تقسيم قيام الليل في العشر الأواخر إلى قسمين
السؤال
أرجو التكرم بذكر أقوال العلماء بشأن حكم تقسيم صلاة التراويح في العشر
الأواخر من رمضان قسمين : في أول الليل ، وآخره , كما يفعل كثير
من المساجد ، مع ذكر الأدلة إن أمكن .
الجواب
الحمد لله.
المستحب في ليالي رمضان إحياؤها بالقيام والصلاة والعبادة ، وتخصيص
العشر الأواخر منه بمزيد تعبد واجتهاد ، طلبا للمغفرة والرحمة ،
وتحريا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
ثم إن صلاة التراويح تعتبر من قيام الليل ، وتسميتها بالتراويح لما يتخللها
من أخذ قسط يسير من الراحة بين الركعات ، ولذلك فالأمر فيها واسع ،
يجوز للعبد أن يصلي في الليلة ما شاء من الركعات ،
وفي أي وقت من الليل شاء .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (34/123) :
" لا خلاف بين الفقهاء في سنية قيام ليالي رمضان ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )
وقال الفقهاء : إن التراويح هي قيام رمضان ؛ ولذلك فالأفضل استيعاب
أكثر الليل بها ; لأنها قيام الليل " انتهى .
وما يقوم به كثير من الأئمة اليوم – خاصة في العشر الأواخر – من الصلاة
بالناس التراويح بعد العشاء مباشرة ، ثم الرجوع إلى المسجد في ساعة
متأخرة من الليل للصلاة والقيام ، هو من المشروع لا من الممنوع ، وليس
هناك ما يمنعه ، والمطلوب هو الاجتهاد في العشر الأواخر على حسب
الاستطاعة ، فإذا قَسَّم المرء ليله ما بين صلاة وراحة ونوم وقراءة قرآن
فقد أحسن .
قال الشيخ عبد الله أبابطين – كما في "الدرر السنية" (4/364) - :
" مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس على من صلى في العشر
الأواخر من رمضان زيادة على المعتاد في العشرين الأول ، وسبب إنكارها
لذلك غلبة العادة ، والجهل بالسنة وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام .
فنقول: قد وردت الأحاديث عن النبي صلى الله وعليه وسلم بالترغيب
في قيام رمضان ، والحث عليه ، وتأكيد ذلك في عشره الأخير .
إذا تبين أنه لا تحديد في عدد التراويح ، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد
سنة العشاء إلى طلوع الفجر ، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة ، وأن النبي
صلى الله وعليه وسلم صلاها ليالي جماعة ، فكيف ينكر على من زاد
في صلاة العشر الأواخر عما يفعلها أول الشهر ، فيصلي في العشر أول
الليل ، كما يفعل في أول الشهر ، أو قليل ، أو كثير ، من غير أن يوتر ،
وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك ، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره
الله في الجماعة ، ويسمى الجميع قياماً وتراويح .
وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء : يستحب أن لا يزيد الإمام
على ختمة ، إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة ، وعللوا عدم استحباب الزيادة
على ختمة بالمشقة على المأمومين ، لا كون الزيادة غير مشروعة ، ودل
كلامهم على أنهم لو آثروا الزيادة على ختمة كان مستحباً ، وذلك مصرح به
في قولهم : إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة .
وأما ما يجري على ألسنة العوام من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح ،
وما يصلي بعد ذلك قياماً ، فهو تفريق عامي ، بل الكل قيام وتراويح ، وإنما
سمي قيام رمضان تراويح لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من
أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة ، وسبب إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده
من عادة أهل بلده وأكثر أهل الزمان ، ولجهله بالسنة والآثار ، وما عليه
الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام ، وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في
العشر هي صلاة التعقيب الذي كرهه بعض العلماء فليس كذلك ؛ لأن التعقيب
هو التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر .
هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر
عقب التراويح، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر
ليس هو التعقيب " انتهى باختصار .
وقال الشيخ صالح الفوزان في كتاب
"إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان" :
" وأما في العشر الأواخر من رمضان ، فإن المسلمين يزيدون من اجتهادهم
في العبادة ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وطلباً لليلة القدر التي هي
خير من ألف شهر ، فالذين يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة في أول الشهر
يقسمونها في العشر الأواخر ، فيصلون عشر ركعات في أول الليل ،
يسمونها تراويح ، ويصلون عشراً في آخر الليل ، يطيلونها مع الوتر بثلاث
ركعات ، ويسمونها قياماً ، وهذا اختلاف في التسمية فقط ، وإلا فكلها يجوز
أن تسمى تراويح ، أو تسمى قياماً ، وأما من كان يصلى في أول الشهر
إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة فإنه يضيف إليها في العشر الأواخر عشر
ركعات ، يصليها في آخر الليل ، ويطيلها ، اغتناماً لفضل العشر الأواخر ،
وزيادة اجتهاد في الخير ، وله سلف في ذلك من الصحابة وغيرهم ممن كانوا
يصلون ثلاثاً وعشرين كما سبق ، فيكونون جمعوا بين القولين : القول بثلاث
عشرة في العشرين الأول ، والقول بثلاث وعشرين في العشر الأواخر "
انتهى .
المصدر/ مجموع فتاوى ابن باز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق