لا تفرّق بين أبنائك وتورّث الحقد والكراهية بينهم..!
إعداد- سحر الرملاوي
ما في قلوبهم لا يمحوه الزمن حتى وإن بلغوا من الكبر عتياً
قد يتصرف باقي الإخوة بعدوانية مع الابن المفضّل.
التفرقة بين الأبناء سبب في عقوق الوالدين.
ردة فعل الطفل قد تصل به إلى البكاء.. والخوف.
المساواة بين الأبناء تقوي العلاقة بينهم.
التفرقة بين البنت والولد ظلم وقسوة وأنانية يتحملها الوالدان.
حرمان أحد الأخوين من حقوقه يترك أثراً سلبياً في نفسيته.
الغيرة بين الأبناء تحتاج إلى تعامل مثالي قائم على العدل والمساواة.
"أحب ولدي هذا أكثر".. عبارة قد لا نرى ما خلفها حين نسمعها
تخرج ببساطة من أفواه من حولنا، معبرين عن احساسهم تجاه أحد الأبناء،
ناسين تأثير ذلك على الطرف المعني بهذه المشاعر والأحاسيس،
حتى نحن تقريباً لا نكاد نلتفت إلى تأثير هذا الكلام،
وما يصاحبه من ردود فعل، ومع كل هذا قد لا يشعر الوالدان
بمقدار الجريمة التي يرتكبانها، والمستقبل الذي يتدخلان في خطوطه،
عبر تغيير شخصية أبنائهما، وتكوينهم النفسي،
من خلال تأثرهما بمشاعرهم وطرق التعبيرعنها،
غافلين عن أنّ العدل والمساواة هما سبب نشأة الأبناء بشكل سليم،
اجتماعياً ونفسياً، وهي من أسباب قوة الأسرة والمجتمع.
ولنا في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- درس أسري قيّم،
حيث ظن إخوة يوسف أنّ أباهم يفضله وأخاه الشقيق عليهم،
ويؤثرهما في المحبة، فاتفقوا أن يقتلوا يوسف، أو يلقوا به في أرض
مجهولة بعيداً عن أبيه؛ ليستريحوا منه، ويبقى لهم حب أبيهم وتفضيله،
وخلاصة القصة ما نراه في تلك الآيات، ويبقى أن يتعلمه الآباء
وهو أنّه ينبغي أن لا نظهر الحب أو الإيثار لأحد الأبناء على حساب الآخرين.
وتعدّ التفرقة بين الأبناء من الأسباب التي تؤدي إلى عقوق الوالدين،
وتولد الحقد والأنانية والكراهية في الأسرة، ومن ثم ينعكس ذلك على المجتمع،
حيث يحمل أبناء المجتمع سلوكيات منحرفة، وتؤدي بهم إلى الإنطوائية،
وهذا لا يتماشى مع أخلاق المجتمع، وإن كان الإنسان في بعض الأحيان
يميل إلى ابن بدرجة أكبر من الآخر، ولكن يجب أن لا يظهر هذا الميل،
إذ لابد من العدل بين الأبناء في المعاملة.
ويولد التمييز بين شخصين الحقد والكراهية، سواء داخل البيت أو في المدرسة،
فغالباً ما نجد مشاعر الغيرة بين الطلبة نتيجة تفضيل المدرسين
في كثير من الأحيان بعض الطلبة المتفوقين، ولهذا الأسلوب أضراره
على الفرد والأسرة، ومن المهم أن يحرص الآباء على تربية الأبناء على
أساس العدل دون التفرقة بينهم، حتى لا يشعر أحدهم بالغيرة تجاه الآخر،
ولكن في بعض الأحيان يكون الاهتمام بالطفل بصورة أكبر من المراهق
أو الشاب، كما أنّ للابن المريض عناية خاصة، وهو سلوك طبيعي جداً
نتيجة وضعه الصحي
شخصية حقودة
وقال د. سليمان بن علي العلي- مدرب ومستشار اطلاق القدرات وتطويرالذات
- أنّ التفرقة بين الأبناء من الأساليب التربوية الخاطئة،
التى تكون لها آثار وعواقب خطيرة على نفسية الأبناء،
منها: الحقد، والغيرة، والأنانية، وتولد أيضاً الكراهية بينهم،
وينتج عنها أبناء غير أسوياء، فيما تكون الصحة النفسية للأطفال
بالمساواة بينهم، بصرف النظر عن الجنس أو السن،
حيث إنّ التفرقة ينتج عنها شخصية حقودة.
وأضاف أنّ التفرقة بين الأبناء من المبادئ المرفوضة تربوياً،
والتى يقع فيها الوالدان ويكون لها العديد من السلبيات؛
مما يترتب عليها من تكوين شخصيات مملوءة بالغيرة،
فضلاً عما يتكون لدى الشخص المميز في الأسرة
والذي يحظى بالقسط الوفير من الاهتمام والامتيازات من أنانية،
ورغبة في الحصول على ما في يد الآخرين،
وكثرة الطلبات التي لا تنتهي مع عدم الاكتراث بالآخرين
أو مراعاة مشاعرهم.
البنت والولد
وأشار "د.العلي" إلى أنّ من مظاهر التفرقة ما يحدث في الأوساط الشعبية
من خدمة البنت لأخيها أو أسرتها، وإعطاء الولد حق الأمر والنهي والطلب،
وفي بعض الأسر يتميز الطفل الأكبر عن الأصغر أو العكس بحق الرعاية،
لافتاً إلى أنّ التفرقة بين الأخوة تعد من أخطر الأساليب التربوية السلبية
التى تؤثر على شخصية الأطفال، والتي تؤدي إلي نثر بذور الكراهية بينهم
والإحساس بعدم الثقة بالذات، وهي المشاعر التي تؤدي في النهاية
إلي نشوء طفل غير سوي، فالآباء قد يفضلون طفلاً على الآخر لذكائه أو
لجماله أو لحسن خلقه، فيزرع ذلك إحساساً بالغيرة لدى الشقيق الآخر،
ويتولد لديه سلوك عدواني تجاه شقيقه المفضل،
منوهاً بأنّ المساواة تنمى قدرات الطفل، حيث إنّ عدم التفرقة
يساعد على تنمية قدرة الطفل على مواجهة مشكلات الحياة بصورة أفضل،
وتقويمها بواقعية، كذلك تقبله لذاته فتنمو قدراته الخاصة
وتتولد لديه الثقة بالنفس، وفيمن حوله وتساعده على الاستقلالية
في التفكير والسلوك القويم، وحب الاستطلاع، والرغبة في الإنجاز،
واكتساب الخبرات، والبحث عنها بصورة ايجابية.
وقال إنّ هذه ظاهرة تسود بعض البيوت، ومن مظاهرها أن تميل كفة التفضيل
نحو أحد الأبناء أو تستند أساليب المعاملة على تمييز بين الجنسين،
متسائلاً عن الأسباب المؤدية لهذه المعاملة والنتائج المترتبة على التفرقة
بين أفراد أنجبهم رحم واحد؟، وإلى أي حد يمكن أن يصل تأثير
مثل هذا السلوك على نفسية الطفل؟، وانعكاسه مستقبلاً على شخصيته،
ورؤيته للأسرة والمجتمع وأسلوب تعامله معهما.
تحمل المسؤولية
ولفت "د. العلي" إلى أنّ المستوى العلمي للوالدين من أسباب التفرقة في
المعاملة بين الأبناء، إلى جانب العادات والتقاليد في بعض الأحيان،
حيث يظن الأب أنّ الولد قادر على مواجهة الحياة وتحمل المسؤولية،
فيكون هناك اهتمام به بصورة أكبر، وفي الواقع نجد العكس
فالأم تتحمل المسؤولية وتواجه في كثير من الأحيان مصاعب الحياة،
وتشارك الرجل في الحياة ولها دور كبير في جميع المجالات،
مبيّناً أنّ لدرجة الوعي دورٌ في هذا المجال، فإذا كانت الأسرة ذات وعي بالعدل
وإنصاف فلا تميز ابناً على آخر، حيث اعترف البعض بوجود التفرقة في حين
أنكرها آخرون أو أرجعوها إلى سلوك الأبناء، الذي يجعل الوالدين يميلان
إلى ابن أكثر من الآخر.
اهتمام لا إرادي
وأوضح "م" أن الأسرة ممثلة في الوالدين تهدف إلى تحقيق التربية الصالحة
للأبناء بأسلوب واحد، وإعطاء الأبناء قدراً من الاهتمام بشكل متساوٍ بين جميع
الأبناء بغض النظر عن الجنس، ولكن الأبناء هم السبب في التفرقة
التي ربما تحدث في نطاق الأسرة، فالأم تميل إلى الابن الذي يحترمها ويطيعها
في كافة الأمور وبشكل أكبر من إخوته، والأب كذلك يفضل بشكل لا إرادي
الابن الذي يسير على خطى والده، ولكن هذه التفرقة لا تصل إلى
الحدود غير المعقولة؛ لأنّ نتائجها سلبية للغاية لذا أعتقد
أنّ الابن هو من يحدد طريقة معاملة الوالدين والمجتمع له".
المساواة والعدل
ونوّه "ف" إلى أنّه يحرص قدر الإمكان على المساواة بين الأبناء في
المعاملةالحياتية، حيث لا يفضل بين الذكور والإناث، ولا بين الذكور والذكور
أو الإناث والإناث، وأنّه يحاول قدر الإمكان أن يسير على درب المساواة والعدل،
مضيفاً: "قد تحدث التفرقة في بعض الأحيان بصورة تلقائية أو لاإرادية
وسرعان ما تحاول الأسرة تقويم الاعوجاج، وهناك فرق كبير بين شخصية
الطفل أو الشاب الذي يعيش تحت وطأة التفرقة وبين الإنسان الذي يتلمس
العدل في كافة جوانب حياته".
د.الجوهرة: تأثير التفرقة النفسي يلازم الطفل طوال حياته
قالت "د.الجوهرة بنت إبراهيم الصقيه" -
أستاذ علم النفس المساعد بجامعة الأميرة نورة -:
تعدّ التفرقة في معاملة الأبناء من أكثر المشاكل التي
تؤثر سلباً في صحة الطفل النفسية، والتي قد تلازمه طوال حياته،
وعلى الآباء أن يعوا بأنّ محبة طفل أكثر من الآخر والإفراط في تدليله،
وإظهار العواطف بشكل ملاحظ قد تفرز نتائج سلبية وخيمة على الطرفين،
حيث تظهر وتنمو مشاعر الحقد والكراهية في الأسرة الواحدة،
خاصة بين الإخوة، والتي تمتد نتائجها المدمرة على المدى البعيد
لصحة الطفل النفسية، وقد تمتد معه هذه المشاعر وتعلق بذاكرته
لتصل إلى مراحل ما بعد الطفولة".
وأضافت: "قد يمارس الآباء دون قصد منهم هذا الأسلوب المتطرف والخاطئ
في معاملة الأبناء؛ ما يترك آثاراً عميقة في نفوسهم،
فيصبحون على المدى البعيد آباء يعيدون نفس الكرة على أبنائهم،
ويشعر الطفل بالغبن والكراهية والانطواء والعدوانية،
وتمتد هذه الآثار السلبية للطفل المفضل حيث تبرز عنده مشاعر الأنانية
وحب الذات والتسلط والاعتماد على الآخرين،
وهؤلاء الأطفال معرضون أكثر من غيرهم للانخراط في العادات السيئة
عند بلوغهم فترة المراهقة، مثل التدخين أو شرب الكحول أو إدمان المخدرات،
ويمكن أن يتورطوا في نشاطات إجرامية مثل السرقة،
وفي بعض الأحيان يحاولون الانتحار".
وأشارت إلى أنّه قد يضطر الآباء إلى الاهتمام بطفل أكثر من الآخر
لأسباب مختلفة، مثل عمره أو جنسه كونه ذكراً بين إناث أو العكس،
فيما قد يخطئ بعض الآباء عندما يفضل الطفل المعوق أو المريض
على باقي إخوته؛ ما يؤثر في باقي الأبناء وعلى الطفل نفسه،
حيث يشعر بأنّه لم يميز عن اخوته إلاّ بسبب اعاقته وعجزه؛
ما يولد لديه الشعور بالنقص وفقدان الثقة بالنفس.
وقالت: "تتناول الكثير من الدراسات النفسية الآثار المدمرة لهذه الظاهرة،
حيث أشارت احدى الدراسات إلى أنّ معاملة أحد الأطفال بشكل سلبي وتمييز
طفل عن آخر لا ينعكس بالسلب على الطفل الذي يعامل بشكل سيئ فقط،
ولكن تمتد آثاره حتى بقية الأطفال في العائلة، وذلك أن الطفل أو الابن
الذي يحظى بالتمييز والتدليل يمكن أن يشعر هو الآخر بالذنب
نتيجة هذه المعاملة غير العادلة، وقد تسبب الاضطراب في السلوك
للاعتراض على مثل هذه المعاملة، وبالتالي إرسال رسالة لا شعورية
إلى بقية الإخوة أنّه لم يشارك في التفرقة بينهم"، مطالبةً الآباء
والأمهات أن يؤمنوا بأنّ لكل طفل شخصية تختلف عن الآخر،
وليس بالضرورة أن يكون الإخوة متشابهي الطباع،
وأنّ اختلاف الشخصية لا يجب أن يترتب عليه تمييز في المعاملة..
د.الخشمي: الحل في العدل والمساواة
بيّنت "د.سارة صالح الخشمي" - أستاذ التخطيط الاجتماعي المشارك
بجامعة الأميرة نورة - أنّ من أسباب التفرقة بين الأبناء في المعاملة
ما يمكن عزوه إلى خلفيات نفسية لدى أحد الوالدين، حيث قد ينفر
من أحد أبنائه لتشابهه مع شخص يكرهه، أو لولادته في ظروف
تزامنت مع حادثة سيئة، والعكس صحيح.
وقالت: "قد تتسبب ظروف الطفل النفسية أو الصحية في نفور
أو قبول والديه له، فقد يكون مزعجاً كثير الطلبات، لحوحاً، متعباً، مريضاً،
يتطلب نفقات باهظة فوق طاقة الاسرة، فيولد كل هذا شعوراً بالرفض له
ينعكس على المشاعر والمعاملة، وفي المقابل هناك طفل آخر هادىء مهذب
غير متطلب لطيف محبوب لا يستطيع الوالدان كتمان مشاعرهما المقبلة
إزاءه مقارنةً باخيه، مؤكّدة على أنّ التفرقة لا تأتي من فراغ،
وإنّما لها مسببات وعوامل اجتماعية ونفسية،
أو حتى متعلقة بشخصية الصغار، ومرتبطة بدرجة قبولهم وتقبلهم".
وأضافت: "مع كل هذه المسببات والعوامل المؤدية للتفرقة في
المعاملة بين الصغار فإنّ العدالة يبقى مطلباً لا يمكن الحياد عنه في تربيتهم،
والعدالة تكمن في مراعاة احتياجات الأبناء كلهم، كلٌ حسب حاجاته، وسنه،
ووضعه، من دون تفريق، مع المساواة في اظهار المشاعر، حيث يتطلب حنكة،
ورحمة، وتعاطفاً، وتعاوناً بين الأبوين؛ لخلق بيئة عادلة ينعم فيها
الأبناء بمحبة لا تفرق بين الأخوة".
وأشارت إلى أهمية أن يسمع الأباء إلى من ينبههم بالتفريق في المعاملة،
بمعنى أن من هم حولنا يلاحظون أكثر كيفية معاملة صغارنا،
وقد ينبهوننا إلى ما لم نفطن إليه، ولابد من الاستماع، ومراقبة الذات،
ومساءلة النفس بحيث يسأل الوالد نفسه: لماذا أعطيت هذا أكثر من غيره؟
ولماذا خاصمت هذا بجرم ولم أخاصم عليه الآخر؟.
د.نورة: التفرقة بين الأبناء والبنات مؤسفة..و«ظلم» نحصد تبعاته مستقبلاً
قالت "د.نورة عبدالله الحساوي" -أستاذ الحديث وعلومه المساعد
بجامعة الأميرة نورة-: "جمع الدين الإسلامي في الأحكام المتعلقة
بالنساء والرجال بين التمايز والمساواة، فهناك أحكام تختلف فيها
النساء عن الرجال، وهناك أحكام أخرى يتساوون فيها،
ومنها: حق التربية والرعاية قبل البلوغ، فلابد أن يساوي الوالدان بين
أولادهم ذكوراً وإناثاً في المعاملة الكريمة والتربية والاهتمام،
وفي العطايا المادية، بل تتفوق البنت على الابن في ذلك،
حيث وضّح النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ الإحسان إلى البنات يترتب عليه
النجاة في الآخرة، ولم يرتب ذلك الأجر على تربية الأبناء،
وقال - صلى الله عليه وسلم-:
( من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار )
-متفق عليه-؛
مما يدل على وجوب الاهتمام بالبنات وعدم إهمالهن
والتفريق بينهن وإخوانهن".
وأضافت أنّ الابن بعد البلوغ مسؤول عن نفسه،
وللوالد أن يتوقف عن الإنفاق عليه -إذا كان يستطيع العمل-،
وله أن يدفعه إلى العمل، أما البنت فالأب مسؤول عنها
وليس له أن يدفعها إلى العمل، بخلاف ما إذا اختارت هي ذلك،
وهذا من الأحكام التي تتمايز فيها المرأة عن الرجل في الأحكام الشرعية،
مبيّنةً أنّ هذا التمايز بين الإخوة في أحكام الإسلام قليلٌ ونادر،
ولا نكاد نجد حكماً يختلف فيه الأبناء على البنات فيما يخص
تعامل والديهم معهم باستثناء أحكام النفقة والإرث،
وفي أحكام النفقة يكون نصيب البنت أكبر من نصيب الإبن؛
لأنّ والدها ينفق عليها طول حياتها إذا لم يكن لديها مال بعكس الابن،
وفي أحكام الإرث يحصل العكس فيكون نصيب الابن أكثر من نصيب الإبنة،
موضحةً أنّ هذا الاختلاف في الواقع يشعرنا في الجملة بنوع من العدل
والمساواة، فكأنّ محصلة ما يأخذه كل واحد تساوي نوعا ما ما يأخذه الآخر.
وأشارت إلى أنّه لا يجوز للوالدين أو أحدهما أن يخص أحد أولادهم
بعطية دون الآخرين، فعن النعمان بن بشير أنّ أمه بنت رواحة سألت أباه
بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ثم بدا له، فقالت: لا أرضى
حتى تشهدرسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما وهبت لابني،
فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام
فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله إن أم هذا
بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
( يا بشير ألك ولد سوى هذا؟،
قال: نعم،
فقال صلى الله عليه وسلم-: أكلهم وهبت له مثل هذا ؟،
قال: لا
فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا تشهدني على جور )
متفق عليه-.
وأضافت: "الصلة التي تربط البنت بوالديها هي الصلة ذاتها
التي تربط الولد بوالديه، ولذا نجد أنّ القرآن الكريم والسنة النبوية
لا يخلوان من انتقاد من يفرق بينهما، جاعلاً البنت في منزلة أقل من أخيها،
فقد قال تعالى:
{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ }
وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت فاطمة ابنته عليه قام لها مرحباً،
وقبل بين عينيها، وأجلسها قريباً منه، وكانت تفعل مثل ذلك له إذا زارها،
وفي ذلك أجمل الأمثلة على حنان الأبوة وعظيم الاهتمام والإكرام.
وأشارت إلى أنّ المتأمل لمجتمعنا اليوم يجد أنّ تلك الصورة الدينية
الجميلة لعلاقة الوالدين بأبنائهما قد تأثرت لدى بعض العائلات بعادات ذميمة،
تجعل من التفرقة بين الأبناء والبنات أمراً مشاهداً وملحوظاً،
وربما ظهر ذلك على صورة الاحتقار والانتقاص للبنات،
وحرمانهن بعضاً من حقوقهن،
وفي المقابل يعطى الأبناء من المكانة والمنزلة ما يغريهم بالظلم لإخواتهم،
ويظهر ذلك واضحاً في قضية الإرث على سبيل المثال
فقد تحرم البنت من نصيبها في الإرث الذي كتبه الله لها؛
لأنّها متزوجة أو قد تتزوج من رجل من خارج العائلة!،
فيحرمونها من ميراثها ويعطونه لأخيها،
حفاظاً على المال ليبقى داخل العائلة، متناسين في ذلك شرع الله.
إعداد- سحر الرملاوي
ما في قلوبهم لا يمحوه الزمن حتى وإن بلغوا من الكبر عتياً
قد يتصرف باقي الإخوة بعدوانية مع الابن المفضّل.
التفرقة بين الأبناء سبب في عقوق الوالدين.
ردة فعل الطفل قد تصل به إلى البكاء.. والخوف.
المساواة بين الأبناء تقوي العلاقة بينهم.
التفرقة بين البنت والولد ظلم وقسوة وأنانية يتحملها الوالدان.
حرمان أحد الأخوين من حقوقه يترك أثراً سلبياً في نفسيته.
الغيرة بين الأبناء تحتاج إلى تعامل مثالي قائم على العدل والمساواة.
"أحب ولدي هذا أكثر".. عبارة قد لا نرى ما خلفها حين نسمعها
تخرج ببساطة من أفواه من حولنا، معبرين عن احساسهم تجاه أحد الأبناء،
ناسين تأثير ذلك على الطرف المعني بهذه المشاعر والأحاسيس،
حتى نحن تقريباً لا نكاد نلتفت إلى تأثير هذا الكلام،
وما يصاحبه من ردود فعل، ومع كل هذا قد لا يشعر الوالدان
بمقدار الجريمة التي يرتكبانها، والمستقبل الذي يتدخلان في خطوطه،
عبر تغيير شخصية أبنائهما، وتكوينهم النفسي،
من خلال تأثرهما بمشاعرهم وطرق التعبيرعنها،
غافلين عن أنّ العدل والمساواة هما سبب نشأة الأبناء بشكل سليم،
اجتماعياً ونفسياً، وهي من أسباب قوة الأسرة والمجتمع.
ولنا في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- درس أسري قيّم،
حيث ظن إخوة يوسف أنّ أباهم يفضله وأخاه الشقيق عليهم،
ويؤثرهما في المحبة، فاتفقوا أن يقتلوا يوسف، أو يلقوا به في أرض
مجهولة بعيداً عن أبيه؛ ليستريحوا منه، ويبقى لهم حب أبيهم وتفضيله،
وخلاصة القصة ما نراه في تلك الآيات، ويبقى أن يتعلمه الآباء
وهو أنّه ينبغي أن لا نظهر الحب أو الإيثار لأحد الأبناء على حساب الآخرين.
وتعدّ التفرقة بين الأبناء من الأسباب التي تؤدي إلى عقوق الوالدين،
وتولد الحقد والأنانية والكراهية في الأسرة، ومن ثم ينعكس ذلك على المجتمع،
حيث يحمل أبناء المجتمع سلوكيات منحرفة، وتؤدي بهم إلى الإنطوائية،
وهذا لا يتماشى مع أخلاق المجتمع، وإن كان الإنسان في بعض الأحيان
يميل إلى ابن بدرجة أكبر من الآخر، ولكن يجب أن لا يظهر هذا الميل،
إذ لابد من العدل بين الأبناء في المعاملة.
ويولد التمييز بين شخصين الحقد والكراهية، سواء داخل البيت أو في المدرسة،
فغالباً ما نجد مشاعر الغيرة بين الطلبة نتيجة تفضيل المدرسين
في كثير من الأحيان بعض الطلبة المتفوقين، ولهذا الأسلوب أضراره
على الفرد والأسرة، ومن المهم أن يحرص الآباء على تربية الأبناء على
أساس العدل دون التفرقة بينهم، حتى لا يشعر أحدهم بالغيرة تجاه الآخر،
ولكن في بعض الأحيان يكون الاهتمام بالطفل بصورة أكبر من المراهق
أو الشاب، كما أنّ للابن المريض عناية خاصة، وهو سلوك طبيعي جداً
نتيجة وضعه الصحي
شخصية حقودة
وقال د. سليمان بن علي العلي- مدرب ومستشار اطلاق القدرات وتطويرالذات
- أنّ التفرقة بين الأبناء من الأساليب التربوية الخاطئة،
التى تكون لها آثار وعواقب خطيرة على نفسية الأبناء،
منها: الحقد، والغيرة، والأنانية، وتولد أيضاً الكراهية بينهم،
وينتج عنها أبناء غير أسوياء، فيما تكون الصحة النفسية للأطفال
بالمساواة بينهم، بصرف النظر عن الجنس أو السن،
حيث إنّ التفرقة ينتج عنها شخصية حقودة.
وأضاف أنّ التفرقة بين الأبناء من المبادئ المرفوضة تربوياً،
والتى يقع فيها الوالدان ويكون لها العديد من السلبيات؛
مما يترتب عليها من تكوين شخصيات مملوءة بالغيرة،
فضلاً عما يتكون لدى الشخص المميز في الأسرة
والذي يحظى بالقسط الوفير من الاهتمام والامتيازات من أنانية،
ورغبة في الحصول على ما في يد الآخرين،
وكثرة الطلبات التي لا تنتهي مع عدم الاكتراث بالآخرين
أو مراعاة مشاعرهم.
البنت والولد
وأشار "د.العلي" إلى أنّ من مظاهر التفرقة ما يحدث في الأوساط الشعبية
من خدمة البنت لأخيها أو أسرتها، وإعطاء الولد حق الأمر والنهي والطلب،
وفي بعض الأسر يتميز الطفل الأكبر عن الأصغر أو العكس بحق الرعاية،
لافتاً إلى أنّ التفرقة بين الأخوة تعد من أخطر الأساليب التربوية السلبية
التى تؤثر على شخصية الأطفال، والتي تؤدي إلي نثر بذور الكراهية بينهم
والإحساس بعدم الثقة بالذات، وهي المشاعر التي تؤدي في النهاية
إلي نشوء طفل غير سوي، فالآباء قد يفضلون طفلاً على الآخر لذكائه أو
لجماله أو لحسن خلقه، فيزرع ذلك إحساساً بالغيرة لدى الشقيق الآخر،
ويتولد لديه سلوك عدواني تجاه شقيقه المفضل،
منوهاً بأنّ المساواة تنمى قدرات الطفل، حيث إنّ عدم التفرقة
يساعد على تنمية قدرة الطفل على مواجهة مشكلات الحياة بصورة أفضل،
وتقويمها بواقعية، كذلك تقبله لذاته فتنمو قدراته الخاصة
وتتولد لديه الثقة بالنفس، وفيمن حوله وتساعده على الاستقلالية
في التفكير والسلوك القويم، وحب الاستطلاع، والرغبة في الإنجاز،
واكتساب الخبرات، والبحث عنها بصورة ايجابية.
وقال إنّ هذه ظاهرة تسود بعض البيوت، ومن مظاهرها أن تميل كفة التفضيل
نحو أحد الأبناء أو تستند أساليب المعاملة على تمييز بين الجنسين،
متسائلاً عن الأسباب المؤدية لهذه المعاملة والنتائج المترتبة على التفرقة
بين أفراد أنجبهم رحم واحد؟، وإلى أي حد يمكن أن يصل تأثير
مثل هذا السلوك على نفسية الطفل؟، وانعكاسه مستقبلاً على شخصيته،
ورؤيته للأسرة والمجتمع وأسلوب تعامله معهما.
تحمل المسؤولية
ولفت "د. العلي" إلى أنّ المستوى العلمي للوالدين من أسباب التفرقة في
المعاملة بين الأبناء، إلى جانب العادات والتقاليد في بعض الأحيان،
حيث يظن الأب أنّ الولد قادر على مواجهة الحياة وتحمل المسؤولية،
فيكون هناك اهتمام به بصورة أكبر، وفي الواقع نجد العكس
فالأم تتحمل المسؤولية وتواجه في كثير من الأحيان مصاعب الحياة،
وتشارك الرجل في الحياة ولها دور كبير في جميع المجالات،
مبيّناً أنّ لدرجة الوعي دورٌ في هذا المجال، فإذا كانت الأسرة ذات وعي بالعدل
وإنصاف فلا تميز ابناً على آخر، حيث اعترف البعض بوجود التفرقة في حين
أنكرها آخرون أو أرجعوها إلى سلوك الأبناء، الذي يجعل الوالدين يميلان
إلى ابن أكثر من الآخر.
اهتمام لا إرادي
وأوضح "م" أن الأسرة ممثلة في الوالدين تهدف إلى تحقيق التربية الصالحة
للأبناء بأسلوب واحد، وإعطاء الأبناء قدراً من الاهتمام بشكل متساوٍ بين جميع
الأبناء بغض النظر عن الجنس، ولكن الأبناء هم السبب في التفرقة
التي ربما تحدث في نطاق الأسرة، فالأم تميل إلى الابن الذي يحترمها ويطيعها
في كافة الأمور وبشكل أكبر من إخوته، والأب كذلك يفضل بشكل لا إرادي
الابن الذي يسير على خطى والده، ولكن هذه التفرقة لا تصل إلى
الحدود غير المعقولة؛ لأنّ نتائجها سلبية للغاية لذا أعتقد
أنّ الابن هو من يحدد طريقة معاملة الوالدين والمجتمع له".
المساواة والعدل
ونوّه "ف" إلى أنّه يحرص قدر الإمكان على المساواة بين الأبناء في
المعاملةالحياتية، حيث لا يفضل بين الذكور والإناث، ولا بين الذكور والذكور
أو الإناث والإناث، وأنّه يحاول قدر الإمكان أن يسير على درب المساواة والعدل،
مضيفاً: "قد تحدث التفرقة في بعض الأحيان بصورة تلقائية أو لاإرادية
وسرعان ما تحاول الأسرة تقويم الاعوجاج، وهناك فرق كبير بين شخصية
الطفل أو الشاب الذي يعيش تحت وطأة التفرقة وبين الإنسان الذي يتلمس
العدل في كافة جوانب حياته".
د.الجوهرة: تأثير التفرقة النفسي يلازم الطفل طوال حياته
قالت "د.الجوهرة بنت إبراهيم الصقيه" -
أستاذ علم النفس المساعد بجامعة الأميرة نورة -:
تعدّ التفرقة في معاملة الأبناء من أكثر المشاكل التي
تؤثر سلباً في صحة الطفل النفسية، والتي قد تلازمه طوال حياته،
وعلى الآباء أن يعوا بأنّ محبة طفل أكثر من الآخر والإفراط في تدليله،
وإظهار العواطف بشكل ملاحظ قد تفرز نتائج سلبية وخيمة على الطرفين،
حيث تظهر وتنمو مشاعر الحقد والكراهية في الأسرة الواحدة،
خاصة بين الإخوة، والتي تمتد نتائجها المدمرة على المدى البعيد
لصحة الطفل النفسية، وقد تمتد معه هذه المشاعر وتعلق بذاكرته
لتصل إلى مراحل ما بعد الطفولة".
وأضافت: "قد يمارس الآباء دون قصد منهم هذا الأسلوب المتطرف والخاطئ
في معاملة الأبناء؛ ما يترك آثاراً عميقة في نفوسهم،
فيصبحون على المدى البعيد آباء يعيدون نفس الكرة على أبنائهم،
ويشعر الطفل بالغبن والكراهية والانطواء والعدوانية،
وتمتد هذه الآثار السلبية للطفل المفضل حيث تبرز عنده مشاعر الأنانية
وحب الذات والتسلط والاعتماد على الآخرين،
وهؤلاء الأطفال معرضون أكثر من غيرهم للانخراط في العادات السيئة
عند بلوغهم فترة المراهقة، مثل التدخين أو شرب الكحول أو إدمان المخدرات،
ويمكن أن يتورطوا في نشاطات إجرامية مثل السرقة،
وفي بعض الأحيان يحاولون الانتحار".
وأشارت إلى أنّه قد يضطر الآباء إلى الاهتمام بطفل أكثر من الآخر
لأسباب مختلفة، مثل عمره أو جنسه كونه ذكراً بين إناث أو العكس،
فيما قد يخطئ بعض الآباء عندما يفضل الطفل المعوق أو المريض
على باقي إخوته؛ ما يؤثر في باقي الأبناء وعلى الطفل نفسه،
حيث يشعر بأنّه لم يميز عن اخوته إلاّ بسبب اعاقته وعجزه؛
ما يولد لديه الشعور بالنقص وفقدان الثقة بالنفس.
وقالت: "تتناول الكثير من الدراسات النفسية الآثار المدمرة لهذه الظاهرة،
حيث أشارت احدى الدراسات إلى أنّ معاملة أحد الأطفال بشكل سلبي وتمييز
طفل عن آخر لا ينعكس بالسلب على الطفل الذي يعامل بشكل سيئ فقط،
ولكن تمتد آثاره حتى بقية الأطفال في العائلة، وذلك أن الطفل أو الابن
الذي يحظى بالتمييز والتدليل يمكن أن يشعر هو الآخر بالذنب
نتيجة هذه المعاملة غير العادلة، وقد تسبب الاضطراب في السلوك
للاعتراض على مثل هذه المعاملة، وبالتالي إرسال رسالة لا شعورية
إلى بقية الإخوة أنّه لم يشارك في التفرقة بينهم"، مطالبةً الآباء
والأمهات أن يؤمنوا بأنّ لكل طفل شخصية تختلف عن الآخر،
وليس بالضرورة أن يكون الإخوة متشابهي الطباع،
وأنّ اختلاف الشخصية لا يجب أن يترتب عليه تمييز في المعاملة..
د.الخشمي: الحل في العدل والمساواة
بيّنت "د.سارة صالح الخشمي" - أستاذ التخطيط الاجتماعي المشارك
بجامعة الأميرة نورة - أنّ من أسباب التفرقة بين الأبناء في المعاملة
ما يمكن عزوه إلى خلفيات نفسية لدى أحد الوالدين، حيث قد ينفر
من أحد أبنائه لتشابهه مع شخص يكرهه، أو لولادته في ظروف
تزامنت مع حادثة سيئة، والعكس صحيح.
وقالت: "قد تتسبب ظروف الطفل النفسية أو الصحية في نفور
أو قبول والديه له، فقد يكون مزعجاً كثير الطلبات، لحوحاً، متعباً، مريضاً،
يتطلب نفقات باهظة فوق طاقة الاسرة، فيولد كل هذا شعوراً بالرفض له
ينعكس على المشاعر والمعاملة، وفي المقابل هناك طفل آخر هادىء مهذب
غير متطلب لطيف محبوب لا يستطيع الوالدان كتمان مشاعرهما المقبلة
إزاءه مقارنةً باخيه، مؤكّدة على أنّ التفرقة لا تأتي من فراغ،
وإنّما لها مسببات وعوامل اجتماعية ونفسية،
أو حتى متعلقة بشخصية الصغار، ومرتبطة بدرجة قبولهم وتقبلهم".
وأضافت: "مع كل هذه المسببات والعوامل المؤدية للتفرقة في
المعاملة بين الصغار فإنّ العدالة يبقى مطلباً لا يمكن الحياد عنه في تربيتهم،
والعدالة تكمن في مراعاة احتياجات الأبناء كلهم، كلٌ حسب حاجاته، وسنه،
ووضعه، من دون تفريق، مع المساواة في اظهار المشاعر، حيث يتطلب حنكة،
ورحمة، وتعاطفاً، وتعاوناً بين الأبوين؛ لخلق بيئة عادلة ينعم فيها
الأبناء بمحبة لا تفرق بين الأخوة".
وأشارت إلى أهمية أن يسمع الأباء إلى من ينبههم بالتفريق في المعاملة،
بمعنى أن من هم حولنا يلاحظون أكثر كيفية معاملة صغارنا،
وقد ينبهوننا إلى ما لم نفطن إليه، ولابد من الاستماع، ومراقبة الذات،
ومساءلة النفس بحيث يسأل الوالد نفسه: لماذا أعطيت هذا أكثر من غيره؟
ولماذا خاصمت هذا بجرم ولم أخاصم عليه الآخر؟.
د.نورة: التفرقة بين الأبناء والبنات مؤسفة..و«ظلم» نحصد تبعاته مستقبلاً
قالت "د.نورة عبدالله الحساوي" -أستاذ الحديث وعلومه المساعد
بجامعة الأميرة نورة-: "جمع الدين الإسلامي في الأحكام المتعلقة
بالنساء والرجال بين التمايز والمساواة، فهناك أحكام تختلف فيها
النساء عن الرجال، وهناك أحكام أخرى يتساوون فيها،
ومنها: حق التربية والرعاية قبل البلوغ، فلابد أن يساوي الوالدان بين
أولادهم ذكوراً وإناثاً في المعاملة الكريمة والتربية والاهتمام،
وفي العطايا المادية، بل تتفوق البنت على الابن في ذلك،
حيث وضّح النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ الإحسان إلى البنات يترتب عليه
النجاة في الآخرة، ولم يرتب ذلك الأجر على تربية الأبناء،
وقال - صلى الله عليه وسلم-:
( من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار )
-متفق عليه-؛
مما يدل على وجوب الاهتمام بالبنات وعدم إهمالهن
والتفريق بينهن وإخوانهن".
وأضافت أنّ الابن بعد البلوغ مسؤول عن نفسه،
وللوالد أن يتوقف عن الإنفاق عليه -إذا كان يستطيع العمل-،
وله أن يدفعه إلى العمل، أما البنت فالأب مسؤول عنها
وليس له أن يدفعها إلى العمل، بخلاف ما إذا اختارت هي ذلك،
وهذا من الأحكام التي تتمايز فيها المرأة عن الرجل في الأحكام الشرعية،
مبيّنةً أنّ هذا التمايز بين الإخوة في أحكام الإسلام قليلٌ ونادر،
ولا نكاد نجد حكماً يختلف فيه الأبناء على البنات فيما يخص
تعامل والديهم معهم باستثناء أحكام النفقة والإرث،
وفي أحكام النفقة يكون نصيب البنت أكبر من نصيب الإبن؛
لأنّ والدها ينفق عليها طول حياتها إذا لم يكن لديها مال بعكس الابن،
وفي أحكام الإرث يحصل العكس فيكون نصيب الابن أكثر من نصيب الإبنة،
موضحةً أنّ هذا الاختلاف في الواقع يشعرنا في الجملة بنوع من العدل
والمساواة، فكأنّ محصلة ما يأخذه كل واحد تساوي نوعا ما ما يأخذه الآخر.
وأشارت إلى أنّه لا يجوز للوالدين أو أحدهما أن يخص أحد أولادهم
بعطية دون الآخرين، فعن النعمان بن بشير أنّ أمه بنت رواحة سألت أباه
بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ثم بدا له، فقالت: لا أرضى
حتى تشهدرسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما وهبت لابني،
فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام
فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله إن أم هذا
بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
( يا بشير ألك ولد سوى هذا؟،
قال: نعم،
فقال صلى الله عليه وسلم-: أكلهم وهبت له مثل هذا ؟،
قال: لا
فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا تشهدني على جور )
متفق عليه-.
وأضافت: "الصلة التي تربط البنت بوالديها هي الصلة ذاتها
التي تربط الولد بوالديه، ولذا نجد أنّ القرآن الكريم والسنة النبوية
لا يخلوان من انتقاد من يفرق بينهما، جاعلاً البنت في منزلة أقل من أخيها،
فقد قال تعالى:
{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ }
وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت فاطمة ابنته عليه قام لها مرحباً،
وقبل بين عينيها، وأجلسها قريباً منه، وكانت تفعل مثل ذلك له إذا زارها،
وفي ذلك أجمل الأمثلة على حنان الأبوة وعظيم الاهتمام والإكرام.
وأشارت إلى أنّ المتأمل لمجتمعنا اليوم يجد أنّ تلك الصورة الدينية
الجميلة لعلاقة الوالدين بأبنائهما قد تأثرت لدى بعض العائلات بعادات ذميمة،
تجعل من التفرقة بين الأبناء والبنات أمراً مشاهداً وملحوظاً،
وربما ظهر ذلك على صورة الاحتقار والانتقاص للبنات،
وحرمانهن بعضاً من حقوقهن،
وفي المقابل يعطى الأبناء من المكانة والمنزلة ما يغريهم بالظلم لإخواتهم،
ويظهر ذلك واضحاً في قضية الإرث على سبيل المثال
فقد تحرم البنت من نصيبها في الإرث الذي كتبه الله لها؛
لأنّها متزوجة أو قد تتزوج من رجل من خارج العائلة!،
فيحرمونها من ميراثها ويعطونه لأخيها،
حفاظاً على المال ليبقى داخل العائلة، متناسين في ذلك شرع الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق