موسوعة المؤرخين (139)
الواقدي والنبوغ في المغازي والسير والتاريخ (05)
موقف العلماء من الواقدي
وقد وقف الناس من الواقدي مواقف متباينة فمنهم من قوَّاه، ومنهم
من ضعفه حتى اتهمه غير واحد بالوضع في الحديث، ولكنه في المغازي
والسير والأحداث غير مدفوع عن ذلك، بل له بها مزيد عناية واختصاص،
وهو فيها رأس وله مكانة.
وقد جمع الخطيب البغدادي في تاريخه وكثير من المؤرخين أقوال
من وثَّقه، ومنها: قال الإمام إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس على
الإسلام، وقال محمد بن إسحاق: والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه.
وقال مصعب بن الزبير: والله ما رأينا مثل الواقدي. وقال أيضا: الواقدي
ثقة مأمون. وقال الإمام إبراهيم الحربي: من قال إن مسائل مالك
وابن أبي ذئب تؤخذ من أوثق من الواقدي فلا تصدقه. وعن إبراهيم
الحربي، قال: كان الواقدي أعلم الناس بأمر الإسلام، فأما الجاهلية
فلم يعلم منها شيئا.
وقال الحافظ الدراوردي ومحمد بن الحسن الشيباني: الواقدي أمير
المؤمنين في الحديث، وذلك قبل أن يصبح هذا اللقب مقصورًا على الإمام
البخاري فيما بعد. وقال محمد بن سلام الجمحي: الواقدي عالم دهره.
ووثقه يزيد بن هارون ووثقه كذلك أبو عبيد القاسم بن سلام.
وقد قال ياقوت: "وهو مع ذلك ضعَّفه طائفة من المحدثين كابن معين
وأبي حاتم والنسائي وابن عدي وابن راهويه والدارقطني. أما في أخبار
الناس والسير والفقه وسائر الفنون فهو ثقة بإجماع".
وقد نقل ابن الجوزي أقوال من ضعفوه واتهموه بالوضع، قال:
"قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ كَذَّاب كَانَ يقلب الْأَحَادِيث يلقِي حَدِيث ابْن أخي
الزُّهْرِيّ على معمر وَنَحْو ذَا، وَقَالَ يحيى (ابن معين): لَيْسَ بِثِقَة وَقَالَ
مرّة لَيْسَ بِشَيْء لَا يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ والرازي وَالنَّسَائِيّ مَتْرُوك
الحَدِيث، وَذكر الرَّازِيّ وَالنَّسَائِيّ أَنه كَانَ يضع الحَدِيث، وَقَالَ الدراقطني:
فِيهِ ضعف وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه غير مَحْفُوظَة وَالْبَلَاء مِنْهُ".
وأمام هذا الاختلاف حول الواقدي، قال ابن كثير: "الواقدي عنده
زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبًا،فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار ،
وهو صدوق في نفسه مكثار". وقال الذهبي: "الواقدي، المديني،
القاضي، صاحب التصانيف والمغازي، العلامة، الإمام، أبو عبد الله، أحد
أوعية العلم على ضعفه، المتفق عليه ..، وجمع فأوعى، وخلط الغث
بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا،
فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة، وأخبارهم".
وقال كذلك: "والواقدي وإن كان لا نزاع في ضعفه فهو صادق اللسان
كبير القدر". وقال بعد أن استعرض ما قاله مادحوه وقادحوه: "وقد تقرر
أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من
غير احتجاج، أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد،
وعامة من جمع في الأحكام نراهم يترخصون في إخراج
أحاديث أناس ضعفاء، بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر
شيئا، مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه ويروى،
لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه،
كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه -وهم تمام عشرة محدثين، إذ انعقد
الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي".
وقال عنه ابن سيد الناس: "سعة العلم مظنة لكثرة الأغراب، وكثرة
الأغراب مظنة للتهمة، والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم،
فكثرت بذلك غرائبه" .
الأربعاء، 15 سبتمبر 2021
موسوعة المؤرخين (139)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق