لأنَّ بعضهم
أيقن فتحرك واستقام وأعطى ومنع وبذل وبعضهم كانَ شاكاً
ومُتردداً
فأحجم، فإذا أردتَ أن تُفسّر الإحجام والإقدام، الاستقامة وعدمها
التضحية
والحِرص، لا يُفسّر هذا إلا باليقين وإذا ذهبتَ في حياتكَ
اليومية
وراقبتَ نفسك،
الأشياء التي توقِنُ بها تنطلقُ إليك،
والأشياء التي
أنتَ شاكٌ فيها تُحجمُ عنها
العامل الأساسي
الذي يدفعُكَ إلى الحركة هو اليقين. ورد في الأثر:
تباركَ الذي
قسمَ العقلَ بين عبادِهِ أشتاتاً، إنَّ الرجلين ليستوي عملهُما
وبِرهُما
وصومُهُما وصلاتُهما ويختلفانِ في العقلِ كالذرّةِ جنبَ أُحد
وما قسَمَ الله
لِعبادهِ نصيباً أوفرَ من العقلِ واليقين الموقن يدفعُ زكاةَ
مالهِ،
الموقن يفني
شبابهُ في طاعة الله الموقن يُقضّي عُمُرهُ في معرفة الله
أما غير الموقن
تراهُ مُحجماُ متردداً متريثاً مترقّباً يعني في حيرةٍ في ضياع،
قالَ
تعالى:
{
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ
الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ
وَهَمُّوا
بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ
فَإِنْ
يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا
وَالْآَخِرَةِ
وَمَا لَهُمْ
فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)
}
[ سورة التوبة
]
وكانَ من أشدِ
الناسِ إكراماً لهذا الغُلام لأنَّ توبتهُ كانت على يده
ولو أنَّ هذا
الغلام سكت لبقيَّ منافقاً. كانت توبة العم على يدِ هذا الغُلام
الذي جعلهُ
يُحجم ويتردد وينجل عدم اليقين ،
وإذا أردتَ أن تُفسّرَ
التقصير
والإحجام
والميل إلى الدنيا
وعدم وجود
الهِمة العالية
فينبغي أن
تُفسّرَ كلَّ ذلك بضعفِ اليقين
{ كَلَّا
لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ
الْجَحِيمَ (6)
}
[ سورة التكاثر
]
{ لَوْ
تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ }
لو بلغَ اعتقاد
الإنسان مرتبة اليقين لباعَ نفسهُ للهِ عزّ
وجل
أيُّ إحجامٍ أيُّ تقصيرٍ
أيُّ تقليلٍ من شأنِ الإيمان يعود بالدرجة
الأولى
إلى ضعف اليقين. ربُنا
عزّ وجل ما أرادَ منك أن تؤمنَ متردداً
{ إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
ثُمَّ لَمْ
يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أُولَئِكَ
هُمُ الصَّادِقُونَ
(15)
}
[ سورة الحجرات
]
الله عزّ وجل
ما رضيَّ لكَ أن تؤمنَ شاكاً،
{ كَلا لَوْ
تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوْنَ الجحيم
}
الله عزّ وجل
ما أمركَ أن تؤمن وأعطاكَ الأدلة الضعيفة
قالَ تعالى
:
{ وَفِي
الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
}
[ سورة
الذاريات ]
هذا الموضوع
دقيق جداً حتى في حركاتكَ اليومية
لن تتحرك إلا
إذا أيقنت، لن تُحجم عن شيءٍ يَضُرك إلا إذا أيقنتَ بضرره،
لا تمتنع عن
تصرفٍ إلا إذا أيقنت بخطورته، لا تُقدمُ على شراءِ
شيء
إلا إذا أيقنتَ بالربح
أبداً اليقين هو المُحرّك، وما لم توقن تبقى في شكٍ
وترددٍ ووهمٍ
وإقدامٍ وإحجامٍ وتريثٍ وتفرجٍ
أما حتى تنتقل إلى مرتبة
العمل لابدَّ من اليقين
وأبوابُ اليقين
مُفتحةٌ على مصارعها في الدنيا،
وفي الأرضِ
آياتٌ للموقنين،
يعني في
الإيمان أدلّة ليست مُقنعةً فحسب بل هي
قاطِعةٌ.
الله عزّ وجل
خصَّ أهلَ اليقين بالهدى والفلاح
قال
تعالى:
{
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ
مِنْ قَبْلِكَ
وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ
عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ
وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
}
[ سورة البقرة
]
لأنهم أيقنوا
{ أُوْلَئِكَ
عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ
}
أمّا أهل
النار:
{ وَإِذَا
قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ
فِيهَا
قُلْتُمْ مَا
نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ
بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)
}
[ سورة الجاثية
]
لسنا
متأكدين
أبداً
الأمر واضح
جداً، الإحجام، النِفاق، الضعف، البُخل، عدم دفع المال،
عدم بذل الوقت
في سبيل الله، عدم التعرّف إلى الله، عدم تلاوة القرآن،
تغليبُ الدنيا
على الآخرة، الوقوع في الشُبُهات، التقصير في الواجبات،
كلُّ هذه
الأمراض هي أعراضُ لمرض واحد هو ضعفُ اليقين
من علاماتِ آخر
الزمان أن يفشوَ ضعفُ اليقين في
الناس،
تجد المساجد ممتلئة لو
دخلتَ إلى بيوت هؤلاء أجهزة اللهو،
لو دخلتَ إلى
متاجرهم التعامل ربوي، لو دخلتَ معهم في لقاءاتهم اختلاط،
اختلاط في
العلاقات الاجتماعية، وتقصير في الواجبات الدينية،
وتسيّب في
الانضباط الشخصي،
ما سِرُّ ذلك.. هو ضعفُ
اليقين..
أُعيدُ
مرةً ثانية وثالثة ورابعة
إذا أيقنت أنكَ
إذا فعلتَ هذا الأمر لا تنجو من عذابٍ أليم في الدنيا،
لا تنجو من
عشرين عاماً في السجن تُقضّيها، لا أقول أغلب الظن
قطعاً.. تُحجم
عن اقتراف هذه المُخالفة
الذي أتمناه
على كلِّ أخٍ كريم أن ينقلَ
معرفتهُ باللهِ عزّ وجل
من مستوى
الاعتقاد غير الجازم إلى مستوى الاعتقاد
الجازم
الإنسان أحياناً يُقصّر
إذا قصّر يأتي العِلاج الإلهي،
مرة اثنتين
وثلاث ألا ينبغي أن تستنبط أنَّ لكلِّ سيئةٍ عِقاباً
وأنكَ لا تنجو
من عذاب الله إلا إذا استقمتَ على أمره
وأنَّ هذا
الضعف في اليقين هو سبب هذا التردي من مشكلة إلى
مشكلة
لذلك
العلماء قالوا:
" اليقين روحُ أعمال القلوب التي هي أرواح
أعمال الجوارح "
روحُ أعمال القلوب التي
هي أرواح أعمال الجوارح وهيَّ حقيقة
الصديّقيّة
كلما قال النبي شيئاً
يقول له الصدّيق: صدقت يا رسول الله
صدقت.. صدقت.. بلغتَ
حدَّ اليقين
إنسان عادي
قد لا يُبالغ في غسل الخُضار أما إذا في جائحة، وباء،
ادخل إلى
بيت الطبيب، لأنهُ يُعالج باليوم آلاف الحالات، آلاف الإسهالات،
آلاف
الإنتانات، آلاف الأمراض، كُلُها بسبب التلوث من
الخضار
انظر إلى الطبيب حيثُ
يأمر أهله أن تُغسلَ الخضار بالمواد المٌعقّمة يوميّاً
لماذا ؟
بلغَ عِلمهُ حدَّ اليقين.
أما عامة الناس ربما لا
يبلغُ علمهم حدَّ اليقين تراهم
يترددون.
لا ترضين أحدا
بسخط الله، ولا تحمدن أحدا على فضل الله،
ولا تذمن أحدا
على ما لم يؤتك الله، فان رزق الله لا يسوقه إليك
حرص حريص ولا
يرده عنك كراهة كاره، وإن الله بقسطه وعدله
جعل الروح
والراحة في الرضا، واليقين،
وجعل الهم
والحزن في السخط والشك.
في رواية
أخرى: إنه من ضعف
اليقين أن تُرضي الناسَ بسخط الله ،
وأن تحمدهم على رزق
الله، أن تَذمهم على مالم يُؤتكَ الله،
إنهُ من ضعف
اليقين
يعني إذا لم توقن أنَّ
هذه النعمة من الله عزّ وجل، إذا جاءتكَ من إنسان
انكببتَ عليه
مادِحاً وشاكراً ومُثنيّاً ولم تتيقن أنها من عِند الله عزّ وجل
لذلكَ وقعتَ في
الشِرك وأنتَ لا تدري
إنهُ من ضعف اليقين أن
تُرضي الناس بسخط الله
معنى
ذلك
أيّ إنسان
: إذا استجاب لإنسان على حساب طاعتهِ لِربه،
إذا جامَلَ
زوجتهُ وسايرها في أمرٍ لا يُرضي الله، يجب أن يمتحن نفسهُ،
يجب أن يوقن
أنه غيرُ موقن، يجب أن يعلم أنهُ لا يعلم،
يجب أن يتأكد
أنهُ في شكٍ من أمرِ دينه،
لأنه حينما
تُرضي مخلوقاً وتعصي خالِقاً
أنتَ لستَ
متأكداً من غضبِ الخالق، لستَ متأكداً من أنَّ هذا
يُسخُطه،
لستَ متأكداً من أنَّ
هذا لا يُرضيه، لذلك فعلته
وهنا لا تُرضيّنَّ أحداً
بسخطِ الله، ولا تحمدنَّ أحداً على فضل الله،
ولا تذمنَّ
أحداً على ما لم يؤتِكَ الله، فإنَّ رِزقَ الله عزّ وجل لا يسوقه
إليكَ
حِرصُ حريص،
ولا يردّهُ عنكَ كراهية كاره، وإنَّ الله بعدلهِ وقسطه جعلَ
الروحَ والفرح
في الرِضا واليقين، وجعلَ الهمَّ والحُزن في الشكِ والسُخط
كنتُ مرة أضرب
لكم بعض الأمثلة أُعيدهُا مرات عديدة
لأنه مناسب
جداً في هذا الوقت،
شخص فقير
جداً عِندهُ أولادٌ ثمانية دخلهُ قليل جداً حياتهُ خشنة جداً،
دخلهُ أقل
من مصروفه، يعني يُعاني من أزمات لا تُحصى
لهُ عم يملك
ثلاثمائة مليون وليسَ له أولاد وتوفي في حادث
كلُّ هذه
الثروة آلت إليه قطعاً ، هو الوريث الوحيد،
لكن إلى أن
يصلَ هذا المبلغ إلى يديه هُناك إجراءات وتعقيدات
وبراءات ذمة
ومتابعة معاملات إلى آخر ذلك،
لماذا هذا
الإنسان خلال هذه الفترة التي لم يقبض دِرهماً واحداً
هو من أسعد
الناس لماذا ؟
لأنهُ موقنٌ بأنه سيصير
غنيّاً، فيمضي هذه الفترة
يقول هذه
الفيلا سأشتريها جيدة، وهذه المركبة سأقتنيها،
وهذا الطعام
سأكلهُ، وهذا اللِباس سأرتديه دخل باليقين،
أيقنَ بأنه
سيكونُ غنيّاً كلُّ هذه الثروة آلت إليه،
من فقرِ
مُدقع إلى غِنىً جيد
هذا مثل طبعاً
مُركّب تركيباً لم يقع هذا الشيء لكن هذا التركيب
من أجل أن نكشف
من أنَّ الإنسان يسعد لو أيقن،
يعني أنت إذا
أيقنت أنَّ الله عزّ وجل يُحبك وراضٍ عنك
وأنكَ إذا
انتقلتَ إلى الدار الآخرة أغلبُ الظن أنَّ الله سيرحمك
وأنَّ لكَ في
الجنةِ مكاناً
هذا اليقين يجعلُكَ
تمتصُ كلَّ المصائب وكلَّ المتاعب وكلَّ الهموم
وتعيشُ في هذا
الوعد الرباني العظيم.
( أَفَمَنْ
وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ
مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق