أهمية العِزَّة
العِزَّة والإيمان صِنْوَان لا يفترقان، فمتى وَقَرَ
الإيمان في قلب الرَّجل،
وتشبَّع به كيَانُه، واختلط بشِغَاف قلبه، تشرَّب
العِزَّة مباشرةً،
فانبثقت منه أقوال
وأفعال صادرة عن شعور عظيم بالفَخْر
والاستعْلاء،
لا فخرًا واستعلاءً على المؤمنين، بل هو على
الكافرين.
بل يَنْتُج -أيضًا- عن هذا الخُلُق الكريم، صِدْقُ
الانتماء لهذا الدِّين،
وقُوَّةُ الرَّابط مع أهله، والتَّواضُع لهم،
والرَّحمة بهم.
قال الله تعالى:
{
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }
[
المنافقون: 8 ]
فجعل العِزَّة صِنْو الإيمان في القلب المؤمن؛
العِزَّة المستمدَّة من عِزَّته تعالى،
العِزَّة التي لا تَهُون ولا تَهُن، ولا تنحني ولا
تلين،
ولا تُــزَايل القلب المؤمن في أحرج اللَّحظات، إلَّا
أن يتضَعْضَع فيه الإيمان،
فإذا استقرَّ الإيمان ورسخ، فالعِزَّة معه مستقِرَّة
راسخة
{ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ
}
وكيف
يعلمون وهم لا يتذوَّقون هذه العِزَّة، ولا يتَّصِلون بمصدرها
الأصيل؟!
والعِزَّة تَنْتُج عن معرفة الإنسان لنفسه، وتقديره
لها،
وترفُّعه بها عن أن تصيب الدَّنايا، أو تُصَاب
بها،
أو أن تَخْنَع لغير الله عزَّ وجلَّ أو أن تركع
لسواه، أو أن تُدَاهن،
وتحابي في دين الله عزَّ وجلَّ ، أو أن ترضى
بالدَّنيَّة فيه،
فهي نتيجة طبيعيَّة لهذه المعرفة، كما أنَّ الكِبْر
نتيجة طبيعيَّة للجهل
بقيمة هذه النَّفس وبمقدارها،
يقول الراغب الأصفهاني:
[ العِزَّة: منزلة شريفة، وهي نتيجة معرفة الإنسان
بقدر نفسه،
وإكرامها عن الضَّراعة للأعراض الدُّنيويَّة،
كما أنَّ الكِبْر نتيجة جهل الإنسان بقدر نفسه،
وإنزالها فوق منزلتها ]
والعِزَّة في الإسلام الحنيف، يستشعرها الدَّاخل في
الإسلام
بمجرَّد نُطْقه
للشَّهادتين، فهو قد دخل في دين الحقِّ، الذي لا يضاهيه دين،
والذي أظهره الله على الدِّين كلِّه، ولولا اتِّصافه
بهذه الصَّفات ما دخل فيه،
ولا استسلم وخضع لأحكامه وتشريعاته،
قال الله تعالى:
{ هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
}
[ التَّوبة: 33 ]
وفي سورة الفتح:
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
}
[ الفتح: 28 ].
ومما
يُظْهِر فضيلة هذه الصِّفة ومَزِيَّتها: أنَّ الله قد تسمَّى بها
في كتابه،
فسمَّى نفسه: العزيز، أي: الغَاِلب الذي لا يُقْهر،
واتَّصف بصفة العِزَّة الذي تضمَّنها الاسم.
قال ابن بطَّال:
[ العزيز يتضمَّن العِزَّة، والعِزَّةُ يُحْتَمل أن
تكون صفة ذات،
بمعنى
القُدْرَة والعظمة،
وأن تكون صفة فعل، بمعنى القَهْر لمخلوقاته،
والغَلَبَة لهم،
ولذلك صحَّت إضافة اسمه إليها ]
وقال الغزالي:
[ العزيز: هو الخَطِير الذي يَقِلُّ وجود مِثْله،
وتشتدُّ الحاجة إليه،
ويصعُب الوصول إليه، فما لم يجتمع عليه هذه المعاني
الثَّلاثة،
لم يُطْلَق عليه اسم العزيز... ثمَّ في كلِّ واحد من
المعاني الثَّلاثة كمال ونقصان،
والكمال في قلَّة الوجود: أن يرجع إلى واحد، إذْ لا
أقلَّ من الواحد،
ويكون بحيث يستحيل وجود مِثْله، وليس هذا إلا الله
تعالى؛... وشدَّة الحاجة:
أن يحتاج إليه كلُّ شيء في كلِّ شيء، حتى في وجوده
وبقائه وصفاته،
وليس ذلك -على الكمال- إلَّا لله عزَّ وجلَّ ،
والكمال في صعوبة المنَال:
أن يستحيل الوصول إليه على معنى الإحاطة بكُنْهِه،
وليس ذلك -على الكمال-
إلَّا
لله عزَّ وجلَّ ، فإنَّا قد بيَّنَّا أنَّه لا يَعرف اللهَ إلَّا
الله؛ فهو العزيز المطْلَق الحقُّ،
لا يوازيه فيه غيره ]
ويقول ابن القيِّم:
[ والعِزَّة يُرَاد بها ثلاثة معان: عِزَّة القُوَّة،
وعِزَّة الامْتِنَاع، وعِزَّة القَهْر،
والرَّبُّ -تبارك وتعالى- له العِزَّة التَّامة
بالاعتبارات الثَّلاث ]
كما أنَّه سَمَّى نفسه المعِزَّ، فهو الذي يَهَب
العِزَّة لمن يشاء،
كما أنَّه يُذِلُّ من يشاء،
{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي
الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
}
[ آل عمران: 26 ]
فهو
المعِزُّ الحقيقي لمن يشاء إعزازه من البَشَر،
بما يُقيِّض له من الأسباب الموجِبَة للعِزِّ.
إذن فهو عزيز في ذاته، فلا يَحْصُل له الغَلَبَة
والقَهْر من أحدٍ سبحانه وتعالى،
ومُعِزٌّ لمن شاء من خَلْقه متى شاء، وكَيْفَمَا
شاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق