عبدالله
بن عمرو بن حرام الأنصارى وهو أحد النقباء الذين اختارهم الرسول صلى الله
عليه وسلم ليلة بيعة العقبة الثانية فقد جعله نقيبًا على قومه بنى سلمة
ولما عاد النقباء إلى المدينة وضع عبد الله -أبو جابر-نفسه وأهله وماله فى
خدمة الدين
ولما
تمت الهجرة النبوية إلى المدينة جند نفسه لصحبة الرسول صلوات الله وسلامة
عليه وما أن شرع بالجهاد حتى كان -أبو جابر- فى طليعة المجاهدين بما يملكون
يرجعون ثواب الله والدار الآخرة ويوم أحد كان قد ألقى الله فى روعه أنه
سيرزق بالشهادة وأنه لن يعود إلى أهله فى الدنيا فغمرته الفرحة وعمه السرور
والغبطة ودعا إليه ولده جابر ليخبره بما يتراءى له وتنازعا الخروج للجهاد
واستهما فخرج لهما الوالد الوقور وإذا كان لكل راحل وصية فإن عبد الله أوصى
ابنه جابر ابن عبد الله بن حرام قائلًا: إنى لا أرانى إلا مقتولًا فى هذه
الغزوة بل لعلى سأكون أول شهدائها من المسلمين وإنى والله لا أدع أحدًا
بعدى أحب إلىّ منك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن علىّ دينا فاقض
عنى دينى واستوصى بإخوتك خيرًا وجاءت قريش فى صبيحة اليوم التالى تغزو
المدينة المنورة الآمنة ودارت معركة رهيبة بين المشركين والمسلمين وأدرك
المسلمون فى بدايتها نصرًا سريعًا وكان من الممكن أن يكون نصرًا عظيمًا إلا
أن الرماة الذين جعلهم الرسول صلى الله عليه وسلم فوق الجبل لحماية ظهور
المسلمين أغراهم هذا النصر الخاطف فتركوا أماكنهم ونزلوا إلى أرض المعركة
لجمع الأسلاب والغنائم وحينئذ رأى المشركون انكشاف ظهور المسلمين فجمعوا
فلولهم وانقضوا على المسلمين فتحول النصر إلى هزيمة وقاتل عبدالله بن عمرو
الحرام قتال مودع وشهيد فقد رآه ربه فى فؤاده مصيره وقاتل صحابة كثيرون
ولكن المشركين من غيظهم وحقدهم مثلوا بهم جميعًا وبعد أن وضعت الحرب
أوزارها وبحث المسلمون عن شهدائهم وجد جابر أباه من جملتهم واجتمع عليه ناس
من قومهم يبكون أبا جابر ولما مر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم
يبكون فقال: ابكوه أو لا تبكوه فإن الملائكة تظله بأجنحتها وكان حريصًا على
الشهادة طالبًا لها وقد ظهر ذلك فى حياته وبعد مماته قال عليه الصلاة
والسلام يوما لولده جابر يا جابر ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب
ولقد كلم أباك كفاحًا أى مواجهة فقال له ياعبدى سلنى أعطك فقال اسألك أن
تردنى إلى الدنيا لأقتل فى سبيلك ثانية قال الله له (إنه قد سبق القول منى
أنهم إليها لا يرجعون) قال يارب فأبلغ من ورائى بما أعطيتنا من نعمة فأنزل
الله تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ). ولما تعرف المسلمون على شهدائهم, شرع كل منهم فى حمل شهيده إلى المدينة ليدفن هناك وحملت زوجة عبدالله (زوجها وأخاها عمرو بن الجموح) على ناقتها لتعود بهما إلى المدينة, وشرع بعض المسلمين فى العودة إلى المدينة كذلك, ولم يلبثوا أن سمعوا منادى الرسول صلى الله عليه وسلم يناديهم (أن ادفنوا القتلى فى مصارعهم) ووقف المصطفى يودع الشهداء ويشرف على دفنهم ولما جاء دور عبد الله بن حرام ليدفن.. نادى المصطفى (ادفنوا عبد الله ابن عمرو, وعمرو بن الجموح فى قبر واحد فإنهما كان فى الدنيا متحابين متصافيين).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق