باب التقوى
كتاب رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى
قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار وجعل الله تعالى لهم مخرجا
أن الله يعطي المتَّقي فراسة يميّز بها حتى بين الناس
تكون تقوى الإنسان مكفرة لسيئاته ، كما حصل لأهل بدر رضي الله عنهم،
وقال تعالى :
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }
يتق الله بفعل ما أمر به، ويترك ما نهى عنه. يجعل له مخرجا من كل ضيق،
فكلما ضاق عليه الشيء وهو متَّقٍ لله- عز وجل - جعل له مخرجا، سواء كان
في معيشة، أو في أموال، أو في أولاد، أو في مجتمع، أو غير ذلك. متي كنت
مُتَّقيًا الله فثِق أن الله سيجعل لك مخرجا من كل ضيق ، واعتمد ذلك، لأنه قول
من يقول للشيء كن فيكون
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً }.
وما أكثر الذين اتقوا الله فجعل لهم مخرجاً،
ومن ذلك قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فنزلت صخرة على باب
الغار فسَدته، فأرادوا أن يزيحوها فعجزوا، فتوسَّل كل واحد منهم بصالح
عمله إلى الله عز وجل، ففرج الله عز وجل عنهم وزالت الصخرة (307)
وجعل الله لهم مخرجا، والأمثلة على هذا كثيرة! وقوله
{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }
هذا أيضا فائدة عظيمة، أن الله يرزقك من حيث لا تحتسب، فمثلا لو فرضنا
أن رجلا يكتسب المال من طريق محرَّم، كطريق الغش أو الربا أو ما أشبه
ذلك، ونُصِحَ في هذا وتركه لله، فإن الله سيجعل له مخرجا ويرزقه من حيث
لا يحتسب، ولكن لا تتعجَّل، ولا تظن أن الأمر إذا تأخر فلن يكون، ولكن قد
يبتلي الله العبد فيؤخِّر عنه الثواب، ليختبره هل يرجع إلى الذنب أم لا، فمثلا
إذا كنت تتعامل بالربا، وَوَعَظك من يعظُك من الناس، وتركت ذلك، ولكنك
بقيت شهرا أو شهريا ما وجدت ربحا، فلا تيأس، ولا تقل أين الرزق من حيث
لا احتسب، بل انتظر، وثق بوعد الله وصدِّق به، وستجده، ولا تتعجل، ولهذا
جاء في الحديث:
((يُستجاب لأحدكم - أي إذا دعا- ما لم يَعْجَل، قالوا:
كيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول دعوت فلم يُستَجب لي))
فاصبر، واترك ما حرَّم الله عليك، وانتظر الفرج والرزق من حيث لا تحتسب.
الآية الخامسة قوله تعالى:
{ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
[الأنفال:29]،
هذه ثلاث فوائد عظيمة: الفائدة الأولى: ﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾ أي يجعل لكم ما
تُفَرِّقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وهذا يدخل فيه العلم،
بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتحها لغيره، فإن التقوى
يحصل بها زيادة الهدى، وزيادة العلم ، وزيادة الحفظ، ولهذا يُذكر
عن الشافعي رحمه الله أنه قال:
شَكَـوتُ إلـى وَكِيــعٍ سُـوءَ حِفْظِـــي
فـأَرشَـدَني إلـى تَـْركِ المعــاصـي
وقـال اعلَــمْ بــأنَّ العِلْـــمَ نُــــــورٌ
ونُــورُ الله لا يُــؤتَــاه عَــاصـي
ولا شك أن الإنسان كلما ازداد علما، ازداد معرفة، وازداد فرقانا بين الحق
والباطل، وبين الضار والنافع، وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان
من الفهم، لأن التقوى سبب لقوة ، وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم، فإنك
ترى الرَّجلين يحفظان آية من كتاب الله، يستطيع أحدهما أن يستخرج منها
ثلاثة أحكام مثلا، ويستطيع الآخر أن يستخرج أربعة، أو خمسة، أو عشرة،
أو أكثر من هذا بحسب ما آتاه من الفهم. فالتقوى سبب لزيادة الفهم، ويدخل
في ذلك أيضا الفراسة، أن الله يعطي المتَّقي فراسة يميّز بها حتى بين الناس،
فبمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق، أو أنه برٌّ أو فاجر، حتى
انه ربما يحكم على الشخص وهو لم يُعَاشره ولم يعرف عنه شيئا، بسبب
ما أعطاه الله من الفراسة.
ومن البلاء للعبد، أن يظن أن ما كان عليه من الذنوب ليس بذنب،
فيصرُّ عليه والعياذ بالله، كما قال الله تعالى:
{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }
[الكهف:104،103]،
فكثير من الناس لا يُقلع عن الذنب، لأنه زُين له- والعياذ بالله- فألِفَهُ وصعب
عليه أن ينتشل نفسه منه، لكن إذا كان مُتَّقِيا لله- عز وجل - سهل الله له
الإقلاع عن الذنوب حتى يغفر له، وربما يغفر الله له بسبب تقواه، فتكون
تقواه مكفرة لسيئاته، كما حصل لأهل بدر رضي الله عنهم،
((فإن الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))
، فتقع الذنوب منهم مغفورة لما حصل لهم فيها، أي في الغزوة من الأجر
العظيم. وقوله: ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال:29]، أي: صاحب الفضل
العظيم الذي لا يعدله شيء ولا يوازيه شيء، فإذا كان الله موصوفا بهذه
الصفة، فاطلب الفضل منه سبحانه وتعالى، وذلك بتقواه والرجوع إليه.
والله أعلم.
كتاب رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى
قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار وجعل الله تعالى لهم مخرجا
أن الله يعطي المتَّقي فراسة يميّز بها حتى بين الناس
تكون تقوى الإنسان مكفرة لسيئاته ، كما حصل لأهل بدر رضي الله عنهم،
وقال تعالى :
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }
يتق الله بفعل ما أمر به، ويترك ما نهى عنه. يجعل له مخرجا من كل ضيق،
فكلما ضاق عليه الشيء وهو متَّقٍ لله- عز وجل - جعل له مخرجا، سواء كان
في معيشة، أو في أموال، أو في أولاد، أو في مجتمع، أو غير ذلك. متي كنت
مُتَّقيًا الله فثِق أن الله سيجعل لك مخرجا من كل ضيق ، واعتمد ذلك، لأنه قول
من يقول للشيء كن فيكون
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً }.
وما أكثر الذين اتقوا الله فجعل لهم مخرجاً،
ومن ذلك قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فنزلت صخرة على باب
الغار فسَدته، فأرادوا أن يزيحوها فعجزوا، فتوسَّل كل واحد منهم بصالح
عمله إلى الله عز وجل، ففرج الله عز وجل عنهم وزالت الصخرة (307)
وجعل الله لهم مخرجا، والأمثلة على هذا كثيرة! وقوله
{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }
هذا أيضا فائدة عظيمة، أن الله يرزقك من حيث لا تحتسب، فمثلا لو فرضنا
أن رجلا يكتسب المال من طريق محرَّم، كطريق الغش أو الربا أو ما أشبه
ذلك، ونُصِحَ في هذا وتركه لله، فإن الله سيجعل له مخرجا ويرزقه من حيث
لا يحتسب، ولكن لا تتعجَّل، ولا تظن أن الأمر إذا تأخر فلن يكون، ولكن قد
يبتلي الله العبد فيؤخِّر عنه الثواب، ليختبره هل يرجع إلى الذنب أم لا، فمثلا
إذا كنت تتعامل بالربا، وَوَعَظك من يعظُك من الناس، وتركت ذلك، ولكنك
بقيت شهرا أو شهريا ما وجدت ربحا، فلا تيأس، ولا تقل أين الرزق من حيث
لا احتسب، بل انتظر، وثق بوعد الله وصدِّق به، وستجده، ولا تتعجل، ولهذا
جاء في الحديث:
((يُستجاب لأحدكم - أي إذا دعا- ما لم يَعْجَل، قالوا:
كيف يعجل يا رسول الله؟ قال: يقول دعوت فلم يُستَجب لي))
فاصبر، واترك ما حرَّم الله عليك، وانتظر الفرج والرزق من حيث لا تحتسب.
الآية الخامسة قوله تعالى:
{ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
[الأنفال:29]،
هذه ثلاث فوائد عظيمة: الفائدة الأولى: ﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾ أي يجعل لكم ما
تُفَرِّقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وهذا يدخل فيه العلم،
بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتحها لغيره، فإن التقوى
يحصل بها زيادة الهدى، وزيادة العلم ، وزيادة الحفظ، ولهذا يُذكر
عن الشافعي رحمه الله أنه قال:
شَكَـوتُ إلـى وَكِيــعٍ سُـوءَ حِفْظِـــي
فـأَرشَـدَني إلـى تَـْركِ المعــاصـي
وقـال اعلَــمْ بــأنَّ العِلْـــمَ نُــــــورٌ
ونُــورُ الله لا يُــؤتَــاه عَــاصـي
ولا شك أن الإنسان كلما ازداد علما، ازداد معرفة، وازداد فرقانا بين الحق
والباطل، وبين الضار والنافع، وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان
من الفهم، لأن التقوى سبب لقوة ، وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم، فإنك
ترى الرَّجلين يحفظان آية من كتاب الله، يستطيع أحدهما أن يستخرج منها
ثلاثة أحكام مثلا، ويستطيع الآخر أن يستخرج أربعة، أو خمسة، أو عشرة،
أو أكثر من هذا بحسب ما آتاه من الفهم. فالتقوى سبب لزيادة الفهم، ويدخل
في ذلك أيضا الفراسة، أن الله يعطي المتَّقي فراسة يميّز بها حتى بين الناس،
فبمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق، أو أنه برٌّ أو فاجر، حتى
انه ربما يحكم على الشخص وهو لم يُعَاشره ولم يعرف عنه شيئا، بسبب
ما أعطاه الله من الفراسة.
ومن البلاء للعبد، أن يظن أن ما كان عليه من الذنوب ليس بذنب،
فيصرُّ عليه والعياذ بالله، كما قال الله تعالى:
{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }
[الكهف:104،103]،
فكثير من الناس لا يُقلع عن الذنب، لأنه زُين له- والعياذ بالله- فألِفَهُ وصعب
عليه أن ينتشل نفسه منه، لكن إذا كان مُتَّقِيا لله- عز وجل - سهل الله له
الإقلاع عن الذنوب حتى يغفر له، وربما يغفر الله له بسبب تقواه، فتكون
تقواه مكفرة لسيئاته، كما حصل لأهل بدر رضي الله عنهم،
((فإن الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))
، فتقع الذنوب منهم مغفورة لما حصل لهم فيها، أي في الغزوة من الأجر
العظيم. وقوله: ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال:29]، أي: صاحب الفضل
العظيم الذي لا يعدله شيء ولا يوازيه شيء، فإذا كان الله موصوفا بهذه
الصفة، فاطلب الفضل منه سبحانه وتعالى، وذلك بتقواه والرجوع إليه.
والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق