفاة الزوج، ويتخلين عن أحلامهن السابقة في
الحياة،
وكأن
حياتهن انتهت مع وفاة الزوج، وفي النهاية تهمس في أذن كل
أرملة:
كما
نعتقد نكون، وبإمكانك وحدك صنع حياة أفضل لنفسك متى عرفت
أن كل
لحظة في الحياة هي (نعمة) غالية من الظلم لنفسك
إهدارها
في التألم من واقع
يستحيل تغييره؛ لذا فمن الأذكى أن تصنعي حاضرًا
أفضل،
وأن تزيدي من استقلاليتك وتنمية قدراتك في
الحياة،
مما يشعرك بالعزة ويبعدك
عن الشعور بقلة الحيلة؛ لأنه يسرق العمر،
واهتمي
بجمالك ورشاقتك،
وابتسمي
للحياة وأضيفي لنفسك كل يوم أي شيء يفيدك دينيًّا ودنيويًّا،
وتذكري
أن أفضل العون هو عون النفس،
وتذكري
الحديث الشريف
(
واستعن بالله ولا تعجز )
وستربحين الكثير، ولا
تتعاملي مع الناس من باب الاحتياج
حتى لا
يلقوا إليك بالفتات، بينما أنت تستطيعين صناعة ما هو أكثر
وأفضل
متى أغلقت أبواب الحزن وفتحت أبواب الرضا وابتسمت
للحياة
لترد عليك بما هو أجمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق