موسوعة المؤرخين (39)
حسن حسني عبد الوهاب (الجزء الأول)
حين وقعت تونس تحت الاحتلال الفرنسي في أواخر القرن التاسع عشر
الميلادي وضع المحتلُّون مناهج للتعليم لا تستمدُّ عناصرها من مكوِّنات الأمَّة
الثقافيَّة، وجعلوا الفرنسيَّة لغة التعليم وأداة المعارف العامَّة، وأبقوا على
العربيَّة لا لتربط المتعلِّم بماضيه الحافل وتُوثِّق علاقته بثقافته العريقة؛ وإنَّما
لتمدَّ "المثقَّف الفرنسي" ببضاعةٍ من العربيَّة يصلح بها لأن يعمل في إدارة
الدولة والوظائف العامَّة، ولولا أنَّ جامع الزيتونة كان قائمًا على الثقافة
العربية والعلوم الشرعية، فلربَّما نجح هذا المخطَّط الخبيث نجاحًا عظيمًا
في قطع صلة التونسيِّين بتاريخهم ولغتهم، وفي الوقت نفسه قام عددٌ
من رجالات الفكر في تونس بمقاومة هذا المخطَّط، وكان
حسن حسني عبد الوهاب واحدًا من هؤلاء.
حسن حسني عبد الوهاب الصُّمادحي التونسي
(1301-1388هـ= 1884-1968م)، علَّامة، بحَّاثة، أديب، من أشهر
رجالات تونس في العصر الحديث، ومن أكثرهم خبرةً في شئون التراث
العربي الإِسلامي وما يتَّصل به.
نسب حسن حسني عبد الوهاب وأسرته
هو حسن حسني بن صالح بن عبد الوهَّاب بن يوسف الصُّمادحي التجيبي
التونسي، وُلِد بمدينة تُونُس في شعبان سنة (1301هـ= يوم 21 يوليو
1884م)، بعد احتلال فرنسا لتونس بنحو ثلاثة أعوام، فنشأ في بلدٍ مبتور
السِّيادة، خاضعٍ لدولةٍ أجنبيَّة تتولَّى إدارة شئونه وتسعى بكلِّ وسائل القهر
والإغراء إلى إدماجه في القوميَّة الفرنسيَّة، لسانًا وثقافةً وحضارة.
وكانت أسرته من أسر تونس العريقة التي كان لها شأنٌ في الأدب والسياسة
ومن ذوي الجاه وأرباب المراتب والمناصب في الدولة التونسيَّة؛ فقد شغل
جدُّه عبد الوهَّاب بن يوسف الشارني الذي وهب اسمه لكامل الأسرة وظائفَ
إداريَّةً وتشريفاتيَّةً ضمن حاشية البايات، كما كان والده صالح بن عبد الوهَّاب
موظَّفًا ساميًّا، وعمل مترجمًا ضمن عدَّة بعثاتٍ تونسيَّة إلى أوربَّا، وتولَّى
عدَّة مناصب إداريَّة في عهد "الحماية الفرنسيَّة"، منها منصب عاملٍ على
قابس والمهديَّة، وكان له شغفٌ بالتاريخ فكتب مؤلَّفًا في أخبار المغرب
الأقصى لم يُنشر.
حياة حسن حسني عبد الوهاب التعليمية
حصل حسن حسني عبد الوهاب على علومه الأولى في عددٍ من مدارس
تونس؛ فقد عني والده به عنايةً فائقة، وحرص على تنشئته نشأةً إسلاميَّةً
عربيَّة، ولمـَّا انتقل أبوه إلى ولاية المهديَّة وتولَّى أمره ألحقه بأحد الكتاتيب،
فحفظ شيئًا من القرآن، ثم التحق بالمدرسة الابتدائيَّة حيث حفظ الربع الأخير
من القرآن، ودرس شيئًا من علوم اللغة والدين، ثم انتقل إلى تونس بعد
رجوع والده إليها، فأتمَّ دراسته في مدرسةٍ فرنسية، ونال الشهادة
الابتدائية سنة (1317هـ=1899م).
ثم التحق بالتعليم الثانوي بالمدرسة الصادقيَّة التي تأسَّست قبل الاحتلال
الفرنسي وكانت منارةً للعلم بعد جامع الزيتونة في تونس، وعنيت بتعليم
اللغة والأدب على يد نخبةٍ من شيوخ الزيتونة، وبتعليم الفرنسيَّة وجملةٍ
من العلوم والفنون الحديثة، وكان يُمكن للمتخرِّجين في هذه المدرسة الالتحاق بالجامعات الفرنسيَّة،
وكان حسن عبد الوهاب يتردَّد على جامع
الزيتونة ويتَّصل بشيوخه الأعلام، ويتَّخذ منهم قادةً له وروَّادًا، وتردَّد على
خزائن الكتب به، يُطالع فيها نفائس المخطوطات في اللغة العربية وآدابها،
والتاريخ الإسلامي وحضارته.
ولمـَّا أتمَّ دراسته الثانوية سافر إلى فرنسا، والتحق بمدرسة العلوم السياسيَّة
بباريس؛ حيث توسَّع في دراسة القانون والسياسة والاقتصاد، ثم شاءت
الأقدار ألَّا يستمرَّ في دراسته، فعاد بعد عامين إلى وطنه سنة
(1323هـ=1904م)؛ نظرًا إلى وفاة والده.
وظائف حسن حسني عبد الوهاب الحكومية والعلمية
ففي سنة 1904م اضطرَّ حسن حسني عبد الوهاب إثر وفاة والده إلى قطع
دراساته العليا القصيرة بباريس؛ حيث كان يُتابع دروسه في العلوم السياسيَّة
بعد تخرُّجه في المدرسة الصادقيَّة، والتحق بسلك الوظيفة الإداريَّة من سنة
1905م إلى سنة 1920م، وشغل إثر ذلك خطَّة عاملٍ -على التوالي-
بجبنيانة في سنة 1925م، ثم بالمهديَّة في سنة 1928م، وبنابل في سنة
1935م. وبذل جهودًا جمَّةً من أجل نشر التعليم ونشر الثقافة في تلك
الربوع؛ بإنشاء المدارس الابتدائيَّة بمنطقة جبنيانة، وإلقاء المحاضرات
الأسبوعيَّة بنفسه في المهديَّة حول تاريخ البلاد التونسيَّة، والتبرُّع بالكتب
على مكتبات المهديَّة ونابل.
وقد عاد إلى العمل في صلب الإدارة المركزيَّة بتونس في سنة 1939م،
وعلى الرغم من بلوغه سنَّ التقاعد فقد احتاج المسئولون في تونس
إلى خبرته وكفاءته؛ فعُيِّن في سنة (1361هـ=1942م) مديرًا لمصلحة
الأوقاف، فحافظ عليها وحماها من أيدي الطامعين في الاستيلاء عليها،
ثم اختير في سنة (1362هـ=مايو 1943م) وزيرًا للقلم (الخارجيَّة)
والاستشارة لدى الباي محمد الأمين الأوَّل -آخر بايات تونس- (1943–
1957م)؛ حيث أشرف على الشئون الداخليَّة للبلاد، وتولَّى أمر المراسلات
مع الدول والهيئات الأجنبيَّة، وظلَّ في منصبه هذا حتى سنة
(1366هـ=يوليو 1947م) حيث أعفى نفسه من أعباء هذا المنصب،
وتفرَّغ للتأليف والسفر إلى الأقطار الشرقيَّة والعربيَّة.
وتولَّى غداة استقلال البلاد التونسيَّة، من سنة 1957م إلى سنة 1962م،
إدارة معهد الآثار والفنون، على الرغم من كِبَر سنه، وأقبل على عمله
مملوءًا همَّةً ونشاطًا، وقضى في تلك الوظيفة خمس سنوات، حيث قام
بتدريب عددٍ من الشُّبَّان التونسيِّين على الحفريَّات والبحوث الأثريَّة، وأحدث
خمسة متاحف في مختلف أنحاء البلاد، منها أربعة متاحف خاصَّة بالفنِّ
العربي الاسلامي، تبرَّع لها بجميع القطع التاريخيَّة التي تتألَّف منها
المجموعة الخاصَّة النفيسة التي كان يملكها، كما كان في الوقت نفسه
يُسهم في الحركة الفنِّيَّة والأثريَّة بنشر مقالات وكتابة توطُّئات للمؤلَّفات
التي كان يُشجِّع على إعدادها ويُساعد الباحثين على إصدارها.
حسن حسني عبد الوهاب (الجزء الأول)
حين وقعت تونس تحت الاحتلال الفرنسي في أواخر القرن التاسع عشر
الميلادي وضع المحتلُّون مناهج للتعليم لا تستمدُّ عناصرها من مكوِّنات الأمَّة
الثقافيَّة، وجعلوا الفرنسيَّة لغة التعليم وأداة المعارف العامَّة، وأبقوا على
العربيَّة لا لتربط المتعلِّم بماضيه الحافل وتُوثِّق علاقته بثقافته العريقة؛ وإنَّما
لتمدَّ "المثقَّف الفرنسي" ببضاعةٍ من العربيَّة يصلح بها لأن يعمل في إدارة
الدولة والوظائف العامَّة، ولولا أنَّ جامع الزيتونة كان قائمًا على الثقافة
العربية والعلوم الشرعية، فلربَّما نجح هذا المخطَّط الخبيث نجاحًا عظيمًا
في قطع صلة التونسيِّين بتاريخهم ولغتهم، وفي الوقت نفسه قام عددٌ
من رجالات الفكر في تونس بمقاومة هذا المخطَّط، وكان
حسن حسني عبد الوهاب واحدًا من هؤلاء.
حسن حسني عبد الوهاب الصُّمادحي التونسي
(1301-1388هـ= 1884-1968م)، علَّامة، بحَّاثة، أديب، من أشهر
رجالات تونس في العصر الحديث، ومن أكثرهم خبرةً في شئون التراث
العربي الإِسلامي وما يتَّصل به.
نسب حسن حسني عبد الوهاب وأسرته
هو حسن حسني بن صالح بن عبد الوهَّاب بن يوسف الصُّمادحي التجيبي
التونسي، وُلِد بمدينة تُونُس في شعبان سنة (1301هـ= يوم 21 يوليو
1884م)، بعد احتلال فرنسا لتونس بنحو ثلاثة أعوام، فنشأ في بلدٍ مبتور
السِّيادة، خاضعٍ لدولةٍ أجنبيَّة تتولَّى إدارة شئونه وتسعى بكلِّ وسائل القهر
والإغراء إلى إدماجه في القوميَّة الفرنسيَّة، لسانًا وثقافةً وحضارة.
وكانت أسرته من أسر تونس العريقة التي كان لها شأنٌ في الأدب والسياسة
ومن ذوي الجاه وأرباب المراتب والمناصب في الدولة التونسيَّة؛ فقد شغل
جدُّه عبد الوهَّاب بن يوسف الشارني الذي وهب اسمه لكامل الأسرة وظائفَ
إداريَّةً وتشريفاتيَّةً ضمن حاشية البايات، كما كان والده صالح بن عبد الوهَّاب
موظَّفًا ساميًّا، وعمل مترجمًا ضمن عدَّة بعثاتٍ تونسيَّة إلى أوربَّا، وتولَّى
عدَّة مناصب إداريَّة في عهد "الحماية الفرنسيَّة"، منها منصب عاملٍ على
قابس والمهديَّة، وكان له شغفٌ بالتاريخ فكتب مؤلَّفًا في أخبار المغرب
الأقصى لم يُنشر.
حياة حسن حسني عبد الوهاب التعليمية
حصل حسن حسني عبد الوهاب على علومه الأولى في عددٍ من مدارس
تونس؛ فقد عني والده به عنايةً فائقة، وحرص على تنشئته نشأةً إسلاميَّةً
عربيَّة، ولمـَّا انتقل أبوه إلى ولاية المهديَّة وتولَّى أمره ألحقه بأحد الكتاتيب،
فحفظ شيئًا من القرآن، ثم التحق بالمدرسة الابتدائيَّة حيث حفظ الربع الأخير
من القرآن، ودرس شيئًا من علوم اللغة والدين، ثم انتقل إلى تونس بعد
رجوع والده إليها، فأتمَّ دراسته في مدرسةٍ فرنسية، ونال الشهادة
الابتدائية سنة (1317هـ=1899م).
ثم التحق بالتعليم الثانوي بالمدرسة الصادقيَّة التي تأسَّست قبل الاحتلال
الفرنسي وكانت منارةً للعلم بعد جامع الزيتونة في تونس، وعنيت بتعليم
اللغة والأدب على يد نخبةٍ من شيوخ الزيتونة، وبتعليم الفرنسيَّة وجملةٍ
من العلوم والفنون الحديثة، وكان يُمكن للمتخرِّجين في هذه المدرسة الالتحاق بالجامعات الفرنسيَّة،
وكان حسن عبد الوهاب يتردَّد على جامع
الزيتونة ويتَّصل بشيوخه الأعلام، ويتَّخذ منهم قادةً له وروَّادًا، وتردَّد على
خزائن الكتب به، يُطالع فيها نفائس المخطوطات في اللغة العربية وآدابها،
والتاريخ الإسلامي وحضارته.
ولمـَّا أتمَّ دراسته الثانوية سافر إلى فرنسا، والتحق بمدرسة العلوم السياسيَّة
بباريس؛ حيث توسَّع في دراسة القانون والسياسة والاقتصاد، ثم شاءت
الأقدار ألَّا يستمرَّ في دراسته، فعاد بعد عامين إلى وطنه سنة
(1323هـ=1904م)؛ نظرًا إلى وفاة والده.
وظائف حسن حسني عبد الوهاب الحكومية والعلمية
ففي سنة 1904م اضطرَّ حسن حسني عبد الوهاب إثر وفاة والده إلى قطع
دراساته العليا القصيرة بباريس؛ حيث كان يُتابع دروسه في العلوم السياسيَّة
بعد تخرُّجه في المدرسة الصادقيَّة، والتحق بسلك الوظيفة الإداريَّة من سنة
1905م إلى سنة 1920م، وشغل إثر ذلك خطَّة عاملٍ -على التوالي-
بجبنيانة في سنة 1925م، ثم بالمهديَّة في سنة 1928م، وبنابل في سنة
1935م. وبذل جهودًا جمَّةً من أجل نشر التعليم ونشر الثقافة في تلك
الربوع؛ بإنشاء المدارس الابتدائيَّة بمنطقة جبنيانة، وإلقاء المحاضرات
الأسبوعيَّة بنفسه في المهديَّة حول تاريخ البلاد التونسيَّة، والتبرُّع بالكتب
على مكتبات المهديَّة ونابل.
وقد عاد إلى العمل في صلب الإدارة المركزيَّة بتونس في سنة 1939م،
وعلى الرغم من بلوغه سنَّ التقاعد فقد احتاج المسئولون في تونس
إلى خبرته وكفاءته؛ فعُيِّن في سنة (1361هـ=1942م) مديرًا لمصلحة
الأوقاف، فحافظ عليها وحماها من أيدي الطامعين في الاستيلاء عليها،
ثم اختير في سنة (1362هـ=مايو 1943م) وزيرًا للقلم (الخارجيَّة)
والاستشارة لدى الباي محمد الأمين الأوَّل -آخر بايات تونس- (1943–
1957م)؛ حيث أشرف على الشئون الداخليَّة للبلاد، وتولَّى أمر المراسلات
مع الدول والهيئات الأجنبيَّة، وظلَّ في منصبه هذا حتى سنة
(1366هـ=يوليو 1947م) حيث أعفى نفسه من أعباء هذا المنصب،
وتفرَّغ للتأليف والسفر إلى الأقطار الشرقيَّة والعربيَّة.
وتولَّى غداة استقلال البلاد التونسيَّة، من سنة 1957م إلى سنة 1962م،
إدارة معهد الآثار والفنون، على الرغم من كِبَر سنه، وأقبل على عمله
مملوءًا همَّةً ونشاطًا، وقضى في تلك الوظيفة خمس سنوات، حيث قام
بتدريب عددٍ من الشُّبَّان التونسيِّين على الحفريَّات والبحوث الأثريَّة، وأحدث
خمسة متاحف في مختلف أنحاء البلاد، منها أربعة متاحف خاصَّة بالفنِّ
العربي الاسلامي، تبرَّع لها بجميع القطع التاريخيَّة التي تتألَّف منها
المجموعة الخاصَّة النفيسة التي كان يملكها، كما كان في الوقت نفسه
يُسهم في الحركة الفنِّيَّة والأثريَّة بنشر مقالات وكتابة توطُّئات للمؤلَّفات
التي كان يُشجِّع على إعدادها ويُساعد الباحثين على إصدارها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق