الزواج السري
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
♦ الملخص:
امرأة عرض عليها رجل الزواج بشرط أن يتزوجَ طليقة أحد أقاربه
زواجًا سريًّا، زاعمًا أنه زواج مسيار، وهي لا تدري هل توافق أو لا؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة في الأربعين مِن عمري، عرَض عليَّ الزواجَ رجلٌ يكبرني
بسنوات، وبشروط معيَّنة، مِن بينها: أن أتقبَّل زواجَه السِّرِّيَّ مِن طليقة
أحد أقاربه، وألا أبوح بالأمر لأيِّ أحد كان؛ نظرًا لحساسية الأمر وسط العائلة،
ولقربه مِن زوجها السابق، وأن أصادق زوجته حتى يُصبح
التقاؤه بها سهلًا في بيته بعد الزواج!
يزعم هذا الرجل أن زواجه مِن هذه المرأة بهذه الكيفية زواج مسيار،
والمسيار حلال، رغم أن الزواج لا يعلمه أحدٌ مِن أهلها!
مشكلتي أن العمر يجري بي سريعًا، وأنا أريد أن تكونَ لي أسرة وأطفال،
في حين أني أشعر أن الرجل متعلِّق بهذه المرأة لدرجة الجنون، وهي
أشدُّ تعلُّقًا به، رغم أنها تكبره بعشَرة أعوام، أفيدوني ماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرًا
الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن
والاه، أما بعدُ:
فإن مِن العلم الضروريِّ عند الخاصَّة والعامَّة أيتها الأخت الكريمة:
أن زواج السرِّ باطل شرعًا، كما أن جميع المسلمين يُدركون أن الزواج
لا يكون صحيحًا حتى تُستكمَل شروطُ وأركانُ النكاح الشرعيِّ الصحيح،
وتخلُّفُ أحد تلك الشروط أو الأركان يُبطِله، ويَجعَلُه محضَ زنًا، وإن
سمَّاه الناسُ: زواجًا.
ومن تلك الأركان - سلَّمكِ الله -: الوَلِيُّ؛ فالمرأةُ مهما كانت كبيرةً،
لا تملك أن تزوِّج نفسَها، وإن فعلتْ فالنكاحُ باطلٌ؛
لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
( لا نِكاح إلا بوليٍّ )؛
رواه أحمدُ وأبو داود،
وقال تعالى:
{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ
إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ }
[البقرة: 232]،
والخطاب في الآية الكريمة لأولياء المرأة.
والوليُّ: أبو الزوجة، ثم الجَدُّ وإن علا، ثم ابنُها، ثم ابنُه وإن سَفَلَ،
ثم أخوها الشقيق، ثم الأخ لأبٍ، ثم أولادُهم وإن سَفَلوا، ثم العمُّ،
فالأقربُ فالأقرب في الميراث من عَصَبة المرأة.
ومنها:
الشهادةُ عليه، والمقصودُ شهادةُ العُدول من البشر، لا شهادةُ ربِّ
العالمين سبحانه؛ لحديث عمرانَ بنِ حُصينٍ مرفوعًا:
( لا نكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدَيْ عَدْلٍ )؛
رواه ابنُ حبَّانَ.
وقد ذكرتِ - رعاكِ الله - أن أحدًا من أهل تلك المرأة لن يَعلَم بزواجه
منها، وهذا هو نكاح السرِّ الباطل.
إذا تقرَّر هذا - أيتها الأخت الكريمة - ظَهَرَ لك بجلاء أن الزواج بدون
علم أهل المرأة باطلٌ؛ لتخلُّف ركن من أركان عقد النكاح، وهو الوليُّ،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( أيُّما امرأةٍ نُكحت بغير إِذْنِ وليِّها، فنكاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ،
فنكاحُها باطلٌ )؛
كما في المستدرك ، و صحيح ابن حبَّان ، وصحَّحه الذهبيُّ.
والغَرَض من تلك الوقفة ليس غريبًا عن جواب استشارتِك؛
بل هو مِن لُبِّها؛ حيث أردتُ أن أبيِّن لك أن من يجترئ على نكاح باطلٍ،
لا يَصلُح الارتباطُ به مهما تقدَّم بك العُمُرُ، وسيأتيك ما قدَّره الله لكِ؛
فالزواج مقدَّر كالرِّزق، وله وقت محدَّدٌ لا يُتقدَّم ولا يُتأخَّر عنه،
وقد صحَّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( إذا خطَب إليكم مَن ترضَوْنَ دينه وخُلُقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ
فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض )؛
رواه الترمذيُّ وغيره.
غير أنه يُمكِنكِ أن تَنصحيه بما ذكرتُه لك، فقد يكون عنده شُبَهٌ، ويظنُّ
أن ما يفعله مباحٌ، وبيِّني له أنه من الممكِن أن يُتمِّمَ الزواج بوليٍّ
وشاهدَيْ عَدْلٍ، والصيغة وهي الإيجاب والقَبول، ثم يُخفي الزواج عن
بقيَّة الأهل، وعن زوجها السابق، فيَبتعِد عن زواج السِّرِّ الباطل،
وهذا هو زواج المسيار الحلال، وأما غيره، فهو باطل بلا شكٍّ،
وبتلك الطريقة يكون قد حقَّق ما يريده، ولم يخالف شرع الله تعالى،
فمَن يَسْعَ بالأسباب التي يسَّرها الله وأباحها، يُوفِّقْهُ الله؛
كما قال تعالى:
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }
[الطلاق: 2].
أسأل الله أن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يُلهمَك رشدك
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
♦ الملخص:
امرأة عرض عليها رجل الزواج بشرط أن يتزوجَ طليقة أحد أقاربه
زواجًا سريًّا، زاعمًا أنه زواج مسيار، وهي لا تدري هل توافق أو لا؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة في الأربعين مِن عمري، عرَض عليَّ الزواجَ رجلٌ يكبرني
بسنوات، وبشروط معيَّنة، مِن بينها: أن أتقبَّل زواجَه السِّرِّيَّ مِن طليقة
أحد أقاربه، وألا أبوح بالأمر لأيِّ أحد كان؛ نظرًا لحساسية الأمر وسط العائلة،
ولقربه مِن زوجها السابق، وأن أصادق زوجته حتى يُصبح
التقاؤه بها سهلًا في بيته بعد الزواج!
يزعم هذا الرجل أن زواجه مِن هذه المرأة بهذه الكيفية زواج مسيار،
والمسيار حلال، رغم أن الزواج لا يعلمه أحدٌ مِن أهلها!
مشكلتي أن العمر يجري بي سريعًا، وأنا أريد أن تكونَ لي أسرة وأطفال،
في حين أني أشعر أن الرجل متعلِّق بهذه المرأة لدرجة الجنون، وهي
أشدُّ تعلُّقًا به، رغم أنها تكبره بعشَرة أعوام، أفيدوني ماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرًا
الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن
والاه، أما بعدُ:
فإن مِن العلم الضروريِّ عند الخاصَّة والعامَّة أيتها الأخت الكريمة:
أن زواج السرِّ باطل شرعًا، كما أن جميع المسلمين يُدركون أن الزواج
لا يكون صحيحًا حتى تُستكمَل شروطُ وأركانُ النكاح الشرعيِّ الصحيح،
وتخلُّفُ أحد تلك الشروط أو الأركان يُبطِله، ويَجعَلُه محضَ زنًا، وإن
سمَّاه الناسُ: زواجًا.
ومن تلك الأركان - سلَّمكِ الله -: الوَلِيُّ؛ فالمرأةُ مهما كانت كبيرةً،
لا تملك أن تزوِّج نفسَها، وإن فعلتْ فالنكاحُ باطلٌ؛
لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
( لا نِكاح إلا بوليٍّ )؛
رواه أحمدُ وأبو داود،
وقال تعالى:
{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ
إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ }
[البقرة: 232]،
والخطاب في الآية الكريمة لأولياء المرأة.
والوليُّ: أبو الزوجة، ثم الجَدُّ وإن علا، ثم ابنُها، ثم ابنُه وإن سَفَلَ،
ثم أخوها الشقيق، ثم الأخ لأبٍ، ثم أولادُهم وإن سَفَلوا، ثم العمُّ،
فالأقربُ فالأقرب في الميراث من عَصَبة المرأة.
ومنها:
الشهادةُ عليه، والمقصودُ شهادةُ العُدول من البشر، لا شهادةُ ربِّ
العالمين سبحانه؛ لحديث عمرانَ بنِ حُصينٍ مرفوعًا:
( لا نكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدَيْ عَدْلٍ )؛
رواه ابنُ حبَّانَ.
وقد ذكرتِ - رعاكِ الله - أن أحدًا من أهل تلك المرأة لن يَعلَم بزواجه
منها، وهذا هو نكاح السرِّ الباطل.
إذا تقرَّر هذا - أيتها الأخت الكريمة - ظَهَرَ لك بجلاء أن الزواج بدون
علم أهل المرأة باطلٌ؛ لتخلُّف ركن من أركان عقد النكاح، وهو الوليُّ،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( أيُّما امرأةٍ نُكحت بغير إِذْنِ وليِّها، فنكاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ،
فنكاحُها باطلٌ )؛
كما في المستدرك ، و صحيح ابن حبَّان ، وصحَّحه الذهبيُّ.
والغَرَض من تلك الوقفة ليس غريبًا عن جواب استشارتِك؛
بل هو مِن لُبِّها؛ حيث أردتُ أن أبيِّن لك أن من يجترئ على نكاح باطلٍ،
لا يَصلُح الارتباطُ به مهما تقدَّم بك العُمُرُ، وسيأتيك ما قدَّره الله لكِ؛
فالزواج مقدَّر كالرِّزق، وله وقت محدَّدٌ لا يُتقدَّم ولا يُتأخَّر عنه،
وقد صحَّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( إذا خطَب إليكم مَن ترضَوْنَ دينه وخُلُقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ
فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض )؛
رواه الترمذيُّ وغيره.
غير أنه يُمكِنكِ أن تَنصحيه بما ذكرتُه لك، فقد يكون عنده شُبَهٌ، ويظنُّ
أن ما يفعله مباحٌ، وبيِّني له أنه من الممكِن أن يُتمِّمَ الزواج بوليٍّ
وشاهدَيْ عَدْلٍ، والصيغة وهي الإيجاب والقَبول، ثم يُخفي الزواج عن
بقيَّة الأهل، وعن زوجها السابق، فيَبتعِد عن زواج السِّرِّ الباطل،
وهذا هو زواج المسيار الحلال، وأما غيره، فهو باطل بلا شكٍّ،
وبتلك الطريقة يكون قد حقَّق ما يريده، ولم يخالف شرع الله تعالى،
فمَن يَسْعَ بالأسباب التي يسَّرها الله وأباحها، يُوفِّقْهُ الله؛
كما قال تعالى:
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }
[الطلاق: 2].
أسأل الله أن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يُلهمَك رشدك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق