الثلاثاء، 21 مايو 2013

موهوب

 
أحد الفنانين العباقرة أرسل له معجبٌ خطابًا، واكتفى بعبارة:
 إلى أعظم فناني إيطاليا !
 
رفض الفنان استلام الخطاب وقال:
 إنه ليس لي، لو كان يقصدني لكتب: إلى أعظم فناني العالم.
 
ذات ليلة عاد الرسام العالمي « بيكاسو » إلى منزله، فوجد اللصوص
قد سرقوا الأثاث، وظهر الانزعاج على وجهه، فسأله أحد الحضور:
 
- هل سرقوا شيئًا مهمًا ؟
- لا.
- إذًا لماذا أنت متضايق ؟
- يؤلمني أن هؤلاء لم يسرقوا شيئًا من لوحاتي الثمينة !
لقد شعر أن كبرياءه قد جرحت، وأن أعظم ذنبهم ليس السرقة،
بل الجهل بقيمة لوحاته الشهيرة !
 
العظمة الحقيقية أن تجمع بين الموهبة والتواضع.
أعظم موهبة هي الأخلاق، وأعظم الأخلاق هي ما تعاملت به مع نفسك.
كلُّ إنسان هو موهوب بشكل ما، كلُّ إنسان هو:
 نسخة أصلية، وليس «صورة كربونية» أو «كرتونية»!
حتى التوائم ليسوا متطابقين، وفي كل منهما ما ليس في الآخر.
المهم أن يكون الإنسان نفسه، وليس شخصًا آخر، أن يكون «أصليًّا»
وليس «تقليدًا».
تحتاج الموهبة إلى نفسيَّة ناضجة تقدرها، وتعرف شكر واهبها،
وتتخيل نهايتها.
 
يوسف الصديق تميز بالجمال الباهر والشباب وبعد النظر،
وتجاوز الصعاب ليكون رئيس وزراء مصر، وحقق لدعوته الكثير
بين المصريين، وفي نهاية المطاف قال:
 
{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }
 (يوسف: 101).
 
فهذه هي النهاية الجميلة، وهي أعظم المواهب،
أن يختم لك بخير الدنيا والآخرة، وبالمجد عند الله وعند عباده الصالحين.
 
عمر بن عبد العزيز أقام العدل، ونال الخلافة، ثم كان طموحه الآخرة
كما قال:
[ إن لي نفسًا تواقة، اشتهت الإمارة فنالتها، ثم تاقت إلى الخلافة فنالتها،
ثم اشتاقت إلى الجنة ]
 
محمد علي كلاي تميز بالقوة الجسدية التي جعلته بطل العالم لفترة طويلة
 في الملاكمة، وفي النهاية أصيب بمرض «باركنسون» الذي يؤدِّي
إلى ضمور وتلف الخلايا والألياف العصبية، ويؤدِّي إلى بطء الحركة
واختلالها، وتيبس الأطراف ورجفان في اليدين والرجلين،
واضطراب التوازن، ويؤثِّر على الذاكرة.
لم يكن كلاي ملاكمًا فحسب، بل حكيمًا أيضًا.
يقول:
 [ في داخل الحلبة كما في خارجها، لا عيب في أن تسقط أرضًا،
بل العيب أن تبقى كذلك
العمر هو ما تظنه، أنت كبير في العمر بقدر ما تعتقد نفسك كذلك.
كرهت كل لحظة في التدريب، لكني قلت لنفسي:
 لا تنسحب، تحمل المعاناة الآن، وعش بقية حياتك بطلًا ]
 
- جهزوا زنزانتي، فخبز السجن أحب إليَّ من الموت في فيتنام !
- خدمتك للآخرين هي الإيجار الذي تدفعه مقابل استضافتك في الأرض.
- الرجل الذي ليس لديه خيال، طائر ليست لديه أجنحة.
 
الفشل منصة النجاح، الروح وليس السنوات ما يحدد عمرك،
 المعاناة منصة الانطلاق، الحرية قد تكون في الزنزانة، خدمة الناس،
الخيال الحي.. هذه بعض إلهاماته !
 
في التاريخ الإسلامي تجد: ابن الهيثم في علم البصريات،
ابن زهر عبقري الطب، الزهراوي أعظم جراح،
المجريطي أستاذ الرياضيات، ابن خلدون مؤسِّس علم الاجتماع،
 ابن بطُّوطة الرَّحَّالة، ابن النَّفِيس مكتشف الدورة الدموية،
 عباس بن فرناس أول طيّار في التاريخ، الخوارزمي مؤسِّس علم الجبر،
 جابر بن حيَّان مؤسس علم الكيمياء.. والقائمة طويلة.
 
لا يلزم أن يكونوا جميعًا قدوات في ألوان الخير والتقوى والصلاح،
ولكنهم مبدعون موهوبون قدموا خدمة جليلة لأمتهم وللإنسانية.
وغير المسلمين الذي أبدعوا وبرزوا في بيئة إسلامية هم ثمرة دعم
وتحفيز لتلك البيئة الجاذبة.
 
" ممــا راق لى "
بقلم الدكتور / سلمان بن فهد العودة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق