موسوعة المؤرخين (140)
الواقدي والنبوغ في المغازي والسير والتاريخ (06)
والظاهر أن مطاعن المحدثين عليه كمطاعنهم على غيره من كتاب
المغازي والسير؛ لاختلاف المنهج بين الطائفتين. فهو لم يكن يتقيد
بمذهبهم من ناحتين:
الأولى: أنه كان يأخذ من الصحف، ويعتمد على الكتب، وثقات
المحدثين كانوا يكرهون تلك الطريقة أشد الكراهية، ويرون أنه لا يصح
للمحدث أن يحدث بحديث إلا إذا كان قد سمعه بأذنه ممن روى عنه.
الثانية: أنه كان يجمع الأسانيد المختلفة ويجيء بالمتن واحدًا، مع أن
جزءًا من المتن لبعض الرواة، وجزءًا آخر لرواة آخرين، وكان المحدثون
يعدون هذا عيبًا، وقد عابوا ذلك على الزهري وتلميذه ابن إسحاق
من قبل.
وكان عذر الواقدي لاستعماله تلك الطريقة، أنه لو أفرد كل حديث
بسنده لطال الأمر جدًّا، فقد روي أنه لما طالبه تلاميذه بإفراد كل حديث
بسنده، أراد أن يبرهن لهم على سلامة منهجه، فجاءهم بالأحاديث
الخاصة بغزوة أحد باتباع إفراد كل حديث بسنده فاستكثروا ذلك؛
وقالوا: "ردنا إلى الأمر الأول" .
تشيع الواقدي
وقد ذكر ابن النديم أن الواقدي يتشيع على مذهب الشيعة، فقال:
"وكان يتشيع، حسن المذهب، يلزم التقية"، وقد نقل عنه بعض
المؤرخين هذا القول. ولعل إيهام ابن النديم راجعا إلى وجود كتابين
للواقدي، أحدهما في مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين، والآخر
فى مقتل الحسين خاصة، يوهم أنه كان شيعيا.
ولو سلمنا لابن النديم أن الواقدي كان يلزم التقية، فإن تشيعه كان لا بد
أن يظهر على نحو ما عند الحديث عن على أو في الرواية عنه، ولكن
شيئا من ذلك لم يحدث، فحين نقرأ عدد القتلى من قريش يوم بدر
عند ابن إسحاق مثلا نرى أن عليا قد قتل طعيمة بن عدى، ولكن الواقدي
يذكر أن الذي قتله هو حمزة وليس عليا. وغير ذلك كثير
في كتابه المغازي.
ومن الطريف أن يلاحظ أن ابن إسحاق يتهم هو الآخر بميوله الشيعية
والقدرية، ويبدو لنا أن السبب في اتهام الواقدي وابن إسحاق بالتشيع
لا يرجع إلى عقيدتهما الشخصية، وإنما يرجع إلى ما ورد في كتابيهما
من الأقوال والآراء الشيعية التي يعرضانها، وليس ذلك عن عقيدة
صحيحة فيها، مما تقتضيه طبيعة التأليف في مثل هذه الموضوعات.
مما يجعل عبارات ابن النديم عن تشيع الواقدي قاصرة عن أن تنهض
دليلا على تشيعه، وستظل تفتقر إلى دعائم أخرى تؤيدها،
وخاصة من نصوص الواقدي نفسه .
الخميس، 16 سبتمبر 2021
موسوعة المؤرخين (140)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق