موسوعة المؤرخين (54)
الجبرتي وموقفه من محمد علي
على الرغم من كراهية عبد الرحمن الجبرتي للوالي محمد علي لما رآه من
ضروب العنف والاستبداد والقسوة التي وقعت في عهده، ووضْعه لأدوات
الإنتاج في يده، وقيامه بإلغاء الالتزام الذي أضير منه شخصيا، فقد كانت
كتاباته عنه في معظم الأحيان تتسم بالموضوعية، فأشاد بمحمد
علي في بعض المواقف وانتقده في مواقف أخرى.
مواقف إشادة الجبرتي بمحمد علي
وعن مواقف إشادة عبد الرحمن الجبرتي بمحمد علي نذكر أنه أشاد بفضله
في تعمير الإسكندرية ووصف ذلك العمل بأنه من محاسن الأفعال التي عجز
السابقون عن القيام بها، كما أشاد به عندما قام بتشجيع أبناء مصر
من النبهاء. فذكر أنه عندما ابتكر مصري يدعى حسين شلبي عجوة آلة
لضرب الأرز وتبييضه تدور بطريقة سهلة توفر على الناس جهدهم
وطاقاتهم، وعمل لها مثالا من الصفيح وقدمه لمحمد علي مصنعا
تستخدم فيه هذه الآلة التي اخترعها .
مواقف انتقاده لمحمد علي
أما عن مواقف انتقاده لمحمد علي، فعلى الرغم من أنه كان يعلم جيدا أن ذلك
سيسبب له المتاعب، وقد يعرض حياته وحياة أسرته للخطر، فإنه كان جريئا
وأمينا في اتهامه له، فذكر "أن من طبعه الحسد والشره والطمع والتطلع
لما في أيدي الناس وأرزاقهم" .
كما تعرض لموقف محمد علي من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
في الجزيرة العربية بالنقد، فأعرب عن تعاطفه مع رجالات الدعوة واقتناعه
بآرائهم، وأبدى تبرمه من قيام محمد علي بإثقال كاهل المصريين بالضرائب
لتدبير تكاليف الحملة، فقال: "وجعل على كل فدان ستة قروش وسبعة
وثمانية، وذكر أنها مساعدة على حروب الحجاز" .
كما ذكر أن جنود محمد علي كانوا يخطفون من الفلاحين "السمن والجبن
والتبن والبيض وغير ذلك" ، بحجة سفرهم إلى الحجاز لدرجة أن قل اللحم
والسمن والجبن، خاصة بعد أن استولى محمد علي على مواشي
الفلاحين وأغنامهم .
إنصاف الجبرتي المؤرخ
وإلى جانب ذلك، فإنه يمكن القول إن الجبرتي كان وسطا في بعض الأحيان
في حكمه على محمد علي، ومن ذلك قوله: "له مندوحة لم تكن لغيره من
ملوك هذه الأزمان، فلو وفقه الله لشيء من العدالة على ما فيه من العزم
والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة، لكان أعجوبة زمانه وفريد أوانه" .
وهكذا يتضح أن الجبرتي لم يتجن على محمد علي، بل كان منصفا
في عرضه لأعماله؛ فذكر ما له وما عليه، وهذه هي إحدى شيم المؤرخ
الحقيقي الذي لا يحابي ولا ينحاز لأحد مهما عظم نفوذه، ولا يغمط
الحقيقة حقها مهما كانت العواقب.
وربما لو عاش الجبرتي فترة أطول وشاهد الطور الأخير من حكم محمد
علي، لتغير موقفه منه، خاصة وأن الجبرتي توقف في كتابته عند عام
1236هـ/1821م، أي في وقت لم تكن فيه جهود محمد علي العمرانية
والحضارية قد اتضحت بعد.
ومن المعلوم أن محمد علي أوعز إلى بعض الموالين له بنقد كتاب الجبرتي
وتجريحه، فكتب الشيخ خليل الرجبي كتابا بعنوان: تاريخ الوزير محمد
علي باشا، عرض فيه لمآثر محمد علي وأشاد بأعماله، ورد على ما جاء
في كتابات الجبرتي بشأن محمد علي.
مقتل ابنه خليل وتوقفه عن الكتابة
وعلى أي حال، فإن موقف الجبرتي من محمد علي قد عرض حياته وحياة
أسرته للخطر، وجلب عليه الضرر البليغ؛ ففقد ابنه خليل الذي قتله جنود
محمد علي في شبرا بعد صلاة الفجر بأوامر من محمد بك الدفتردار
صهر محمد علي ثم ربطوه برجل حماره،ولما أصبح الصباح عرفه الناس
بما كان يحمله من دفاتر مكتوبة، وآلات لرصد النجوم والكواكب،
وأخذ الناس في تناقل الخبر.
ونتيجة لحزن الجبرتي على ابنه، فقد بصره، وترك الكتابة والتأليف، وظل
في داره منزويا حتى مات، يضاف إلى ذلك أن منزله بالصنادقية ومكتبته
الحافلة بذخائر المخطوطات قد أحرقا خشية أن يكون فيهما أوراق
أو كتابات معادية لمحمد علي .
ونتيجة لذلك نفر المصريون من كتابة تاريخهم الحديث حتى لا يقعوا تحت
طائلة اضطهاد أسرة محمد علي كما حدث للجبرتي، وكرهت أسرة محمد
علي أيضا أن يشتغل المصريون بدراسة تاريخهم، وخاصة أنهم كانوا
يريدون ألا يدوَّن من تاريخهم سوى ما يروقهم، وأن يكتب المؤرخ التاريخ
على الصورة التي ترضيهم ولا تغضبهم، من هنا ابتعد المصريون عن كتابة
تاريخ بلادهم السياسي وأخذ بعضهم -خصوصا الذين درسوا في أوربا-
في تنمية ميوله وثقافته عن طريق ترجمة بعض الكتب التي تغطي تاريخ
العالم منذ أقدم العصور أو التي تتطرق إلى الأمور الثقافية
والتربوية والأدبية.
الجبرتي وموقفه من محمد علي
على الرغم من كراهية عبد الرحمن الجبرتي للوالي محمد علي لما رآه من
ضروب العنف والاستبداد والقسوة التي وقعت في عهده، ووضْعه لأدوات
الإنتاج في يده، وقيامه بإلغاء الالتزام الذي أضير منه شخصيا، فقد كانت
كتاباته عنه في معظم الأحيان تتسم بالموضوعية، فأشاد بمحمد
علي في بعض المواقف وانتقده في مواقف أخرى.
مواقف إشادة الجبرتي بمحمد علي
وعن مواقف إشادة عبد الرحمن الجبرتي بمحمد علي نذكر أنه أشاد بفضله
في تعمير الإسكندرية ووصف ذلك العمل بأنه من محاسن الأفعال التي عجز
السابقون عن القيام بها، كما أشاد به عندما قام بتشجيع أبناء مصر
من النبهاء. فذكر أنه عندما ابتكر مصري يدعى حسين شلبي عجوة آلة
لضرب الأرز وتبييضه تدور بطريقة سهلة توفر على الناس جهدهم
وطاقاتهم، وعمل لها مثالا من الصفيح وقدمه لمحمد علي مصنعا
تستخدم فيه هذه الآلة التي اخترعها .
مواقف انتقاده لمحمد علي
أما عن مواقف انتقاده لمحمد علي، فعلى الرغم من أنه كان يعلم جيدا أن ذلك
سيسبب له المتاعب، وقد يعرض حياته وحياة أسرته للخطر، فإنه كان جريئا
وأمينا في اتهامه له، فذكر "أن من طبعه الحسد والشره والطمع والتطلع
لما في أيدي الناس وأرزاقهم" .
كما تعرض لموقف محمد علي من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
في الجزيرة العربية بالنقد، فأعرب عن تعاطفه مع رجالات الدعوة واقتناعه
بآرائهم، وأبدى تبرمه من قيام محمد علي بإثقال كاهل المصريين بالضرائب
لتدبير تكاليف الحملة، فقال: "وجعل على كل فدان ستة قروش وسبعة
وثمانية، وذكر أنها مساعدة على حروب الحجاز" .
كما ذكر أن جنود محمد علي كانوا يخطفون من الفلاحين "السمن والجبن
والتبن والبيض وغير ذلك" ، بحجة سفرهم إلى الحجاز لدرجة أن قل اللحم
والسمن والجبن، خاصة بعد أن استولى محمد علي على مواشي
الفلاحين وأغنامهم .
إنصاف الجبرتي المؤرخ
وإلى جانب ذلك، فإنه يمكن القول إن الجبرتي كان وسطا في بعض الأحيان
في حكمه على محمد علي، ومن ذلك قوله: "له مندوحة لم تكن لغيره من
ملوك هذه الأزمان، فلو وفقه الله لشيء من العدالة على ما فيه من العزم
والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة، لكان أعجوبة زمانه وفريد أوانه" .
وهكذا يتضح أن الجبرتي لم يتجن على محمد علي، بل كان منصفا
في عرضه لأعماله؛ فذكر ما له وما عليه، وهذه هي إحدى شيم المؤرخ
الحقيقي الذي لا يحابي ولا ينحاز لأحد مهما عظم نفوذه، ولا يغمط
الحقيقة حقها مهما كانت العواقب.
وربما لو عاش الجبرتي فترة أطول وشاهد الطور الأخير من حكم محمد
علي، لتغير موقفه منه، خاصة وأن الجبرتي توقف في كتابته عند عام
1236هـ/1821م، أي في وقت لم تكن فيه جهود محمد علي العمرانية
والحضارية قد اتضحت بعد.
ومن المعلوم أن محمد علي أوعز إلى بعض الموالين له بنقد كتاب الجبرتي
وتجريحه، فكتب الشيخ خليل الرجبي كتابا بعنوان: تاريخ الوزير محمد
علي باشا، عرض فيه لمآثر محمد علي وأشاد بأعماله، ورد على ما جاء
في كتابات الجبرتي بشأن محمد علي.
مقتل ابنه خليل وتوقفه عن الكتابة
وعلى أي حال، فإن موقف الجبرتي من محمد علي قد عرض حياته وحياة
أسرته للخطر، وجلب عليه الضرر البليغ؛ ففقد ابنه خليل الذي قتله جنود
محمد علي في شبرا بعد صلاة الفجر بأوامر من محمد بك الدفتردار
صهر محمد علي ثم ربطوه برجل حماره،ولما أصبح الصباح عرفه الناس
بما كان يحمله من دفاتر مكتوبة، وآلات لرصد النجوم والكواكب،
وأخذ الناس في تناقل الخبر.
ونتيجة لحزن الجبرتي على ابنه، فقد بصره، وترك الكتابة والتأليف، وظل
في داره منزويا حتى مات، يضاف إلى ذلك أن منزله بالصنادقية ومكتبته
الحافلة بذخائر المخطوطات قد أحرقا خشية أن يكون فيهما أوراق
أو كتابات معادية لمحمد علي .
ونتيجة لذلك نفر المصريون من كتابة تاريخهم الحديث حتى لا يقعوا تحت
طائلة اضطهاد أسرة محمد علي كما حدث للجبرتي، وكرهت أسرة محمد
علي أيضا أن يشتغل المصريون بدراسة تاريخهم، وخاصة أنهم كانوا
يريدون ألا يدوَّن من تاريخهم سوى ما يروقهم، وأن يكتب المؤرخ التاريخ
على الصورة التي ترضيهم ولا تغضبهم، من هنا ابتعد المصريون عن كتابة
تاريخ بلادهم السياسي وأخذ بعضهم -خصوصا الذين درسوا في أوربا-
في تنمية ميوله وثقافته عن طريق ترجمة بعض الكتب التي تغطي تاريخ
العالم منذ أقدم العصور أو التي تتطرق إلى الأمور الثقافية
والتربوية والأدبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق