غصون رمضانية ( 013 – 030 )
عبدالله بن عبده نعمان
البصر نورٌ وهبه الله تعالى للإنسان ينير له دروبَ الحياة،
فيرى به مصالح دنياه وأخراه، يشاهد بهذه النعمة السابغة صفحات
هذا الكون المفتوح وعليه شواهد إبداع الخالق،
ودلائل عظمة تصويره وقدرته، تلك المشاهد الآسرة للأبصار المتأملة
تنطق بصمتها، وتعظ بسكونها، وتهدي إلى بارئها بروعة تكوينها،
ودقة تلوينها، إذا فتح الإنسان عينيه فنظر أمامه فسيقابل ذكرى ظاهرة،
وإلى خلفه فسيُلفي آية باهرة، وعن يمينه فسيجد براهين قاطعة،
وعن شماله فسيرى حجة دامغة، وإلى فوقه فسيسمو إلى عبرة كاملة،
وإلى تحت قدميه فسيلحظ أدّلة دامغة.
يتنقل البصر في جوانب الحياة فيرى مصارع أهل العناد،
ومكارم الصالحين من العباد، فيعرف أيَّ الطريقين يسلك،
{ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }
ويرجع إلى نفسه فيتأمل بعينيه المبصرتين كيف خلقه الله
وسواه وعدله، وينظر إلى والديه فيتنعم بالنظر إليهما،
وإلى زوجه فيتمتع بمشاهدة روضة فؤاده التي جعل الله بينه
وبينها مودة ورحمة، ويلتفت إلى أولاده ثمرات قلبه فيملأ عينيه
بالنظر إليهم، ويجلس مع أحبابه وأُلاّفه فتجتمع له معهم
نِعم الجلوس والسماع والمشاهدة.
فلله ما أعظم هاتين الحبيبتين! وما أقلَّ شكرنا لهما!؛
لهذا عظم أجر من فقدهما فاحتسبهما،
ولكن هذه النعمة العظيمة صرفها كثير من أهلها
إلى مساخط المنعم بها!!، فنظر بها بعض الناس إلى معالم
الشرك والإلحاد وأدبياتهما فأشركوا بالله وألحدوا،
وتتبع بها آخرون عورات المسلمين، وسرحها آخرون
في صور المردان والنسوان، وقرأ بها آخرون الحروف المظلمة
للدين والدنيا.
ومن هنا انطلقت السهام إلى القلب فغدا مأوى للفساد،
ومهيعًا للخراب، فسكنت فيه الشياطين فأسدلت فيه حجبَ الظلمات،
وهجّرت منه أنوار الهداية، حتى عششت فيه غربان الظلام وهاماتُه.
والسبب في هذا المآل المردي أن بين القلب والعين ارتباطًا وثيقًا،
وسببًا متصلاً؛ فالقلب هو الملك خلف أسوار الظاهر،
ومبعوثُه إلى خارج قصره هو العين التي ائتمنها على منقولاتها إليه،
فما جاءه منها تقبله فأثر فيه صلاحًا وفساداً.
إن العين إذا فسدت جرّت على القلب الويلات،
وساقت إليه الحسرات؛ لأنها إذا انطلقت إلى الحرام ارتدّت
سهمًا مسمومًا يمرض القلب أو يقتله، وحينها يزفر القلب الآهات،
ويتأوه من شده الوجع، وعجزِ الوصول إلى المبتغى!
فمن كان وافرَ العقل في رمضان فليجعل أمام عينيه سياجًا
من الورع دون الحرمات، وليبعد نفسه عن سوق الشبهات
والشهوات الواردة إلى القلب عبر قناة العين، فمن زنت عيناه،
فليسارع إلى العفاف والكف، وليخلع لباس الذنب،ar
وليغسل جنابة النظر الحرام بدمع الندم الغزير
الذي يغسل مجاري الشيطان، ويطفئ وهج النيران الذي قدحت
زنادَهما العينان، وليلبس كساء التوبة لينال الغفران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق