الحمد لله هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم رحمهم
الله :
فجمهور الفقهاء على حرمة قراءة الحائض للقرآن حال
الحيض حتى تطهر ،
ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان على سبيل الذّكر
والدّعاء ولم يقصد به التلاوة
كقول :
بسم
الله الرحمن الرحيم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ،
ربنا آتنا في الدنيا حسنة … الخ مما ورد في القرآن
وهو من عموم الذكر .
واستدلوا على المنع بأمور منها
:
1- أنها
في حكم الجنب بجامع أن كلاً منها عليه الغسل
،
وقد
ثبت من حديث علي بن أبي طالب رضي الله
:
( كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يحجزُه
شيءٌ عن القرآنِ إلا الجنابةُ )
رواه
أبو داود (1/281) والترمذي (146) والنسائي (1/144)
وابن ماجه (1/207) وأحمد (1/84) ابن خزيمة (1/104)
قال الترمذي : حديث حسن صحيح ،
وقال الحافظ ابن حجر :
[ والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة
]
2- ما
روي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
أن
النبي صلى الله عليه وسلم
قال :
( لا
تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن )
رواه الترمذي (131) وابن ماجه (595) والدارقطني
(1/117)
والبيهقي (1/89)
وهو حديث ضعيف لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن
الحجازيين
وروايته
عنهم ضعيفة ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (21/460) :
وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث أ.هـ
.
وينظر
: نصب الراية 1/195 والتلخيص الحبير 1/183 .
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءة الحائض للقرآن وهو
مذهب مالك ،
ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه
الشوكاني استدلوا
على ذلك بأمور منها :
1- أن
الأصل الجواز والحل حتى يقوم دليل على المنع وليس هناك دليل يمنع
من قراءة الحائض للقرآن ،
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية :
[ ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة
،
وقال :
ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن ينههن عن
قراءة القرآن ،
كما لم
يكن ينههن عن الذكر والدعاء . ]
2- أن
الله تعالى أمر بتلاوة القرآن ، وأثنى على تاليه ووعده بجزيل
الثواب
وعظيم الجزاء فلا يمنع من ذلك إلا من ثبت في حقه
الدليل وليس هناك
ما يمنع الحائض من القراءة كما تقدم
.
3- أن
قياس الحائض على الجنب في المنع من قراءة القرآن
قياس
مع
الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالغسل بخلاف
الحائض ،
وكذلك فإن الحيض قد تطول مدته غالباً ، بخلاف الجنب
فإنه مأمور
بالإغتسال عند حضور وقت الصلاة
.
4- أن في
منع الحائض من القراءة تفويتاً للأجر عليها وربما تعرضت
لنسيان شيء من القرآن أو احتاجت إلى القراءة حال
التعليم أو التعلم .
فتبين مما سبق قوة أدلة قول من ذهب إلى جواز قراءة
الحائض للقرآن ،
وإن احتاطت المرأة واقتصرت على القراءة عند خوف
نسيانه فقد أخذت بالأحوط .
ومما يجدر التنبيه عليه أن ما تقدم في هذه المسألة
يختص بقراءة الحائض
للقرآن عن ظهر قلب ، أما القراءة من المصحف فلها حكم
آخر حيث
أن الراجح من قولي أهل العلم تحريم مس المصحف للمُحدث
لعموم
قوله
تعالى :
{ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ
}
ولما
جاء في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم
إلى
أهل اليمن وفيه :
( ألا
يمس القرآن إلا طاهر )
رواه
مالك 1/199 والنسائي 8/57 وابن حبان 793 والبيهقي 1/87
قال الحافظ ابن حجر : وقد صحح الحديث جماعة من الأئمة من حيث الشهرة
وقال
الشافعي : ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
،
وقال
ابن عبدالبر : هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم
معرفة يستغني بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر لتلقي
الناس
له
بالقبول والمعرفة .أ.هـ
وقال الشيخ الألباني عنه : صحيح .التلخيص الحبير 4/17
ولذلك فإذا أرادت الحائض أن تقرأ في المصحف فإنها
تمسكه بشيء منفصل
عنه كخرقة طاهرة أو تلبس قفازا ، أو تقلب أوراق
المصحف بعود أو قلم
ونحو ذلك ، وجلدة المصحف المخيطة أو الملتصقة به لها
حكم المصحف
في
المسّ ، والله تعالى أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق