إن لم تكن زوجتي معي.. فلا
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن جاراً للرسول صلى الله عليه وسلم
فارسياً كان طيب المرق ، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء
يدعوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : ( وهذه ) لعائشة رضي الله
عنها ، فقال الرجل : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لا ) .
فعاد الرجل يدعوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وهذه ) قال
الجار : لا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا ) . ثم عاد يدعوه ،
فقال رسول الله: ( وهذه ؟ ) قال: نعم في الثالثة ، فقاما يتدافعان
حتى أتيا منزله . صحيح مسلم .
هذا حديث عظيم في بيان رفقه صلى الله عليه وسلم، وسعة رحمته ،
وعظم عطفه وشفقته ، وخاصة بزوجاته أمهات المؤمنين
رضي الله عنهن وأرضاهن .
فعلى الرغم من أن الجار الفارسي يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتناول
ما صنعه له من مرق وطعام ، فإنه عليه الصلاة والسلام يأبى تلبية الدعوة
وحده ، فيشير إلى عائشة ليشملها الجار بدعوته ، لكن الجار يرفض فيقابله
النبي صلى الله عليه وسلم برفض تلبية الدعوة دون أن تكون معه
زوجته السيدة عائشة .
يكرر الجار دعوته لعل النبي صلى الله عليه وسلم يغير رأيه فيوافق على
تلبية الدعوة وحده دون زوجته ، لكنه صلى الله عليه وسلم يثبت على رفضه
تلبيتها دون زوجته عائشة رضي الله عنها .
حتى في المرة الثالثة يثبت صلى الله عليه وسلم على رفضه تلبية الدعوة
وحده دون زوجته ، فيستجيب الجار الفارسي أخيراً ويوافق على دعوة
عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا يوجه الأزواج إلى إبعاد الأنانية ، وعدم الاستئثار بشيء دون زوجاتهم ،
ولهم في النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة ، يقول النووي رحمه الله
: فكَرِهَ صلى الله عليه وسلم الاختصاص بالطعام دونها ، وهذا من جميل
المعاشرة ، وحقوق المصاحبة ، وآداب المجالسة المؤكدة .
بينما نجد اليوم كثيراً من الأزواج يؤثرون أنفسهم على زوجاتهم ،
ولا يشترطون دعوة زوجاتهم معهم ، بل نجدهم يتهربون من ذلك حتى
وإن دُعين معهم .
وحين تبدي المرأة رغبتها في أن تكون مع زوجها في سفر ، أو زيارة ،
أو نزهة ، فإن زوجها يتهرب متعللاً بعلة من العلل ، أو سبب من الأسباب ،
وكثير منها غير حقيقي .
قد يقول لها زوجها : بقاؤك مع الأولاد أهم ، أو يقول : في المرات المقبلة إن
شاء الله ، أو يقول : والله أنا رايح مجاملة ولو تُرك لي الاختيار لما ذهبت
وقد يعلل ويبرر غيرهم بأنه طلب من الداعي أن تكون معه زوجته فلم يقبل ؛
دون أن يكرر الزوج طلبه ، بل قد يجدها فرصةً حتى لا يصحب زوجته معه ،
وهذا على غير ما وجدنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الذي يشترط ثلاث
مرات أن تشمل الدعوة زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وقد يبرر آخرون بأنهم مرغمون على تلبية الدعوة دون أن تكون زوجاتهم
معهم عملاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتلبية الدعوة:
( إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها )
صحيح مسلم .
( إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليُجب )
صحيح مسلم .
( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طَعِم وإن شاء ترك )
صحيح مسلم .
يقول النووي الذي أورد هذه الأحاديث وغيرها في باب ( الأمر بإجابة الداعي
إلى دعوة ) : وأما الأعذار التي يسقط بها وجوب إجابة الدعوة أو ندبها
فمنها أن يكون في الطعام شبهة ، أو يخص بها الأغنياء ، أو يكون هناك
من يتأذى بحضوره معه ، أو لا تليق به مجالسته ، أو يدعوه لخوفِ شرِّه ،
أو لطمعٍ في جاهه ، أو ليعاونه على باطل ، وأن لا يكون هناك منكر من خمر
، أو لهو ، أو فرش حرير ، أو صور حيوان غير مفروشة ، أو آنية ذهب
أو فضة ؟ فكل هـذه أعذار في ترك الإجابة .
يضيف النووي : ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه
( أي يقبل الداعي اعتذاره ) . ولو دعاه ذمي لم تجب إجابته على الأصح .
وعلى هذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان له إجابة الدعوة وعدم تلبيتها
، فاختار عدم التلبية إلا إذا دعيت معه زوجته عائشة ، يقول النووي : فلما
أذن لها ( أي أذن الجار الفارسي حضورها مع النبي عليه الصلاة والسلام )
اختار النبي الجائز لتجدد المصلحة ، وهو ما كان عليه الصلاة والسلام يريده
من إكرام جليسه ، وإيفاء حق معاشرته ، ومواساته في ما يحصل .
وأرجو أن نتأمل في الكلمات الأخيرة من كلام النووي رحمه الله :
( إكرام جليسه ، وإيفاء حق معاشرته ، ومواساته في ما يحصل )
والمقصود بهذا كله السيدة عائشة رضي الله عنها ، فهل نفعل مثل هذا
مع زوجاتنا من إكرام ، وإيفاءِ حق ، ومواساة ؟!
وأرجو أن نتأمل في وصف تلبية النبي عليه الصلاة والسلام وزوجه عائشة
دعوة جارهما بعد أن قال نعم في الثالثة ( فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله )
يقول النووي : ( يمشي كل منهما في أثر صاحبه ) ففي هذا بيان فرحتهما
بأن يكونا معاً في تلبية الدعوة .
ولعلنا لا حظنا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرجع
إلى زوجته عائشة ليسألها : هل ألبّي دعوته وحدي ؟
أو : هل رأيت .. إنه يأبى أن يدعوك ، فيحضرها أحدنا
خير من أن لا يحضرها أحد !
أو : ماذا أفعل .. لقد طلبت منه مرتين أن يدعوك معي ..
أنا حريص على هذا ، لكنه مصرٌ على رفضه .
لم يقل عليه الصلاة والسلام شيئاً من هذا ، مؤكداً أنه يحب لعائشة ما يحبه
لنفسه ، ويريد لها أن تأكل مثلما يأكل ، وأن تسعد مثلما يسعد ،
حتى وإن أذنت له أن يلبي الدعوة وحده .
ما أعظم الحب الذي سيفيض في قلب كل امرأة لا يتراجع زوجها عن إصراره
على أن تنال من الخير مثل ما ينال ، وأن تأكل من الطعام ما يأكله ، كما قال
عليه الصلاة والسلام ( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ،
ولا تضرب الوجه ، ولا تُقَبِّح ، ولا تهجر إلا في البيت ) . صحيح الجامع .
يبقى سؤال يخطر في الأذهان : لماذا اقتصر الجار الفارسي في دعوته على
النبي عليه الصلاة والسلام وتأخر في استجابته للنبي الذي طلب مشاركة
أم المؤمنين له في الدعوة ؟
يقول النووي : قالوا ، ولعل الفارسي إنما لم يدعُ عائشة رضي الله عنها أولاً
لكون الطعام كان قليلاً ؛ فأراد توفيره على رسول الله عليه الصلاة والسلام .
وبعد ؛ فإن هذا الحديث يضيئ لنا صورة مشرقة من حبه عليه الصلاة
والسلام ورفقه وعطفه ، وشفقته بالناس عامة ، وبالمرأة خاصة ، نحتاج
كثيراً الاهتداء بها ، والاقتباس منها ، في حياتنا الزوجية اليوم ، وقد كَثُرتْ
فيها النزاعات ، واحتدت فيها المشاحنات ، وسيطرت عليها الماديات ،
وامتلأت قلوب أطرافها بالأنانيات .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن جاراً للرسول صلى الله عليه وسلم
فارسياً كان طيب المرق ، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء
يدعوه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له : ( وهذه ) لعائشة رضي الله
عنها ، فقال الرجل : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لا ) .
فعاد الرجل يدعوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وهذه ) قال
الجار : لا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا ) . ثم عاد يدعوه ،
فقال رسول الله: ( وهذه ؟ ) قال: نعم في الثالثة ، فقاما يتدافعان
حتى أتيا منزله . صحيح مسلم .
هذا حديث عظيم في بيان رفقه صلى الله عليه وسلم، وسعة رحمته ،
وعظم عطفه وشفقته ، وخاصة بزوجاته أمهات المؤمنين
رضي الله عنهن وأرضاهن .
فعلى الرغم من أن الجار الفارسي يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتناول
ما صنعه له من مرق وطعام ، فإنه عليه الصلاة والسلام يأبى تلبية الدعوة
وحده ، فيشير إلى عائشة ليشملها الجار بدعوته ، لكن الجار يرفض فيقابله
النبي صلى الله عليه وسلم برفض تلبية الدعوة دون أن تكون معه
زوجته السيدة عائشة .
يكرر الجار دعوته لعل النبي صلى الله عليه وسلم يغير رأيه فيوافق على
تلبية الدعوة وحده دون زوجته ، لكنه صلى الله عليه وسلم يثبت على رفضه
تلبيتها دون زوجته عائشة رضي الله عنها .
حتى في المرة الثالثة يثبت صلى الله عليه وسلم على رفضه تلبية الدعوة
وحده دون زوجته ، فيستجيب الجار الفارسي أخيراً ويوافق على دعوة
عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا يوجه الأزواج إلى إبعاد الأنانية ، وعدم الاستئثار بشيء دون زوجاتهم ،
ولهم في النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة ، يقول النووي رحمه الله
: فكَرِهَ صلى الله عليه وسلم الاختصاص بالطعام دونها ، وهذا من جميل
المعاشرة ، وحقوق المصاحبة ، وآداب المجالسة المؤكدة .
بينما نجد اليوم كثيراً من الأزواج يؤثرون أنفسهم على زوجاتهم ،
ولا يشترطون دعوة زوجاتهم معهم ، بل نجدهم يتهربون من ذلك حتى
وإن دُعين معهم .
وحين تبدي المرأة رغبتها في أن تكون مع زوجها في سفر ، أو زيارة ،
أو نزهة ، فإن زوجها يتهرب متعللاً بعلة من العلل ، أو سبب من الأسباب ،
وكثير منها غير حقيقي .
قد يقول لها زوجها : بقاؤك مع الأولاد أهم ، أو يقول : في المرات المقبلة إن
شاء الله ، أو يقول : والله أنا رايح مجاملة ولو تُرك لي الاختيار لما ذهبت
وقد يعلل ويبرر غيرهم بأنه طلب من الداعي أن تكون معه زوجته فلم يقبل ؛
دون أن يكرر الزوج طلبه ، بل قد يجدها فرصةً حتى لا يصحب زوجته معه ،
وهذا على غير ما وجدنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الذي يشترط ثلاث
مرات أن تشمل الدعوة زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وقد يبرر آخرون بأنهم مرغمون على تلبية الدعوة دون أن تكون زوجاتهم
معهم عملاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتلبية الدعوة:
( إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها )
صحيح مسلم .
( إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليُجب )
صحيح مسلم .
( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن شاء طَعِم وإن شاء ترك )
صحيح مسلم .
يقول النووي الذي أورد هذه الأحاديث وغيرها في باب ( الأمر بإجابة الداعي
إلى دعوة ) : وأما الأعذار التي يسقط بها وجوب إجابة الدعوة أو ندبها
فمنها أن يكون في الطعام شبهة ، أو يخص بها الأغنياء ، أو يكون هناك
من يتأذى بحضوره معه ، أو لا تليق به مجالسته ، أو يدعوه لخوفِ شرِّه ،
أو لطمعٍ في جاهه ، أو ليعاونه على باطل ، وأن لا يكون هناك منكر من خمر
، أو لهو ، أو فرش حرير ، أو صور حيوان غير مفروشة ، أو آنية ذهب
أو فضة ؟ فكل هـذه أعذار في ترك الإجابة .
يضيف النووي : ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه
( أي يقبل الداعي اعتذاره ) . ولو دعاه ذمي لم تجب إجابته على الأصح .
وعلى هذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان له إجابة الدعوة وعدم تلبيتها
، فاختار عدم التلبية إلا إذا دعيت معه زوجته عائشة ، يقول النووي : فلما
أذن لها ( أي أذن الجار الفارسي حضورها مع النبي عليه الصلاة والسلام )
اختار النبي الجائز لتجدد المصلحة ، وهو ما كان عليه الصلاة والسلام يريده
من إكرام جليسه ، وإيفاء حق معاشرته ، ومواساته في ما يحصل .
وأرجو أن نتأمل في الكلمات الأخيرة من كلام النووي رحمه الله :
( إكرام جليسه ، وإيفاء حق معاشرته ، ومواساته في ما يحصل )
والمقصود بهذا كله السيدة عائشة رضي الله عنها ، فهل نفعل مثل هذا
مع زوجاتنا من إكرام ، وإيفاءِ حق ، ومواساة ؟!
وأرجو أن نتأمل في وصف تلبية النبي عليه الصلاة والسلام وزوجه عائشة
دعوة جارهما بعد أن قال نعم في الثالثة ( فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله )
يقول النووي : ( يمشي كل منهما في أثر صاحبه ) ففي هذا بيان فرحتهما
بأن يكونا معاً في تلبية الدعوة .
ولعلنا لا حظنا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرجع
إلى زوجته عائشة ليسألها : هل ألبّي دعوته وحدي ؟
أو : هل رأيت .. إنه يأبى أن يدعوك ، فيحضرها أحدنا
خير من أن لا يحضرها أحد !
أو : ماذا أفعل .. لقد طلبت منه مرتين أن يدعوك معي ..
أنا حريص على هذا ، لكنه مصرٌ على رفضه .
لم يقل عليه الصلاة والسلام شيئاً من هذا ، مؤكداً أنه يحب لعائشة ما يحبه
لنفسه ، ويريد لها أن تأكل مثلما يأكل ، وأن تسعد مثلما يسعد ،
حتى وإن أذنت له أن يلبي الدعوة وحده .
ما أعظم الحب الذي سيفيض في قلب كل امرأة لا يتراجع زوجها عن إصراره
على أن تنال من الخير مثل ما ينال ، وأن تأكل من الطعام ما يأكله ، كما قال
عليه الصلاة والسلام ( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ،
ولا تضرب الوجه ، ولا تُقَبِّح ، ولا تهجر إلا في البيت ) . صحيح الجامع .
يبقى سؤال يخطر في الأذهان : لماذا اقتصر الجار الفارسي في دعوته على
النبي عليه الصلاة والسلام وتأخر في استجابته للنبي الذي طلب مشاركة
أم المؤمنين له في الدعوة ؟
يقول النووي : قالوا ، ولعل الفارسي إنما لم يدعُ عائشة رضي الله عنها أولاً
لكون الطعام كان قليلاً ؛ فأراد توفيره على رسول الله عليه الصلاة والسلام .
وبعد ؛ فإن هذا الحديث يضيئ لنا صورة مشرقة من حبه عليه الصلاة
والسلام ورفقه وعطفه ، وشفقته بالناس عامة ، وبالمرأة خاصة ، نحتاج
كثيراً الاهتداء بها ، والاقتباس منها ، في حياتنا الزوجية اليوم ، وقد كَثُرتْ
فيها النزاعات ، واحتدت فيها المشاحنات ، وسيطرت عليها الماديات ،
وامتلأت قلوب أطرافها بالأنانيات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق