أُتي المأمون برجل يريد أن يقتله، وعلي بن موسى الرضا
جالس
فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟
فقال: أقول: إنَّ الله تعالى لا يزيدك بحسن العفو إلا
عزًّا فعفا عنه .
وكان المأمون مؤثرًا للعفو كأنه غريزة له؛ وهو الذي
يقول:
لقد
حُبِّب إليَّ العفو حتى إني أظنُّ أني لا أثاب
عليه.
وأحضر إلى المأمون رجل قد أذنب،
فقال له المأمون: أنت الذي فعلت كذا وكذا؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين، أنا الذي أسرف على نفسه
واتكل على عفوك
فعفا
عنه.
قال: ولما ظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي أمر
بإدخاله عليه،
فلما مثل بين يديه، قال: وليُّ الثأر محكمٌ في
القصاص،
والعفو أقرب للتقوى، والقدرة تذهب
الحفيظة،
ومن
مدَّ له الاعتذار في الأمل هجمت به الأناة على التلف،
وقد جعل الله كلَّ ذنب دون عفوك، فإن صفحت فبكرمك،
وإن أخذت فبحقِّك.
قال المأمون: إني شاورت أبا إسحاق والعباس في قتلك
فأشارا عليَّ به؛
قال:
أما أن يكونا قد نصحاك في عظم قدر
الملك،
ولما جرت عليه السياسة فقد فعلا، ولكن أبيت أن تستجلب
النصر
إلا من حيث عودك الله، ثم استعبر باكيًا؛
فقال له المأمون: ما يبكيك؟ قال: جذلًا إذ كان ذنبي
إلى من هذه صفته.
ثم قال: إنه وإن كان جرمي بلغ سفك دمي فحلم أمير
المؤمنين
وفضله يبلغاني عفوه، ولي بعد هذا شفعة الإقرار
بالذنب، وحرمة الأب بعد الأب.
قال المأمون: لو لم يكن في حقِّ نسبك ما يبلغ الصفح
عن جرمك
لبلغك
إليه حسن تنصُّلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق